تصدرت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وما تبعها من توضيحات من قبل وزير داخليته، سليمان صويلو، حول وجود خطة لإعادة مليون لاجئ سوري إلى شمال سورية حديث وسائل الإعلام التركية والعربية، خلال اليومين الماضيين.
وأثارت تصريحات أردوغان تساؤلات حول آلية التنفيذ، والأسباب التي دفعته إلى طرح الخطة في الوقت الحالي، ومدى قدرة الحكومة التركية على تنفيذ ما وعدت به من عملية بناء البنى التحتية وتجهيز المنطقة، قبل الشروع في إعادة اللاجئين “الطوعية”.
وبين جدّية الحكومة التركية على تنفيذ الخطة وتحول اللاجئين السوريين إلى “ورقة استثمار” من قبل أحزاب المعارضة التركية يتخوف سوريون من أن تكون العودة “إجباراً لا طوعاً”، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية والتي يحاول كل طرف سياسي سحب ورقة اللاجئين من يد الآخر.
“8 خطوات للعودة”
وقبل أيام وجه الرئيس التركي رسالة مصورة للسوريين لأول مرة من نوعها، كشف فيها عن تحضير أنقرة لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري إلى بلادهم.
وجاءت الرسالة خلال مراسم تسليم منازل مبنية من الطوب في إدلب السورية، شارك فيها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، الثلاثاء الماضي.
وقال أردوغان في الرسالة المصورة إن “المشروع سيتم تنفيذه بدعم من منظمات مدنية تركية ودولية، وسيكون شاملاً بصورة كبيرة، وسينفذ في 13 منطقة على رأسها أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، بالتعاون مع المجالس المحلية في تلك المناطق”.
وأضاف الرئيس التركي، أنه “سيتم بناء مرافق متنوعة في إطار المشروع مثل المدارس والمستشفيات”، موضحاً أن “المشروع يتضمن جعل التجمعات السكنية المقرر تشييدها مكتفية ذاتياً، من حيث البنية الاقتصادية التحتية، انطلاقاُ من الزراعة، ووصولاً إلى الصناعة”.
وأكد أن “تصميم تلك التجمعات السكنية سيتم بحيث تكون أماكن مناسبة للعيش، لا ينقصها شيء من المرافق، كالمساجد والمدارس والمراكز الصحية والأفران وحدائق الأطفال”.
من جهته أوضح وزير الداخلية، سليمان صويلو، في مقابلة تلفزيونية، الخميس، أن تركيا تخطط لبناء 250 ألف منزل في مناطق الباب وجرابلس ورأس العين وتل أبيض، “بهدف توفير العودة الطوعية لمليون سوري”.
وأكد صويلو أن الرئيس التركي سيعلن للرأي العام تفاصيل الخطة في وقت لاحق.
أما صحيفة “صباح” التركية المقربة من “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، قالت إن “مشروع إعادة اللاجئين الطوعية” يتألف من ثماني خطوات هي “بدء العودة الطوعية من الولايات الكبرى، التي تضم كثير من السوريين وفي مقدمتها إسطنبول وأنقرة وغازي عنتاب وقونيا”.
الخطوة الثانية هي “الاستقرار السياسي والعسكري والأمني في المناطق بالتعاون مع المجالس المحلية في المنطقة”، إضافة إلى “إنشاء مساحات جديدة لبناء المنازل والمرافق العامة والبنى التحتية، بالتعاون مع إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)”.
وستتضمن الخطوة الرابعة “إنشاء مناطق تجارية مثل المناطق الصناعية الصغيرة والمتاجر والأسواق، مع توفير فرص عمل جديدة”، ثم “بناء المدارس والمستشفيات والمساجد ” كخطوة خامسة.
أما الخطوات الأخرى فتشمل، بحسب “صباح”: “تقديم دورات مهنية لتعليم الحرف، وإنشاء ورشات مهنية، و تقديم قروض صغيرة لتمكين اللاجئين السوريين العائدين من العمل”، إضافة إلى إقامة برامج تعليمية وإعادة التأهيل والدعم النفسي “، وأخيراً تقديم طلبات الدعم من جهات تمويل محلية وأممية.
“قديم توقظه السياسة”
ومشروع المنطقة الآمنة وإعادة اللاجئين السوريين كان مطلباً للرئيس التركي منذ تسع سنوات، ولم يتوانى عن طرحه في المحافل الدولية ولقاءاته مع مسؤولين الدول المنخرطة في الملف السوري، إلا أن مطالبه لم تجد أي تأييد من قبل المجتمع الدولي.
وطرح المشروع لأول مرة خلال زيارة الرئيس التركي إلى واشنطن في أيار/ مايو 2013، ولقائه بالرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما.
وكانت تركيا تصر، حينها، أن “المنطقة الآمنة” هدفها حماية المدنيين الفارين من نظام الأسد، وتوفير ملاذ آمن لهم وظروف مناسبة لهم، ما سيسهم في العودة الطوعية للاجئين المتواجدين على أراضيها.
وفي 2015، وخلال اجتماع أردوغان مع رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، في بروكسل بحث الطرفان “المنطقة الآمنة”، وطالب الرئيس التركي قادة الاتحاد الأوروبي بدعمها وتبينها.
لكن هذه المطالب واجهت بتحفظ أوروبي، “خوفاً من استخدامها من قبل أنقرة لضرب الأكراد في شمال شرق سورية”، إضافة إلى رفض روسي، وهو ما بدا على لسان تصريحات مسؤولي موسكو، برفضهم مراراً لإقامة المنطقة الآمنة، “كونها ترسيخ للواقع وسط محاولتها إعادة سيطرة النظام لكامل الأراضي السورية”.
وبناء على ذلك عمدت تركيا على توسيع عملياتها العسكرية في المنطقة، في محاولة منها لإنشاء منطقة آمنة بنفسها.
وشنت ثلاث عمليات عسكرية، هي “درع الفرات” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في ريف حلب في عام 2016،، وعملية “غصن الزيتون” ضد “وحدات حماية الشعب” في عفرين ريف حلب في 2018، وآخرها كانت عملية “نبع السلام” في شرقي سورية عام 2019.
وقبل عملية “نبع السلام” وخلال كلمة له في الدورة الـ 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمدينة نيويورك الأمريكية، أكد أردوغان أنه “يمكن إعادة ثلاثة ملايين لاجئ سوري حول العالم إلى بلادهم حال توسعة المنطقة الآمنة”.
وقال إنه “في حال مد عمق المنطقة الآمنة إلى خط دير الزور- الرقة، بوسعنا رفع عدد السوريين الذي سيعودون من بلادنا وأوروبا وبقية أرجاء العالم إلى ثلاثة ملايين”.
وأضاف “بالتعاون مع أمريكا وقوات التحالف وروسيا وإيران، يمكننا نقل اللاجئين من المخيمات إلى المنطقة الآمنة”.
هل يمكن تنفيذها؟
ورغم أن المنطقة الآمنة وإعادة اللاجئين السوريين مطلب أردوغان منذ سنوات، إلا أن طرحه في الوقت الحالي اعتبره مراقبون أنه بمثابة رد فعل على حملات التحريض التي تقودها أحزاب المعارضة، استعداداً لانتخابات الرئاسة في 2023.
وقال الأكاديمي والباحث السياسي، مهند حافظ أوغلو، إن تصريحات أردوغان الأخيرة ذات شقين، “الأول رداً على بعض أصوات المعارضة سيما أنها قوية إعلامياً وبين فئة الشباب الذين سينتخبون لأول مرة”.
وأضاف أوغلو، في تصريح لـ”السورية. نت” أن “الشق الثاني رؤية جديدة فرضتها عوامل اقتصادية وسياسة داخلية وخارجية، لأن الأمر ليس مرتبطا فقط بالسوريين، بل بعشرات الجنسيات الأخرى عربية وغير عربية، وهذا يشكل عبئاً على الحكومة التركية سواء الحالية أو القادمة”.
من جهته أكد المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، لـ”السورية. نت” أن التصريحات الأخيرة “تمس الداخل التركي”، والهدف منها سياسي وهو سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة، عبر التصريح بإعادة مليون لاجئ سورية. “وهو رقم كبير”.
وحول مدة قدرة الحكومة التركية على تنفيذ الخطة أكد حافظ أوغلو أن “التحدي الأكبر الذي يواجه هذه الاستراتيجية الجديدة هو قدرة المناطق في شمال سورية على استيعاب مليون شخص، خاصة وأنها تفتقر للبنية التحتية”.
واعتبر أن المسؤولين الأتراك أكدوا بأنه إذا لم تكن البنية التحتية والفوقية جاهزة للعيش الكامل لن يكون هناك إعادة، وعليه ربما سيكون عدد الذين سيعودون ليس بالكبير.
في حين شكك المحلل رضوان أوغلو في مدى جاهزية المناطق في شمال سورية على استيعاب العدد الكبير من اللاجئين “كونها تحتاج إلى إعدادات وتهيئة كبيرة”.
ما آلية الاختيار؟
ومنذ تصريحات الرئيس التركي انتشرت تساؤلات بين السوريين حول آلية اختيار اللاجئين لإعادتهم، وهل ستكون طوعية كما صرح المسؤولون الأتراك أم إجبارية.
وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، أكد في مقابلة تلفزيونية، أمس، أن “المشروع يستهدف السوريين الحاصلين على الحماية المؤقتة في تركيا”.
وحسب بيانات الصادرة عن المديرة العامة للهجرة التركية، فإن عدد السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة “الكيملك” بلغ “3 ملايين و733 ألفاً و982 شخصاً”.
واعتبر المحلل التركي، مهند حافظ أوغلو أن خلال الفترة المقبلة سيكون هناك تصريحات بأن أي “مخالفة للقانون التركي أو جناية أو خلل بالآداب العامة فإن الترحيل هو الذي سيقع”.
في حين اعتبر رضوان أوغلو أن “آلية إعادة السوريين ليست واضحة حتى الآن”، متوقعاً أن تشمل في البداية العاطلين عن العمل في تركيا، أو الأشخاص الذين ينحدرون من المناطق نفسها التي ذكرت في الخطة التركية، إضافة إلى الراغبين بـ”العودة الطوعية”.