وفاة هنري كيسنجر.. مهندس اتفاق الأسد- إسرائيل والمتنبئ بمستقبل سورية
توفي وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والدبلوماسي الكبير، هنري كيسنجر، عن عمر ناهر 100 عام، في منزله بولاية كونيتيكت الأمريكية.
وأعلنت مؤسسته الاستشارية في بيان لها، أن كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية في عهدي الرئيسين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، وأدّى دوراً دبلوماسياً محورياً خلال الحرب الباردة، توفي اليوم الأربعاء، دون ذكر أسباب الوفاة.
ويوصف كيسنجر بأنه “عملاق الدبلوماسية الأمريكية”، وأقوى مستشار للأمن القومي في التاريخ الأمريكي والمهندس الرئيسي لسياسة العديد من الاتفاقيات.
وُلد كيسنجر في 27 مايو/ أيار 1923 في فورث آند تون بألمانيا من أسرة يهودية، وفرّ مع عائلته إلى الولايات المتحدة.
بدأ حياته بالعمل في مصنع لأدوات الحلاقة، قبل أن يلتحق بجامعة هارفارد الأمريكية ويصبح أستاذاً فيها.
عمل كيسنجر في الإدارة الأمريكية خلال عهد الرئيسين الجمهوريين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، حيث كان مستشاراً للأمن القومي ووزيراً للخارجية.
وحاز على جائزة “نوبل للسلام” في سبعينيات القرن الماضي، بسبب “جهوده في إنهاء حرب فيتنام”.
ولعب دوراً مهماً ومحورياً في عدة ملفات أولها إخراج أمريكا من حرب فيتنام، وتقليل التوترات مع الاتحاد السوفياتي، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الصين.
إضافة إلى دوره الكبير في التوصل إلى “اتفاقية السلام” بين مصر وإسرائيل، في أعقاب حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، والتي كانت “حاسمة” لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
وكان لكيسنجر دور في تيسير المحادثات بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي ميناحيم بيجن.
ورغم تقاعده عن العمل الحكومي، وتأسيسه مكتباً استشارياً في نيويورك، بقيت آراء كسينجر الذي يلقب بـ “الثعلب العجوز”، محط اهتمام لدى الساسة الأمريكيين.
وقدم كيسنجر تحليلات عميقة للعلاقات الدولية والأمور الاستراتيجية، وكان له تأثير كبير في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية، وفق محللين.
كيسنجر وسورية
يعتبر الدبلوماسي الأمريكي، هنري كيسنجر، مهندس الاتفاق بين رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد وإسرائيل، بعد حرب تشرين عام 1973، عبر التوسط بين الطرفين وتحقيق التفاهم.
وقام كيسنجر بجولات مكوكية بين دمشق وتل أبيب حينها قبل التوصل إلى اتفاق “فك الاشتباك” بين الطرفين في مايو/ أيار 1974، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية.
ويروي وزير الخارجية السوري الأسبق ونائب الأسد، عبد الحليم خدام، في مذكراته التي نشرتها “المجلة” تفاصيل اللقاء والمفاوضات بين الأسد وكيسنجر.
ويقول خدام في إحدى مذكراته إنه “في الوقت الذي كان يمثل كيسنجر مصالح أميركا والصهيونية العالمية، كان عليه أن يقوم بدور الوسيط أو على الأقل كان علينا أن نقبل به يمثل هذا الدور”.
ويضيف “كانت كل كلمة يطرحها علينا، أو فكرة يناقش بها موضع تساؤل ودراسة من مختلف الجوانب في سياسة الوزير الأميركي وما يطمح إليه من تحقيق سلام تحت المظلة الأميركية”.
ويتابع خدام: “لم يكن من السهل علينا أن نفاوض ذلك الرجل الذي ساعد إسرائيل خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول”.
وكذلك، أصدرت بثينة شعبان، مستشارة بشار الأسد، كتاباً عام 2017، بعنوان “حافة الهاوية – وثيقة وطن: الرواية التاريخية لمباحثات حافظ الأسد وهنري كيسنجر”، تناولت فيه تفاصيل المحادثات بين الأسد وكيسنجر.
من جانبه، يقول الكاتب البريطاني باتريك سيل، في كتابه “الأسد والصراع على الشرق الأوسط”، إن كيسنجر وصل وغادر من مطار دمشق حوالي 26 مرة.
ويضيف أن “الأسد كان متشوقاً لتعلم الكثير عن العالم، ووجد كيسنجر معلماً خصوصياً جاهزاً”.
