نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريراً، اليوم الثلاثاء، تحدثت فيه عن أسوأ أزمة يمر فيها رأس النظام السوري، بشار الأسد، منذ بدء الثورة السورية ضده عام 2011.
التقرير، الذي كتبته رئيسة مكتب “واشنطن بوست” في بيروت، ليز سلي، تطرق إلى أزمات عدة يواجهها الأسد مؤخراً، وعلى رأسها انشقاق داخل عائلته، وانهيار اقتصاده، وتصاعد التوتر مع حليفه الروسي.
خلافات عائلية “عميقة”
بحسب تقرير “واشنطن بوست”، فإن الخلاف الذي ظهر مؤخراً بين الأسد وابن خاله الملياردير رامي مخلوف، هو مجرد عرَض واحد من أعراض المشاكل العميقة داخل العائلة، بعد استهداف حكومة الأسد لرجال أعمال آخرين، وإجبارهم على دعم الاقتصاد المتدهور، بعد أن استفادوا من الحرب خلال السنوات الماضية.
وقالت الصحيفة الأمريكية إن “الأسد يحاول استعادة بعض النفوذ الذي أصبح مشتتاً بين رجال الأعمال الذين يشبهون أمراء الحرب، والعديد منهم، بما في ذلك مخلوف، والذين يديرون الميليشيات إلى جانب مؤسساتهم التجارية”، نقلاً عن لينا الخطيب، من مركز “تشاتام هاوس للأبحاث” في لندن.
وأضافت الخطيب أن بشار الأسد قد يكون عرضة للخطر أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات التسع الماضية، وسط فقدان الموارد المحلية والشرعية الدولية، واعتماده بشكل كبير على دعم روسيا وإيران له، اقتصادياً وعسكرياً، مضيفةً أن “صندوق أدواته أصبح فارغاً”.
وتصاعد الخلاف مؤخراً بين الأسد ومخلوف، حين طالبت هيئة الاتصالات في حكومة النظام، شركتي الخلوي في سورية(سيريتل- MTN)، بمبلغ 233.8 مليار ليرة، حيث وافقت MTN على التسديد، فيما رفضت سيريتل التي يملكها مخلوف دفع المبلغ، حسب الهيئة، لكن مخلوف قال إنه عرض تقسيط المبلغ على “الاتصالات”.
وتحدث رامي مخلوف في 3 تسجيلات مصورة، عن ضغوطات يتعرض لها من أجل التنازل عن سيريتل، فيما اتخذت حكومة الأسد إجراءات ضده ومن بينها الحجز على أمواله المنقولة وغير المنقولة، ومنعه من مغادرة البلد ومنعه من التعامل مع المؤسسات الحكومية مدة 5 سنوات.
“ألم اقتصادي واسع”
تحدثت صحيفة “واشنطن بوست” عن انهيار يشهده الاقتصاد السوري، مع فقدان الليرة السورية أكثر من نصف قيمتها خلال الشهر الماضي، وسط قلق من المواطنين في وقت أصبحت فيه نسبة كبيرة من السوريين تحت خط الفقر.
وأشارت الصحيفة إلى احتمالات حصول مجاعة في سورية، حسبما أفاد “برنامج الغذاء العالمي”، نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية مثل الخبز والسكر وغيرها من المواد الأولية.
ويبدو أن الاقتصاد السوري على موعد مع انهيار آخر، بحسب الصحيفة، مع قرب العقوبات الأمريكية الصارمة (قانون قيصر) حيز التنفيذ، في يونيو/ حزيران الماضي.
وكانت الولايات المتحدة أقرت، نهاية عام 2019، ما يعرف بـ “قانون قيصر”، الذي ينص على فرض عقوبات على كبار المسؤولين والقادة العسكريين في نظام الأسد وعائلته، بمن فيهم عقيلته أسماء، بالإضافة إلى توسيع نطاق العقوبات الاقتصادية على سورية، لتشمل قطاعات رئيسية عامة يقودها أشخاص في حكومة الأسد، أو أي شركات خاصة تدعمه في مسألة إعادة الإعمار.
كما ينص القانون على تقويض داعمي الأسد، وبالتحديد روسيا وإيران، عبر فرض عقوبات مباشرة عليهما، تشمل مسؤولين حكوميين وشركات الطاقة التابعة لهما، بالإضافة إلى أي جهات تساعد الأسد في مسألة إعادة الإعمار.
توتر مع الحليف الروسي
تحدثت الصحيفة الأمريكية في تقريرها عن ضغوطات من نوع آخر أجهدت الأسد، بعد مقالات روسية انتقدت شخص الأسد وحكومته، بسبب قضايا فساد وسوء إدارة اقتصادية.
وقالت كاتبة التقرير إن دعم روسيا لرئاسة الأسد قد يتضاءل، كون النقد الأكبر جاء من السفير الروسي السابق في سوريا، ألكسندر أكسينيونوك، الذي أكد أن رفض الأسد تقديم تنازلات سياسية يتعارض مع مصالح روسيا.
وكذلك قال نيكولاي سوركوف، الأستاذ في قسم الدراسات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، إن هناك إحباطاً في موسكو من رفض النظام الموافقة على الإصلاحات السياسية، مشيراً إلى أن مثل هذه الإصلاحات التي من شأنها أن تضعف سلطة الأسد المطلقة “تعتبر شرطاً أساسياً للمصالحة الحقيقية”.
يشار إلى أن مقالات وتقارير نشرتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين، هاجمت شخص بشار الأسد ومنظومته الأمنية والإدارية، متهمةً إياها بالفساد و”بتعقيد” مشكلات سورية الاقتصادية، وسط الحديث عن خلافات روسية مع النظام.
عودة المعارضة جنوباً
وعلى صعيد عسكري، تحدثت “واشنطن بوست”، عن عودة الاضطراب العسكري إلى محافظة درعا جنوبي سورية، مع تكثيف قوات الأسد تعزيزاتها في المنطقة، نتيجة الاغتيالات التي عناصرها على يد مسلحين مجهولين.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا، عبدو جباصيني، أن من يقف وراء التصعيد ليس واضحاً، مشيراً إلى أن تمرداً جديداً في طور التكوين في درعا.
فيما تحدث المحلل السياسي داني مكي للصحيفة عن أن تطورات ملف درعا تعطي شعوراً بأن الأسد “لا يسيطر على الدولة كما يتحدث”، مضيفاً أن الأسد “ما لم يجد الحلول الجذرية، فإنه لن يحكم أبداً سورية المستقرة.