ورشة ألبسة تعيد حرفيين لمهنتهم وتخطط لتوسيع الإنتاج والتوظيف(صور)
بعد أن خسر ورشته في منطقة “الجلوم” في مدينة حلب، عام 2014 وتهجّر في عدة محطّات، كان هاجساً لدى محمد درويش (43 عاماً)، أن يعود إلى خلف آلات الخياطة، المهنة التي شبَّ عليها.
كان ذلك قبل أن يترك محمد مضطراً، مهنة الخياطة لأكثر من 7 سنوات بسبب خسارته ورشته بآلاتها وتجهيزاتها، واحتراقها كلياً نتيجة قصف أصابها. واجهة لاحقاً صعوبات إطلاق ورشة جديدة، في ظل ظروف التهجير التي عايشها ثلاث مرات، إلى أن وصل إلى مدينة اعزاز شمالي حلب، حيث التحق بورشة تصنيع ألبسة افتتحتها منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” أحد برامج “المنتدى السوري”.
تجمع ورشة تصنيع الألبسة، أربعة حرفيين مختصين في الخياطة، وهم مهجّرون من مدينة حلب، حيث كان محمد درويش أو كما يلقّب بـ”أبو عمر” خامسهم والمشرف عليهم.
وتهدف ورشتهم إلى إنتاج ألبسة متنوّعة، وعينهم نحو التوسعة المطّردة مع الأرباح، لتؤمن فرص عمل إضافية لحرفيين آخرين حرمتهم ظروف الحرب من مهنتهم الأصلية، ومتضررين بفعل ظروف التهجير أو مصابين بعمليات قصف.
مرّ أبو عمر بأربعة مراحل تهجير قبل أن يستقر في اعزاز، وخاض عدة تجارب في العمل الإغاثي، محاولاً إيجاد مصدر رزق لعائلته ضمن عقود عمل غير مستقرة، إلا أنّ الأقدار أودته إلى المهنة التي تربى عليها وشغف بها.
“30 عاماً في الخياطة”
“الحمد لله وضعي تحسّن، لكن الأهم أني رجعت لمصلحتي الأساسية التي تربيت عليها منذ 30 عاماً”، يبدأ أبو عمر حديثه لـ”السورية.نت”، حول تجربته في ورشة تصنيع الألبسة، التي انطلقت قبل حوالي شهر ونصف في مدينة اعزاز، قائلاً:”أتمنى أن تنجح التجربة وتتوسع لتشمل أكبر عدد ممكن من المحتاجين لفرصة عمل”.
وتتألف الورشة المفتتحة حديثاً، من خمس آلات خياطة “كبستَين وحبكتَين ورَشّة”، إضافةً إلى طاولة تفصيل.
يقول أبو عمر لـ”السورية.نت”، إن”العمل في المشغل لحرفيين تركوا عملهم السابق قسراً، إلى جانب تأمينه دخلاً ثابتاً شهرياً، هو مدعاة للراحة المادية والنفسية، بعيداً عن الارتهان لانتظار مساعدات أو ما شابه”.
ولا يختلف الحال كثيراً لدى محمود، المنحدر من مدينة حلب، وتهجّر منها قبل سنوات، ومرّ في محطّات تهجير متعددة قبل أن يصل إلى مدينة اعزاز.
يقول محمود وهو أحد عمّال الورشة، لـ”السورية.نت”: “حين وصولي إلى ريف حلب الغربي مهجراً، اضطررت أن أعمل عامل مياومة في مهنٍ شاقة بحثاً عن لقمة العيش، تخللها محاولة افتتاح ورشة خياطة صغيرة لكنها فشلت بسبب تكرار النزوح، وعندما وصلت إلى اعزاز كانت المهمة أصعب لأنّ المستوى المعيشي أكثر تطلباً وكلفةً مقارنةً بباقي المناطق”.
واستمر حال محمود الذي يعاني من إصابة في يده، أدت إلى حالة شلل جزئي فيها، إلى أن انضمّ إلى أسرة الورشة، وعاد إلى مهنة الخياطة التي هجرها لسنوات طويلة.
