عندما أعلنت المملكة المتحدة، يوم الثلاثاء، فرض عقوبات على عدة أشخاص مرتبطين بالنظام السوري بتهمة الإتجار بالمخدرات وحبوب “الكبتاغون” فاجأ البيان الذي نشرته الكثير من الناس، ليس بسبب الرجال المستهدفين، بل لأن البريطانيين قدّروا التجارة غير المشروعة بقيمة 57 مليار دولار سنوياً.
وجاءت العقوبات البريطانية في ذات الوقت الذي فرضت فيه وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات شملت كيانين و6 أشخاص سوريين ولبنانيين، بسبب علاقتهم بتجارة المخدرات أيضاً، والتي باتت تدر عوائد هائلة على النظام السوري.
واعتبرت “الخزانة الأمريكية” أن هذه العقوبات تسلط الضوء على الدور المهم لمهربي المخدرات اللبنانيين، الذين يحتفظ بعضهم بعلاقات مع “حزب الله”، لتسهيل تصدير الكبتاغون، فيما أبرزت “هيمنة عائلة الأسد على الاتجار غير المشروع بالكبتاغون وتمويل عمليات القمع في البلاد”.
بدورها فرضت المملكة المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين عن تجارة “الكبتاجون” غير المشروعة في سورية، مقدرة قيمتها بما يصل إلى 57 مليار دولار لصالح النظام، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات الإجمالية للعصابات المكسيكية.
وقالت الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، إن 80 بالمئة من إنتاج “الكبتاغون” في العالم يصدر من سورية، وإن ماهر الأسد يشرف شخصياً على هذه التجارة في الخارج.
كيف قدّرت الرقم؟
ويذكر تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، اليوم السبت، أن رقم “57 مليار دولار سنوياً” يبدو غريباً، بالنسبة “لبلد مزقته الحرب، واقتصاده سيء السمعة”.
وسبق وأن تم الإبلاغ عن هذا الرقم دون تعليق من جانب وسائل الإعلام، بما في ذلك صحيفة “فاينانشال تايمز”.
ونقل الموقع البريطاني عن مصدر مقرب من وزارة الخارجية البريطانية قوله إن “الرقم 57 مليار دولار تم الوصول إليه من خلال معلومات استخبارية و مصادر خارجية على شبكة الإنترنت”.
وأوضح المصدر أن أحد هذه المصادر هو تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط (MEI)، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن.
وفي التاسع من شهر يناير/كانون الثاني الماضي كان ليستر قد نشر تحليلاً على موقع MEI الإلكتروني، قائلاً: “في عام 2021، صادرت السلطات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وفي مناطق بعيدة مثل ماليزيا ونيجيريا والسودان ما لا يقل عن 5.7 مليار دولار من الكبتاغون الذي أنتجه النظام السوري وقام بتهريبه إلى الخارج”.
وأضاف أن “مسؤولي الأمن يقدرون أن مصادرة الكبتاغون السوري لا تمثل سوى 5-10 في المائة من إجمالي التجارة، مما يشير إلى أن القيمة الإجمالية في عام 2021 كانت 57 مليار دولار على الأقل – أو عشرة أضعاف الميزانية السنوية للبلاد”.
لكن في أبريل/نيسان من العام الماضي، قال معهد “نيو لاينز” إنه جمع بيانات تقدر قيمة سوق التجزئة للكبتاغون بالكامل في عام 2021 بما لا يقل عن 5.7 مليار دولار، بناءً على قيمة التجزئة لمضبوطات الكبتاغون السنوية.
ومع ذلك، فإن “تقديرات السوق هذه مستقرأة من بيانات محدودة إلى حد ما، ومحسوبة فقط من المضبوطات المبلغ عنها، ومتوسط السعر لكل قرص في المنطقة، مما يشير إلى أنه قد تكون القيمة الإجمالية لتجارة الكبتاغون أكبر بكثير”.
وقدم الباحث ليستر سابقاً تحليلات أخرى، من بينها في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ قال إن الحجم الحقيقي لسوق الكبتاغون في سورية قد يصل إلى 30 مليار دولار.
وفي ديسمبر / كانون الأول الماضي كتب عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أنه يمكن أن يتراوح الرقم بين 55 مليار دولار و 110 مليار دولار.
“جدل تقديرات”
ويعتقد سام هيلر، الزميل في شركة Century International والمحلل المختص بالشأن السوري أن رقم 57 مليار دولار الذي قدمته المملكة المتحدة وليستر “ليس ذا مصداقية”.
وقال لموقع “ميدل إيست آي”: “من الواضح أن هناك اهتماماً سياسياً وإعلامياً بتهريب الكبتاغون الآن”، مضيفاً أن حكومة المملكة المتحدة قد ارتكبت خطأ من خلال الإعلان عما يبدو له أنه رقم مبالغ فيه بشكل كبير.
وتابع الباحث: “أعتقد أن هذا يضع مصداقيتهم على هذا الإجراء المتعلق بالعقوبات وعلى سورية بشكل عام موضع تساؤل خطير”.
ويُعرف الكبتاغون في شوارع الشرق الأوسط باسم “أبو هلالين”، وقد سمي بهذا الاسم بسبب هلالين مميزين مرسومين على كل حبة.
وعلى مدى السنوات الماضية باتت هذه الحبوب مصدراً مهماً لتمويل نظام بشار الأسد، لدرجة أن الخبراء وصحف غربية قالت إن “سورية تحولت إلى دولة مخدرات”.