46 شخصاً ضحايا أحدث كوارث الهجرة غير النظامية
أعلنت السلطات الأمريكية، عثورها مساء الإثنين داخل شاحنة في سان أنتونيو بولاية تكساس، على جثث 46 مهاجراً غير شرعي على الأقلّ، في فاجعة جديدة ضمن المدينة القريبة من الحدود مع المكسيك.
وقال تشارلز هود، قائد فرق الإطفاء في سان أنتونيو، المدينة الواقعة على بُعد 240 كلم من الحدود مع المكسيك: “لقد نقلنا حتى الآن حوالى 46 جثة”.
وأضاف خلال مؤتمر صحافي، أنّ فرق الإسعاف نقلت أيضاً 16 جريحاً، هم 12 بالغاً و4 أطفال، مشيراً إلى أنّ هؤلاء جميعاً كانوا “واعين” لدى نقلهم لتلقّي الرعاية الصحية اللازمة.
ورّغم أنّ الشاحنات تُعتبر وسيلة أساسية لتهريب المهاجرين السرّيين من المكسيك إلى الولايات المتّحدة، إلا أنّ هذه الرحلة غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر، إذ نادراً ما تكون هذه العربات مكيّفة، كما أنّ قوارير المياه التي تكون بحوزة المهاجرين لا تكفيهم في معظم الأحيان لقضاء الرحلة الطويلة.
وحسب قائد فرق الإطفاء في سان أنتونيو، فإنّ الناجين الذين نقلوا إلى المستشفيات “كانوا ساخنين جداً عند لمسهم، كما أنهم كانوا يعانون من ضربة شمس ومن إنهاك حراري، ولم يتم كذلك العثور على ماء في الشاحنة”.
اتهامات..وتقاذف مسؤوليات
وأعرب وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو إبرارد، عن أسفه لهذه “المأساة”، مشيراً إلى أنّ القنصل المكسيكي في طريقه إلى سان أنتونيو “على الرّغم أنّنا لا نعرف جنسيات” الضحايا.
وسارع حاكم ولاية تكساس الجمهوري غريغ آبوت، إلى تحميل الرئيس الديموقراطي جو بايدن، “المسؤولية عن هذه المأساة”.
وقال آبوت، إنّ “هؤلاء الموتى هم مسؤولية بايدن. إنهم نتيجة لسياسته المميتة المتمثّلة بفتح الحدود”.
ومنذ وصول بايدن إلى السلطة في مطلع 2021، زادت أعداد المهاجرين غير الشرعيين الذين يتسلّلون إلى الولايات المتّحدة، على الرّغم من أنّ الرئيس الديموقراطي، سعى إلى وقف هذه الظاهرة بتكليفه نائبته كامالا هاريس هذا الملف الشائك.
يذكر أنه في 2017، شهد مرآب للسيارات قرب سان أنتونيو مأساة مشابهة، ولكنّ حصيلتها كانت أقل بكثير، إذ قضى يومها 10 مهاجرين داخل مقطورة ركنت تحت أشعة الشمس الحارقة.
ضحايا في مكان آخر
وتأتي حادثة شاحنة المهاجرين على الحدود الأمريكية المكسكية، بعد أيام فقط من وفاة 23 مهاجراً، خلال محاولة المئات عبور السياج الحدودي الفاصل بين مدينتي مليلية الخاضعة للسيطرة الإسبانية، وإقليم الناظور المغربي شمالاً.
وأوضحت وزارة الداخلية المغربية، أنه في بادئ الأمر لقي 10 مهاجرين حتفهم في الهجوم على الحدود، بعضهم لقي حتفه سَحقاً والبغض الآخر بعد سقوطه من السياج المحيط بمليلية، وأصيب 76 مهاجراً. وقالت في وقت لاحق إن 13 آخرين لقوا حتفهم.
وأضافت أن مناوشات عنيفة استمرت ساعتين، وأسفرت عن إصابة نحو 140 من أفراد قوات الأمن المغربية، منهم 5 إصابتهم خطرة، لكن ذلك لم يسفر عن مقتل أحد من أفراد الأمن.
وأوضحت مندوبة الحكومة المركزية الإسبانية في مليلية، أن نحو 1500 من المهاجرين غير الشرعيين اقتربوا من منطقة السياج، رغم الانتشار المكثف لقوات الأمن المغربية، والتنسيق الجاري بينها وبين نظيرتها الإسبانية.
