بزيارة خاطفة لم تتعدى ساعات، حركّ الوفد الروسي الذي زار دمشق الإثنين الماضي، مياه الملف السوري الراكدة، إن كان على الصعيد الاقتصادي، أو السياسي الذي تتصدره حالياً ” اللجنة الدستورية”، مع توجهٍ يعتبرها منطلق الحل السياسي في سورية.
التحركات الأخيرة لموسكو، جاءت من خلال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، فالتصريحات التي أدلى بها مع الوفد المرافق له، كان لها عدة أبعاد؛ أبرزها البعد الاقتصادي، والذي تم التركيز عليه من كلا الطرفين، وبينما أعلنت موسكو عن أكثر من 40 مشروعاً اقتصادياً لإعادة تأهيل البنى التحتية في سورية، أشارت خارجية نظام الأسد إلى أن المرحلة المقبلة “ستشهد انعاشاً اقتصادياً”، في كسرٍ للعقوبات المفروضة، الأوروبية منها والأمريكية.
وكانت روسيا قد وقعت مع نظام الأسد عدة اتفاقيات استراتيجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واستخراج الفوسفات من المناجم في تدمر، فضلاً عن توريدها القمح لسورية، و الاتفاق مع نظام الأسد على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص، بكلفة 70 مليون يورو، بمعنى أنها باتت تتحكم في هذه المواد الاستراتيجية.
صفحة جديدة
وأثناء المؤتمر الصحفي يوم 7 سبتمبر/أيلول في دمشق، كان لافتاً إعلان نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف ،عن تسليم موسكو لحكومة الأسد مشروعاً اقتصادياً، يشمل مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية.
وقال بوريسوف: “سلمنا الجانب السوري مشروعاً روسياً للاتفاقية الاقتصادية الجديدة، لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري، وهو حالياً قيد الدراسة، وهو عند السوريين”، معرباً عن أمله بتوقيع الاتفاقية، التي وصفها بـ “المهمة”، خلال زيارته المقبلة إلى دمشق في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وأشار إلى أن الاتفاقية “ستضع الأطر الجديدة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في السنوات المقبلة”، مؤكداً العمل لتوسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع سورية، وأن هنالك أكثر من 40 مشروعاً، فيما يتعلق بإعادة الإعمار قيد الدراسة في مجالات الطاقة والبنية التحتية ومحطات الطاقة الكهرومائية.
وفي سياق ما سبق نشرت صحيفة “كوميرسانت” الروسية مقالاً تحليلاً، ترجمُ فريق “السورية.نت” عن أسباب زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، قبل أيام، مشيرةً إلى أن “روسيا فتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع سورية (…) الاقتصاد، في مقدمتها”.
وحسب الصحيفة، فإنه وفي ظل الظروف الحالية التي تمر بها سورية، لا يمكن لنظام الأسد أن يكون له أدنى أمل “في استعادة الحوار مع الغرب ورفع العقوبات، ما يعني أنه سيكون هناك نقص في الأموال لإعادة إعمار سورية”.
وسبق أن أوضحت روسيا أن ليس لديها الرغبة ولا القدرة على تحمل هذا العبء بمفردها.
ولا تنفصل الملفات الاقتصادية في سورية عن السياسية، فالخروج من العزلة الاقتصادية، لا بد أن يترافق معه دفع في العملية السياسية من جانب نظام الأسد، وخاصةً اللجنة الدستورية، والتي عقدت آخر جلساتها، قبل أيام من زيارة الوفد الروسي إلى دمشق.
ونقلت “كوميرسانت” عن مصدر روسي، قوله: “إذا لم يُقدم الأسد على إصلاحات، فسيبقى بلا مال، وفقط مع جزء من سورية (…) سيكون هذا قراره، لكن في الوقت نفسه، يعتمد الكثير في سورية على ما ستكون عليه سياسة أمريكا المستقبلية، وما سيحدث هناك بعد الانتخابات”.
وفي الوقت نفسه، اعتبر المصدر الروسي أن “الوقت قد حان لتتخذ روسيا قراراً بشأن استراتيجية وجودها في سورية في جميع الظروف، وبصيغة أدق، وفق أي شروط ستبقى في هذا البلد (…) انطلاقاً من تصريحات يوري بوريسوف وسيرغي لافروف، فقد اتخذت روسيا قرارها”.
ثلاثة أسباب
إلى جانب ما سبق لا يمكن فصل التحرك الروسي في الأيام الماضية، عن السياق العام للتطورات السورية، وخاصةً أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية، قد بدأ العداد الزمني لبدئها، دون وضوح المعالم والتفاصيل التي ستجري فيها.
المسؤولون الروس ووزير خارجية الأسد، تطرقوا خلال مؤتمرهم الصحفي الأخير إلى التسوية السياسية لسورية، وكان اللافت فيها هي فصل مسار اللجنة الدستورية عن الانتخابات الرئاسية المقبلة.
فوزير خارجية النظام، وليد المعلم كان قد قال إن إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية ليس مرتبطاً بنشاط اللجنة الدستورية في جنيف، مضيفاً أن “الانتخابات الرئاسية في سورية ستقعد في موعدها في عام 2021 (…) أي مواطن لا يتعارض ترشيحه مع مقتضيات الدستور يمكنه المشاركة”.
الإعلامي المختص بالشأن الروسي، نصر اليوسف، حدد في حديثه لـ”السورية.نت” ثلاثة أسباب تقف وراء الزيارة العاجلة للوفد الروسي إلى دمشق، في الأيام الماضية.
أولى الأسباب، حسب اليوسف هي أن “الأمور قد نضجت بشكل تام في سورية، ولم يعد هناك أي شيء قد يطرأ (…) كل المقدمات اللازمة في سير العملية السياسية نضجت تماماً”.
ما سبق ربطه اليوسف بالتطورات الميدانية على الأرَض، والتي تشهد ركوداً، منذ أشهر، دون أي تبدل في خرائط السيطرة، وهو ظرف لافت، لم تمر به سورية، منذ مطلع عام 2011، ولاسيما في مناطق شرق الفرات، التي تحرم أمريكا على نظام الأسد دخولها، وإدلب أيضاً التي يغيب أي وضوح بشأن مستقبلها القريب.
وخلال المؤتمر الصحفي الأخير في دمشق، ألمح الروس بشكل أو بآخر إلى نقطة تتعلق بتثبيت الوضع الميداني على الأرض، وخاصةً في إدلب، والتي تعتبر حجر الأساس في أي عملية عسكرية مقبلة في سورية.
ويقول اليوسف: “الأمور في سورية وصلت إلى مرحلة الركود على صعيد التطورات الميدانية، وأصبحت الحركة السياسية مطلباً ملحاً”.
ويوضح أن “إدخال عنصر عقوبات قيصر عقّد الأمر بالنسبة للروس في سورية، وفهموا أن إعادة الإعمار لن تسهم فيها أي من الدول، خشية أن تقع تحت العقوبات (..) بالتالي العمليات الميدانية انتهت، والتطورات الاقتصادية وعجلة الاقتصاد لن تتحرك أو تدور، ولم يبقى سوى الحل السياسي”.
السبب الثاني للزيارة الروسية، حسب ذات المتحدث، يرتبط برغبة روسيا في “تقديم ورقة رابحة بيد ترامب مقابل منافسه جون بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.
ويرى اليوسف أنه “ثمة شك أن روسيا تفضل أن ينجح ترامب، خاصةً وأن منافسه جو بايدن، أحد الشخصيات المكروهة في روسيا، لأن موسكو تعتبره أحد عرابي الثورة في أوكرانيا على حليفهم فيكتور يوشنكا، الرئيس الأوكراني”.
و يشير إلى أن التحركات الروسية في دمشق ترتبط بالنفس الإيجابي للولايات المتحدة الأمريكية، بشأن مسار اللجنة الدستورية السورية، إذ يقول: “تصريحات المسؤولين الأمريكان الأخيرة تشي بأنهم يريدون للروس بأن يتحركوا بشكل إيجابي للضغط على النظام لكي يقارب المسألة بشكل جدي”، معتبراً “التصريحات الأمريكية في الأيام الماضية تشي بأن هناك تنسيقاً مع الروس، ويريدون أن يحققوا تقدماً، لكي يستخدمه ترامب في السباق إلى كرسي الرئاسة”.