يومٌ دامٍ في أريحا وإدلب..عائلاتٌ ودّعت أطفالها وشبابها
منظمة "إحسان للإغاثة والتنمية" نعت اثنين من كوادرها
كعادته اليومية، يغادر إبراهيم اليونس، كل صباح، بيته في قرية أورم الجوز(حيث وُلدَ سنة ١٩٩٠)، ليقطع على دراجته النارية، مسافة أربعة كيلو مترات شمالاً نحو مدينة أريحا، حيث يستقل من هناك مع أصدقائه، وهم عمالٌ إنسانيّون، سيارةً يقودها زميلهم رغيد جسري، وتقطع بهم مسافة 13 كم، نحو مكتبهم في منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” وسط مدينة إدلب.
لكن صباح اليوم الأربعاء، 4 نوفمبر/تشرين الثاني، غيّرَ كل شيءٍ بالنسبة لأُسرَتي إبراهيم ورغيد، إذ فُقدَ الاتصال بهما، بعدما التقيا كالعادة، في الحارة الشمالية لمدينة أريحا، التي سالت فيها اليوم دماءُ مدنيين كثيرين، حيث تعرضت أحيائها السكنية، عند الساعة 07:40 لموجةٍ قصفٍ مدفعيٍ كثيف، نفذته قوات الأسد.
يقول أحد أصدقاء إبراهيم اليونس، لـ”السورية.نت”، إن “إبراهيم أرسل من هاتفه المحمول صباح اليوم، لزملائه الذين يذهبون كل يوم لعملهم بذات السيارة، إنه قادم نحوهم مع رغيد.. لكن الاتصال بهم انقطعَ مع دويّ أصوات المدفعية وسقوط قذائفها في أريحا”.
(المكان الذي كان فيه ابراهيم اليونس ورغيد جسري لحظة تعرضه للقصف 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020)
قصفٌ متزامن خلف 25 قتيلاً وجريحاً
بالتزامن مع القصف الذي خَلَّفَ أربعة قتلى وأكثر من عشرة جرحى في أريحا، كانت مدينة إدلب، وقرى كفريا وبنش القريبة، تعيش مشهداً دامياً مماثلاً، إذ استهدفتها قذائف مدفعية قوات الأسد، وقتلت وجرحت مدنيين آخرين.
وأكد لـ”السورية.نت”، مصدرٌ في المكتب الإعلامي لـ”الدفاع المدني السوري”، إن عدد ضحايا هجمات قوات النظام اليوم في شمال غرب سورية، بلغَ 4 قتلى في أريحا، و3 في مدينة إدلب وقرية كفريا، إضافة لثمانية عشر جريحاً، كحصيلة غير نهائية، مؤكداً أن القصف استهدف مدرستين وسوقاً شعبياً.
ورغم أن قوات النظام وحلفائه، خرقت اتفاقيات وقف النار في إدلب مراراً، لكن يُعتبر قصف اليوم، من أشرس الهجمات التي استهدفت أحياء ومبانٍ حيوية للسكان المدنيين في إدلب، منذ التوصل لتفاهم وقف إطلاق النار بين الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، يوم الخامس من مارس/آذار الماضي.
وداع ريماس الأخير
ومن بين الضحايا بهجمات النظام، في مدينة أريحا، اليوم الأربعاء، الطفلة ريماس هنداوي، التي قضت بينما كانت متوجهة لمدرستها، حيث نقل شهود عيانٍ في أريحا عن والدة ريماس أثناء وداع ابنتها قبل الدفن:”والله يا أمي ما كنت بدي أبعتك للمدرسة، و الله كنت بدي خليكي نايمة ما كنت بدي أبعتك”.
وتُضاف الطفلة ريماس هنداوي، إلى 29357 طفلاً وطفلة، قتلوا في سورية، منذ مارس/أذار 2011 حتى سبتمبر/أيلول 2020، حسب توثيق “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
مئات العاملين بالمجال الإنساني لقوا حتفهم
وإلى جانب أسرة الطفلة ريماس في أريحا، فَقدت ثلاث أسرٍ، ثلاثة أطفال آخرين، في القصف الذي طال مدينة إدلب وبلدتي كفريا وبنش.
وعاشت هذه المناطق، يوماً مأساوياً طويلاً، بدأ بالقصف العنيف، ثم انتشال الضحايا، وانتهى بتشييعهم وإقامة عائلاتهم لاحقاً بيوت العزاء بهم.
وانسحب نفس المشهد بالنسبة لأسرتي إبراهيم اليونس، ورغيد جسري، إذ وبعد فقدان الاتصال بهم أثناء القصف في أريحا، بدأت الشكوك تساور أصدقائهما، حول مصيرهما.
عند الساعة 10:05 صباح الأربعاء، كانت جثث الضحايا التي أصابها التشوه، قد وصلت إلى الطبابة الشرعية في المشفى الوطني بمدينة إدلب، و تعرفت هناك أسرة إبراهيم اليونس على جثمانه، وكذلك أسرة رغيد جسري.
مع ظهيرة ذات اليوم، دَفَنت عائلة ابراهيم جثمانه في مسقط رأسه، قرية أورم الجوز التي وُلِدَ بها قبل ثلاثين سنة، وبالتزامن كانت أسرة رغيد تواريه الثرى في مدينة أريحا.
ويعمل إبراهيم اليونس منذ سنتين، في مجال الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، بمنظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” إحدى مؤسسات “المنتدى السوري”، وهو خريج معهد تربية رياضية، متزوج ولديه طفل، وكان معيلاً لأسرتهِ وأسرة والديه.
وإبراهيم اليونس مع رغيد جسري، هما من بين مئات الضحايا الآخرين، الذين كانوا ينشطون في العمل الإنساني، في سورية، قبل أن يلقوا حتفهم، أثناء فترة عملهم.
وفي التاسع عشر من أغسطس/آب الماضي، وبينما كانت الأمم المتحدة تحيي “اليوم العالمي للعمل الإنساني”، تحدث الرئيس الدوري للجمعية العامة للأمم المتحدة، محمد باندي، عن التحديات والمخاطر، التي تواجه العاملين في المجال الإنساني، أثناء تقديمهم “الدعم للفئات الضعيفة من السكان”.
ووصفهم باندي بأنهم “أول من يستجيب وآخر من يغادر متقبلين مخاطر التعرض للتهديد والإصابة والاختطاف والقتل”.
وأصدر يومها، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، بياناً قال فيه، إن الهجمات ضد العمال الإنسانيين حول العالم، سنة 2019، زادت بنسبة 18% عن السنة السابقة، وأن 125 منهم لقوا مصرعهم، معظمهم في سورية.