حوادث..وسياسات جديدة
ويذّكر ما جرى في الحدود المغربية الاسبانية، وبالقرب من الحدود الأمريكية المكسيكية، بحوادث طالت مهاجرين ولاجئين خلال سنوات سابقة، كانت ذروتها في صيف 2015، وضغط بعضها على دول غربية لاتخاذ سياسات وإجراءات جديدة حول الهجرة واللجوء.
وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، دفع غرق قارب كان يقل نحو 50 مهاجراً قبالة جزيرة لامبيدوسا الإيطالية وغرق 13 امرأة على الأقل، بعضهن حوامل، إلى توقيع اتفاق المعروف باسم “إعلان مالطا”.
ويهدف الاتفاق، إلى “تجنب وقوع مثل هذه المآسي مستقبلاً، وإيجاد حل لسفن الإنقاذ التابعة لمنظمات غير حكومية مليئة بالمهاجرين، الذين غالباً ما يتم رفض دخولهم إلى موانئ الاتحاد الأوروبي لأسابيع”.
كما يهدف إلى تخفيف العبء عن دول يصل إليها المهاجرون أولاً، وهي ايطاليا ومالطا المطلوب منهما استضافة المهاجرين الذين يصلون بحراً، بينما يتم النظر في طلباتهم للجوء، وبموجب الاتفاق، تطوعت فرنسا وألمانيا لاستضافة بعض طالبي اللجوء.
ومن غايات الاتفاق كذلك، العثور على سبيل لوقف مهربي البشر، الذين يكدسون المُهاجرين غير الشرعيين في قوارب متهالكة، في محاولة خطرة للوصول إلى أوروبا، لكنها تؤدي أحياناً إلى الموت.
للسوريين حصتهم
وقبل 2019، كان للسوريين من كوارث الهجرة واللجوء حصة منها، إذ تصدرها عثور الشرطة النمساوية على 70 جثة في شاحنة مجرية تحمل شعار شركة سلوفاكية، مكدسة باللاجئين، اغلبهم سوريون، ووجدت متوقفة على طريق سريع في 27 اغسطس/ آب 2015، بالقرب من الحدود مع سلوفاكيا والمجر.
وأثارت فاجعة الشاحنة، استياء الرأي العام في أوروبا، ودفعت دولها إلى فتح أبوابها للاجئين، وتغيير سياستها نحوهم.
بعد أشهر عدة على كارثة الشاحنة، كان العالم على موعد مع حادثة جديدة، عندما انتشرت صورة الطفل السوري، آيلان كردي، عقب غرقه في بحر إيجه، بينما كان في رحلة الهجرة إلى أوروبا مع أسرته.
وعثرت فرق خفر السواحل التركية في 2 سبتمبر/ أيلول 2015، على جثّة آيلان مع 11 آخرين، بينهم شقيقه ووالدته، الذين لفظتهم أمواج البحر الى شاطئ مدينة “بودروم” في ولاية “موغلا”، بعد غرق قاربهم أثناء التوجه إلى اليونان بطريقة غير شرعية، وانتشرت صورته على نطاق واسع في العالم بأسره، وأصبحت “رمزاً” لمعاناة اللاجئين، وغيرت النظرة نحوهم.
نظرة العالم اتجاه اللاجئين ما بعد 2015، شهدت تغيرات عدة خلال العاميين الأخيرين، حيث شددت الدول المستقبلة للاجئين والمهاجرين، والأخرى التي تعتبر ممراً لهم، من إجراءاتها الأمنية تزامناً مع قوانين وتشريعات تُقييد من منح اللجوء للقادمين الجدد، وأخرى تستهدف من نجح في الوصول إليها، كما حصل مع قرار بريطانيا ترحيل مهاجرين إلى رواندا.
يذكر أن محاولات الهجرة، تشتد في أشهر الصيف، لكن المؤشرات أن صيف هذا العام، ربما يكون ساخناً فيما يتعلق بقضيتي الهجرة واللجوء، مع تزايد أعداد من يحاولون الوصول إلى أوروبا خاصة، رغم ما يحمله ذلك من مخاطر كبيرة، دون وجود بوادر تغيير سياسات أو فتح أبواب أسوة بما حصل في 2015.
ولعل ما يدلل، غرق 160 شخصاَ كانوا على متن قاربين قبالة السواحل الليبية في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2021، عندما كانوا يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا، واعتبرت هذه الحصيلة لعدد الضحايا أحدث كارثة بحرية تتعلق بالهجرة غير النظامية، لكن مع ذلك، تزامنت هذه الحادثة مع استمرار التشدد الأوروبي، اتجاه المهاجرين الراغبين بالوصول إليها، براً أو بحراً.