هناك أكثر من خَطْب في إعلان وزارة الخزانة الأميركية عقوبات جديدة على مؤسسات وأفراد على علاقة مزعومة بـ”حزب الله” يوم أمس.
بداية، التوقيت ينم عن عدم حساسية أميركية حيال لبنان. ذاك أن لبنان على بعد أيام فقط من إعلان إفلاس غير مدروس، ومن دون أي غطاء قانوني أو مساعدات دولية، وهو بالتالي عُرضة لإهتزاز يُصيب نظامه المالي والاقتصادي برمته، ويُغرق الآلاف في الفقر. عدد اللبنانيين الذين انزلقوا إلى ما دون خط الفقر، وفقاً لمسؤولي وزارة الشؤون الاجتماعية، وصل إلى 40 في المئة من عدد السكان، أي قرابة المليوني إنسان، وهو رقم مرشح للارتفاع باضطراد خلال الأسابيع المقبلة مع ارتفاع سعر الصرف وازدياد وتيرة الأزمات المحلية. الواقع ازداد سوءاً لمن يعيش أصلاً تحت خط الفقر، إذ انخفض مدخولهم اليومي إلى ما دون الأربعة دولارات يومياً. التقارير باتت متواترة عن سوء التغذية بين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين أيضاً، وفي أوساط طلاب المدارس الرسمية. وفوق كل ذلك، ينتظر لبنان أياماً حاسمة لمعرفة مدى انتشار فيروس الكورونا، وهي مواعيد تتزامن لسؤ حظنا مع اعلان الافلاس المرتقب.
في هذا التوقيت بالذات، قررت واشنطن فرض عقوبات موسعة، على قطاع مصرفي مفلس تطبيقها على وجه السرعة (وإلا …). كما وتوعدت بمزيد من الإجراءات بحق المسؤولين اللبنانيين.
والحقيقة أن انعدام الحساسية المفرط ينسحب أيضاً على التصريحات السياسية الأميركية حيال لبنان. ديفيد شانكر مساعد وزير الخارجية الأميركي، ألمح إلى جدل أميركي حيال الابقاء على المساعدات الحالية الى لبنان، وهي ضئيلة نسبة لما تحتاجه البلاد. يعني عملياً، من المرجح أن تتجه الولايات المتحدة الى تقليص مساعداتها الحالية للبنان، لا أن ترفع منسوب الدعم لهذا البلد المفلس نظراً لأزمته الإنسانية المتفاقمة.
ووفقاً لتقارير أميركية، حصل السيناتور الجمهوري الأميركي تيد كروز، وهو أحد أبرز ناقدي الدعم المالي للبنان، على تعهدات من السفيرة الأميركية الجديدة دوروثي شيا، بحرمان البلدات اللبنانية التي “يُسيطر عليها حزب الله” من أي دعم أميركي. طبعاً، وفقاً للتعريف الفضاض لهذه الهيمنة الحزب اللهية، تتأرجح سيطرة “حزب الله” بين المناطق الشيعية برمتها، وبين لبنان بأسره. وهنا بيت القصيد، إذ تسود الرواية الليكودية للسيطرة الحزب اللهية على لبنان برمته في أوساط الحزب الجمهوري. لهذا، يعمل بعض أعضاء الكونغرس الأميركي على إعداد معركة لوقف الدعم عن لبنان بحجة خضوع حكومته لسيطرة “حزب الله”.
وهناك مشكلة ثانية في التوقيت على ارتباط بـ”صفقة القرن”، وتحديداً بالاعتراف الأميركي بالاحتلال الإسرائيلي لأراضي عربية عام 1967، ما ينسف أسس مفاوضات السلام منذ تسعينات القرن الماضي. في هذا السياق، ونظراً لأن الاحتلال الاسرائيلي بات يقود في مساره الطبيعي إلى اعتراف أميركي (بمثابة مكافأة)، بماذا ستجيب واشنطن من يسأل عمّا اذا كانت مقاومة “حزب الله” في تسعينات القرن الماضي، حائلاً دون اعتراف أميركي مماثل بضم أراضي جنوبي لبنان لإسرائيل؟
بات من الصعب اليوم بناء حجة أخلاقية أميركية في ظل هذه الإدارة، ذلك أن الخط الفاصل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبين حزب الليكود والتوسع الاستيطاني الاسرائيلي، غير موجود، وكأننا أمام طرف واحد. ما الفارق بين هدم الاحتلال الاسرائيلي منازل مقاومين فلسطينيين ورمي أهلهم في الشارع، وبين ملاحقة الإدارة الاميركية أيتام الحزب وفي ظل أزمة اقتصادية ومالية طاحنة؟
لا يوجد هنا خطاب سياسي على ارتباط مثلاً بدور الحزب في دعم النظام السوري الذي يواصل ارتكاب جرائم حرب في سوريا، ولا طبعاً علاقته بالماكينة الايرانية القامعة للعراقيين في انتفاضة بغداد. يؤشر سياق العقوبات الأخيرة الى أنها استهداف لحقبة الثمانينات والتسعينات في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، وهي مشروعة برأي غالبية اللبنانيين.
بعقوباتها الأخيرة، أبلغت واشنطن اللبنانيين أنها في لبنان مثل ماكينة تدمير آلية ستسير نحو أهدافها المحددة ولو دهست آلاف الضعفاء ومعهم البلد برمته في طريقها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت