“هيئات إفتاء” وخطوات وتحديات..ماذا بعد انتخاب الرفاعي “مفتياً للجمهورية”؟
كثيرةٌ هي التحليلات والقراءات التي خرجت عقب انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي “مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية”، وما بين تلك التي ركّزت على رمزية المنصب وانعكاسات خطوة “المجلس الإسلامي السوري” على المشهد الديني للبلاد، لم تجب أخرى عن سؤال “ماذا بعد؟”.
تنقسم الإجابة عن هذا السؤال، حسب ما تحدث مصدر مقرب من “المجلس الإسلامي السوري” الذي يرأسه الرفاعي وباحث في شؤون “الجماعات الإسلامية” إلى شقين؛ الأول حول ماهية الآليات التي سيتم من خلالها تفعيل مهام “المفتي” في عموم المناطق السورية، أما الثاني فيبحث في التحديات المرتبطة بعدة اعتبارات مرتبطة بالحالة الخاصة التي تعيشها سورية سياسياً وعسكرياً من جهة، واجتماعياً ودينياً من جهة أخرى.
“زيارة وخطاب”
بعد أربعة أيام من انتخاب الرفاعي، أُعلن عن زيارته إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في ريف حلب الشمالي، حيثُ وَجهً ما يُمكن اعتباره أول خطاب له عقب منصب “المفتي”، وتحدث خلاله عن عدة نقاط.
حيث قال إن المنصب الذي تولاه جاء بعد إلغاء منصب المفتي من قبل نظام الأسد بشكل مفاجئ، وأن “كبار العلماء” في “المجلس الإسلامي السوري” و”مجلس الإفتاء” اتفقوا على انتخابه.
وأشار الرفاعي إلى أن نظام الأسد كان يعين علماء في مناصب شرعية لتسيير أوامره ومصالحه بصورة دينية، معتبراً أن “مهمة الإفتاء لا تقتصر على مسائل الزواج والطلاق، كما شكّلها نظام الأسد، وإنما المفتي المنتخب من قبل العلماء يبذل كل جهده لحفظ البلد من العبث في الدين والأحكام الشرعية ومن امتطاء هذه الأحكام الشرعية من قبل الحكام”.
وفي نهاية كلمته قال إنه يمد يده “إلى جميع مكونات الشعب السوري لأن منصب المفتي ليس هو لفئة دون فئة وهو للسوريين جميعاً”.
وحسب ما يقول مصدر مقرب من “المجلس الإسلامي السوري”، فإن الرفاعي ركّز خلال زيارته الأخيرة إلى ريف حلب الشمالي، على فكرة توحيد الفصائل العسكرية، والمنضوية بصورة عامة في تشكيل “الجيش الوطني”، رغم أن “مشروع التوحد الذي دعا إليه الرفاعي قد يكون من الصعب تطبيقه في الوقت الحالي، وهو ما بدا من ردود أفعال غير معلنة من بعض الفصائل العسكرية هناك”.
وفيما يتعلق بالآليات التي سيسير عليها المفتي في المرحلة المقبلة لترجمة مهامه على أرض الواقع، أشار المصدر إلى إجراءات يتم العمل عليها من أجل تشكيل هيئات إفتاء في الشمال السوري، لـ”تسهيل العمل، كون الشيخ الرفاعي يقيم في تركيا، ومقر المجلس الذي يرأسه كذلك”.
وتحدث المصدر أن ما سبق لم يحسم بشكل كامل، بينما لم يصدر أي بيان من جانب “المجلس الإسلامي السوري” يوضح تفاصيل الخطوات التي سيتخذها في المرحلة المقبلة.
“شق رمزي”
لم تكن زيارة الشيخ الرفاعي في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي الأولى من نوعها إلى ريف حلب الشمالي، فقد سبقتها زيارة خلال شهر أغسطس/آب العام الحالي.