كما يعتبر كيسنجر مهندس دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976، بعد موافقته على خطة حافظ الأسد.
ونشرت وزارة الخارجية الأمريكية عام 2013، وثائق محضر الاجتماع الذي عقد بين كيسنجر ومساعديه لمناقشة الحرب الأهلية في لبنان.
ويقول كيسنجر، حسب الوثائق، إن السوريين “إذا دخلوا إلى لبنان فإنهم قد لا ينسحبوا أبداً. التدخل يكون مقبولاً لو دخلوا وضربوا المنظمة وبعدها يتم استبدالهم بقوة تابعة للأمم المتحدة”.
وأكد أنه يعمل على التوصل إلى ضمانات دولية تضمن بقاء القوات السورية في لبنان “لبضعة أسابيع”، بعد أن يتم تحديد عددها وطبيعتها “لتفادي نزاع إقليمي أوسع”.
وأشار كيسنجر إلى أنه يجب إعلام حافظ الأسد بـ”أننا نتعاطف كثيراً مع وضعه ونوافق على حلوله”.
كيسنجر والثورة السورية
كانت سياسة كيسنجر تتعامل بحذر مع الديكتاتوريات، وكان يفضل التفاهم معها في إطار “الأمن القومي”، وفق محللين.
كما أن الحفاظ على الاستقرار في المنطقة كان من أهم الأولويات لكيسنجر، وهو ما قد أثر على وجهة نظره تجاه الثورة السورية.
إذ رأى كسينجر أن ما يحصل في سورية ليست ثورة شعب ضد نظام ديكتاتوري، وإنما “صراع طائفي”.
وفي مقالة كتبها في صحيفة “واشنطن بوست” عام 2012، اعتبر أن التدخل عسكرياً في سورية “يهدد بزعزعة النظام العالمي”.
وقال في مقابلة مع “دير شبيغل” الألمانية عام 2014، “أنا لا أوافق على أن الأزمة السورية يمكن تفسيرها على أنها ديكتاتور لا يرحم ضد شعب لا حول له ولا قوة، وأن السكان سوف يصبحون ديمقراطيين إذا يمكنك إزالة الديكتاتوري”.
ويضيف أن ما يحصل في سورية هو “صراع متعدد الأعراق. وهو جزئياً تمرد ضد البنية القديمة للشرق الأوسط. وهو جزئياً نوع من التمرد ضد الحكومة”.
وفي عام 2015 كتب كيسنجر مقالة في صحيفة “وول ستريت جورنال” بعنوان “طريق الخروج من انهيار الشرق الأوسط”.
ويقول فيها إن “القضية في سورية هي صراع تاريخي بين السنّة والشيعة، وقد ثار السنة ضد الأقلية الشيعية (الطائفة العلوية) التي تحكم سورية”.
وتابع: “غير أن معظم الأقليات الباقية في البلاد تدعم العلويين، لذلك فإن على أمريكا العمل من أجل قيام حكومة انتقالية، دون أن يكون ذلك مرتبطاً في بداية الأمر برحيل الأسد عن السلطة”.
وحدد كيسنجر في المقالة مبادئ التعامل مع الملف السوري، وهي أولاً إنهاء تنظيم “الدولة الإسلامية” واعتباره “أكثر إلحاحاً من الإطاحة ببشار الأسد”.
وكانت واشنطن قادت تحالفاً عالمياً ضد تنظيم “الدولة”، وتمكنت من القضاء عليه في العراق عام 2017 وفي سورية عام 2019، باستثناء بعض الجيوب التي تحتفظ فيها خلاياه في البادية السورية.
ودعا كيسنجر إلى إعادة الأراضي التي تم تحريريها من قبضة التنظيم إلى الحكم السني المحلي، الذي كان موجوداً هناك قبل تفكك السيادة العراقية والسورية.
ويضيف أنه “مع تفكيك المنطقة الإرهابية وإخضاعها لسيطرة سياسية غير راديكالية، يجب التعامل مع مستقبل الدولة السورية بشكل متزامن. ويمكن بعد ذلك بناء هيكل فيدرالي بين القسمين العلوي والسنّي”.
ويتابع “إذا أصبحت المناطق العلوية جزءاً من النظام الفيدرالي السوري، فسوف يكون هناك سياق لدور الأسد، مما يقلل من مخاطر الإبادة الجماعية أو الفوضى التي تؤدي إلى انتصار الإرهابيين”.