أعادت حكومة النظام تفعيل مذكرة تفاهم سابقة تعود لعام 2020، مع شركة “روساتوم” الحكومية الروسية، التي تحتكر قطاع الطاقة النووية عالمياً، دون أن تطالها العقوبات الغربية الواسعة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.
خلال الأسبوع الجاري، أعلنت الشركة الروسية عن توقيع خطة لتنفيذ مذكرة التفاهم مع هيئة الطاقة الذرية التابعة للنظام السوري، تنص على التعاون في مجال التطبيقات غير المتعلقة بالطاقة للتكنولوجيات النووية للأغراض السلمية.
وتشمل المذكرة التعاون في مجال استخدام التقنيات الإشعاعية في الطب والزراعة والصناعة، وضمان السلامة النووية الإشعاعية، وتحسين مؤهلات الموظفين الإداريين والعلميين والفنيين.
وكذلك، قررت شركة “روساتوم” أيضاً البدء بتوريد معدات طبية روسية “فريدة” إلى سورية خلال عام 2024، تشمل معدات غسيل الكلى.
وقال مدير المعدات الطبية المتخصصة في “روساتوم”، أناتولي مياليتسين، لوكالة “تاس” أمس الخميس، إن الشركة تخطط هذا العام لبدء عمليات التسليم الأولى لمعدات غسيل الكلى إلى سورية.
وأضاف: “نخطط أيضاً لتقديم هذه المعدات في معرض في القاهرة في الصيف المقبل، والبدء في توريد المواد الاستهلاكية لأنظمة غسيل الكلى”.
بمأمن من العقوبات
منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، كان فرض عقوبات على شركة “روساتوم” للطاقة النووية، محط جدل بين الدول الغربية، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، التي تجنب فرضت عقوبات على الشركة بسبب هيمنتها على قطاع الطاقة حول العالم.
ورغم الضغط الأوكراني لفرض عقوبات على كامل الشركة، إلا أن العقوبات الغربية استهدفت فقط أشخاص يعملون فيها، أو شركات أخرى مرتبطة بها.
إذ أعلنت بريطانيا فرض عقوبات على الإدارة العليا للشركة، في حين أنهت فنلندا صفقة محطة توليد كهرباء مع الشركة.
وكذلك أدرجت الولايات المتحدة أفراداً إضافيين ذوي صلة بالشركة على لائحة العقوبات، وقالت إن روسيا تستخدم صادرات الطاقة، بما في ذلك في القطاع النووي، “لفرض ضغط سياسي واقتصادي على عملائها في مختلف أنحاء العالم”.
وقال شون بورني، كبير المتخصصين النوويين في منظمة “السلام الأخضر” بشرق آسيا، “من الواضح جداً أن روساتوم كان لها دور رئيسي في التخطيط للحرب” على أوكرانيا.
وأضاف في حديثه لموقع “أوبن ديموكراسي” البريطاني: “أعتقد أن التورط الفعلي لروساتوم هو أمر يحتاج إلى تحقيق جدي”.
وبحسب صحيفة “واشنطن بوست”، فإن “روساتوم” متهمة بمساعدة شركات روسية أخرى في التحايل على العقوبات الغربية، إذ اشترت الشركة عام 2022 مكونات ومعدات ومواد خام لدعم إنتاج الأسلحة من قبل الشركات الخاضعة للعقوبات.
لكن “روساتوم” نفت ذلك وقالت إنه “غير صحيح”.
لماذا يتخوف الغرب؟
ترفض المفوضية الأوروبية اتخاذ أي إجراء ضد القطاع النووي الروسي، الذي تهيمن عليه شركة “روساتوم” الحكومية، رغم ضغوطات متكررة.
ويرى محللون أن سبب ذلك هو هيمنة الشركة على مجال الطاقة النووية عالمياً، كونها تصدر اليورانيوم وتخصبه وتبني محطات الطاقة النووية والكهربائية في جميع أنحاء العالم.
وزادت المخاوف الأوروبية من فرض عقوبات، بعد سيطرة روسيا على أكبر محطة نووية في أوروبا في منطقة “زابوريزهزهيا” بأوكرانيا، ووضعها تحت تصرف “روساتوم”.
وبحسب تقرير لموقع “أويل برايس”، المتخصص في الطاقة، فإن تخوف الغرب من فرض عقوبات على الشركة يعود إلى “الدور الرئيسي الذي تلعبه روساتوم في إنتاج الكهرباء في العالم”.
وأضاف أن الشركة الروسية اشترت معظم مرافق التوليد في أوروبا خلال السنوات الماضية، وتملك حوالي 20% منها، مردفاً أنها تؤمن 22% من احتياجات أوروبا من الوقود النووي، وتزود الولايات المتحدة بـنحو 28% من خدمات تخصيب اليورانيوم عام 2021.
ويقول التقرير إن “واحدة من كل خمس محطات نووية عام 2021 في جميع أنحاء العالم، إما في روسيا أو روسية الصنع”.
من جانبه، يقول موقع “EU Today” إن العديد من الأخطاء السياسية التي ارتكبت في الثلاثين عاماً الماضية “أدت إلى خلق اعتماد غير متكافئ بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كعملاء، وبين روسيا كمورد لليورانيوم المخصب والوقود النووي”.
موضحاً أن الشركات الغربية تخشى فسخ العقود الطويلة الأجل مع “روساتوم” بسبب العواقب السلبية والغرامات ونقاط الضعف المالية، فضلاً عن غياب البدائل الجديرة بالثقة.
ويقول الموقع إن الدول الأوروبية ستتأثر بالعقوبات أكثر من روسيا، على اعتبار أن دخل ميزانية الدولة الروسية من الصادرات النووية “معتدل للغاية ويمكن تجاهله أو التضحية به”.
من جانب آخر، يرى محللون أن الولايات المتحدة وأوروبا تتخوف أيضاً من تدفق اليورانيوم المخصب والوقود النووي الروسي بكميات أكبر إلى الصين، إذا لم يتم إمداد دولهم بها.
من هي “روساتوم”؟
تأسست شركة “روساتوم” عام 2007، وهي الشركة القابضة المركزية لقطاع الطاقة النووية في روسيا وتشرف على برنامج الأسلحة النووية.
تعود ملكية الشركة للدولة الروسية، ويقع مقرها الرئيسي في موسكو.
وتصنف الشركة على أنها الأولى عالمياً في مجال تخصيب اليورانيوم، حيث تستحوذ على 36% من السوق، وتوفر الوقود لـ 78 مفاعلاً للطاقة في 15 دولة (17% من سوق الوقود النووي العالمي).
وينضوي تحت الشركة أكثر من 350 شركة فرعية، تشمل شركات البحث العلمي، ومجمع الأسلحة النووية، وأسطول كاسحات الجليد النووي الوحيد في العالم.
وبالتالي من المرجح أن تؤدي أي عقوبات أو قيود على الشركة إلى تأخير أو حتى تعليق معظم المشاريع الأجنبية في أوروبا والولايات المتحدة، فضلاً عن إبطاء الإنتاج المحلي والتحويل والتخصيب، وفق خبراء.