وقبل أربعة أشهر شملت زيارة الرفاعي، مجالس ومساجد وفعاليات متعددة، وتخللها وضع حجر الأساس لمبنى المجلس” الذي يرأسه في الداخل السوري، في خطوة قرأها مراقبون على أنها تعزز حضوره أكثر بين أوساط المجتمع السوري هناك.
وبعد تعيينه مفتياً عاماً لسورية يرى الكاتب المتخصص بقضايا التيارات والمدارس الإسلامية، محمد خير موسى أن هذا المنصب له شقين.
الشق الأول رمزي، حيث يمثل “مرجعية الدولة”، ويقول خير موسى لـ”السورية.نت”، إن “الإفتاء في أي دولة يمثل المرجعية الدينية لها. عندما يكون المفتي سنياً نستطيع القول إن مذهب هذه الدولة المذهب السني. إذا كان المفتي الرسمي شيعياً نستطيع أن نقول إن المذهب الرسمي في هذه الدولة شيعي”.
وعندما ألغى نظام الأسد منصب المفتي لصالح “المجلس العلمي الفقهي” يضيف الباحث الإسلامي أنه “أراد بهذه الخطوة أن يضرب هذه الرمزية والهوية الدينية للبلاد”.
“حالة مرجعية”
في سياق ما سبق وبالانتقال إلى الشق الثاني المتعلق بمنصب “المفتي”، يوضح خير موسى أنه يمثل “حالة مرجعية للشعب السوري بمختلف توجهاته، لاسيما المسلمين منهم وحتى غير المسلمين”.
وهذه الحالة تتعلق بـ”إعطاء الموقف الشرعي من المسائل المختلفة، لاسيما المسائل الطارئة والنوازل التي تحيط بالبلد عموماً. هذا هو الأصل في الإفتاء”.
وبحسب ذات الباحث “عندما خضع الإفتاء للاستبداد السياسي فقد فرغه من مضمونه وجعله ضمن حيز قصير من الفتاوى”.
وعلى مدى 16 عاماً، كان أحمد بدر الدين حسون قد أعطى مثالاً واضحاً للهيمنة التي فرضها نظام الأسد على المؤسسة الدينية في سورية، ساعياً بذلك إلى تطويعها كجهة من ضمن صلاحياته الأخرى، سواء العسكرية أو السياسية.
وصبت معظم الفتاوى التي خرجت من لسان حسون في صالح نظام الأسد، خاصة منذ مطلع الثورة السورية، وما تبع ذلك من الحرب التي شنتها قوات الأسد ضد كل من نادى بإسقاط النظام وطالب بالتغيير.
ورغم مرور أربعة أسابيع على المرسوم 28(2021) لنظام الأسد، الذي عزز فيه مهام ما يسمى “المجلس الفقهي العلمي”، وألغى في مادته 35 منصب “المفتي”، لم يقدّم النظام أسباباً واضحةً للخطوة المفاجئة.
وذهب وزير الأوقاف في حكومة الأسد، محمد عبد الستار السيد، إلى ما هو أبعد من ذلك، معتبراً أن منصب المفتي “أُحدِثَ سياسياً” من قبل ما سماه “الاحتلال العثماني”.
ماذا بعد؟
أمام ما سبق من إلغاء للمنصب فجأة وإشغاله على عجل من قبل “المجلس الإسلامي السوري”، تبقى خطوات الشيخ الرفاعي رهن التكهنات. كيف يمكن أن يترجم مهامه؟ وهل سيتمكن من استهداف الجميع على اختلاف مناطق النفوذ التي يعيشون فيها؟
وبوجهة نظر الباحث محمد خير موسى، فإن المتوقع من منصب المفتي بعد خروجه من سيطرة النظام هو ترجمته إلى أمرين اثنين: الأول من خلال تحقيق المرجعية الشرعية للشعب وجماهير السوريين، من خلال التفافهم حول شخصية الشيخ الرفاعي، الذي لا يخضع للسلطة السياسية.