يأمل محمود وهو شاب عازب رغم تجاوزه سنّ الـ 36 عاماً، أن يتزوج ويؤسس أسرة بعد أن يستقر عمله في الورشة، ويحظى بمدخول مادي جيد وثابت.
صعوبات التصريف
تنتج الورشة ملبوسات شعبية مطلوبة محلياً، مثل أطقم قطنيّة للأطفال والسيدات، وكذلك الجلابيات النسائية.
يعتبر أبو عمر أنّ “السوق الداخلية لا تحتمل كماً واسعاً من البضائع، ما يبرز الحاجة إلى أسواق تصريف خارجية، وهي غير متاحة في الوقت الحالي ما يرتّب صعوبات وتحديات أمام الورشة”.
ويشير إلى أنّ الورشة على اعتبارها في مرحلة التأسيس والانطلاق، وفي ظل كثرة أعداد الورشات الصغيرة الناشطة في المنطقة، تكثف جهوداً لتأمين سوق تصريف للبضائع وسط منافسة كبيرة.
وإلى جانب سوق تصريف مناسبة، يتطلع أبو عمر وعمّال الورشة إلى “أقمشة صيفية لبدء إنتاج ملبوسات صيفية على اعتبار أن فصل الصيف على الأبواب”.
خطة توسعة
يوضح وليد عليطو مدير مكتب منطقة ريف حلب في “إحسان للإغاثة والتنمية”، أنّ مشروع ورشة الخياطة ما زال في مرحلته الأولى التأسيسية، في حين تتجهز إدارة المشروع إلى توسعة، ليشمل أسر محتاجة إضافية وخاصةً السيدات المعيلات لأسرهنّ ممن خضعنَ لتدريبات سابقة في مراكز “إحسان”، وذلك بعد إعادة دراسة للمرحلة الأولى لتعزيز أماكن النجاح وتلافي الأخطاء.
شمال سورية.. سيدات ينجحن بـ”مشاريع صغيرة” بعد رحلة “بناء القدرات”
ويضيف لـ”السورية.نت” عن المشروع وتحدياته: “المشروع يحتاج لخبرة واسعة في احيتاجات السوق والأسعار والتكاليف، إلى جانب معرفة أذواق المستهلكين وهو ما يتطلب يداً خبيرة ومدرّبة، وذلك لجأنا إلى حرفيين مختصين في هذا القطّاع لم يتمكنوا من فتح عمل خاص بعد تهجيرهم”.
ويهدف المشروع في مرحلته الأولى إلى تأمين جودة المنتجات، وشبكة علاقات واسعة وسمعة في السوق، خاصةً مع إطلاق “ماركة” خاصّة في الورشة، بحسب عليطو.
ويكشف ذات المتحدث أنّ “المرحلة القادمة وبعد التوسعة، تدخل الورشة في خطّ إنتاج الكميات وفق نماذج سوّق المشروع لها في المرحلة الأولى، وهو ما يتطلب عدداً من العاملين، وتوسعة على صعيد المشغل الحالي أو إضافة آلات جديدة مكمّلة للحالية”.
وأطلق “المنتدى السوري” بالتوازي مع بدء نشاط مشروع “الورشة”، حملة تبرع داخلية ضمن مؤسساته، بهدف شراء آلاف القطع المُنتجة في الورشة، لدعم استمرارية خط انتاجها من جهة، وتوزيع كميات الملابس التي اشترتها التبرعات، على آلاف العائلات السورية الأكثر ضعفاً في مناطق شمال غربي سورية.
ويقول القائمون على دعم إنشاء ورشة الخياطة هذه، إنها أحد المشاريع التي تهدف لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجتمع يعاني نكبات عديدة متلاحقة، من خلال تأمين فرص عملٍ لكثيرين، ودفع عجلة الانتاج في مناطق شمال غرب سورية، التي تهاوت فيها مؤشرات الاقتصاد والتنمية لمستوى قياسي، بسبب العمليات العسكرية التي لم تتوقف إلا نادراً منذ نحو عشر سنوات.