بينما يذهب الأمر الآخر إلى محاولة إيجاد مؤسسات بديلة لمؤسسات النظام الدينية، وهذا نوع من أنواع سحب الشرعية من النظام.
لكن الباحث خير موسى تحدث عن تحديات ستواجه الرفاعي، مشيراً إلى أن الأمر “طبيعي جداً”.
وللتحديات عدة أنواع، منها متعلقة بالمكان، حيث تعتبر خطوة “المجلس الإسلامي السوري” فريدة من نوعها في العالم الإسلامي.
ويوضح خير موسى: “هذه المرة الأولى التي يتم فيها تعيين مفتي خارج الحدود أو خارج دائرة البلاد. هذا تحدٍ كبير جداً في عملية إثبات الذات والتفاف الجماهير”.
أما التحدي الثاني فهو “تحقيق مدى الشرعية لدى مؤسسات الإفتاء في العالم الإسلامي والقبول بذلك”.
وكان “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” قد أصدر بياناً أعرب فيه عن “أحر التهاني وأخلص التمنيات” بانتخاب “المجلس الإسلامي السوري” للشيخ أسامة الرفاعي “مفتياً عاماً للجمهورية العربية السورية”.
بيانات لـ”الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين” وهيئات 3 دول عربية عن “مفتي سورية”
وقبل ذلك أصدرت “هيئة علماء المسلمين” في لبنان، و”هيئة علماء فلسطين في الخارج” و”هيئة علماء اليمن” بياناتٍ مماثلة.
وجاء في بيان “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” الذي يشغل الدكتور علي القره داغي منصب أمينه العام، أن انتخاب أسامة الرفاعي “يعتبر الرد العملي على الإلغاء الرسمي لمنصب مفتي سورية”.
واعتبر أن “وجود الرفاعي في هذا المنصب سيعزز بلا شك العلاقة المتميزة التي تربط الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالعلماء الأجلاء، والشعب العظيم في سورية الحرة الأبية”.
“قبول داخلي وخارجي”
إلى الحالة السورية على الخصوص وبينما يبدو الواقع السياسي العام معقداً بعد عشر سنوات لا يختلف الحال الاجتماعي كثيراً، فهناك ثلاثة مناطق نفوذ. لكل منها بالمنظور العام رؤى وأفكار وتوجهات تختلف عن الأخرى.
وفي سياق حديثه عن التحديات، يشير الباحث خير موسى إلى أن القبول السياسي من الدول المختلفة للتعامل مع المفتي الجديد على أنه مفتياً عاماً لسورية يعتبر من أبرزها.
وبخصوص مناطق النفوذ يضيف الباحث: “يتوقف الأمر على طريقة تعاطي المفتي الجديد مع هذه المسألة. يمكن ذلك من خلال تقديم خطاب إسلامي وطني جامع، يشمل من كان في مناطق النظام أو المعارضة. المفتي للجميع على اختلاف أماكنهم ووجودهم”.
و”يجب أن يلمس المفتي احتياجات وهموم الشارع السوري الشرعية، ويكون مواكباً لتطلعاتهم ويقدم مواقف واضحة تجعلهم يلتفون حوله”.
إضافة إلى ذلك يجب أن تكون هناك “حالة من البعد عن أي نوع من الخطاب الطائفي أو الاستقطابي او المعارك الشرعية الموجودة”، وأن يتم التوجه أيضاً إلى تشكيل مجلس إفتاء، يشمل جميع المتخصصين الشرعيين، ويكون بالانتخاب.
ويعتبر كل ما سبق “آليات يستطيع الإفتاء القيام بها”، وبحسب الباحث السوري “لا بد أن تتوائم وتتضمن بخطاب إعلامي قوي واستشارات سياسية تحيط بالمفتي الجديد في آلية خطاب الشارع السوري وخطاب الشارع الإسلامي والدولي بشكل عام”.