من إفريقيا إلى سورية إلى أوكرانيا، اتُهمت جماعة “فاغنر” المدعومة من الكرملين، بتعذيب وقتل مدنيين، ما استدعى وجود تحركات في الكونغرس الأمريكي من أجل تصنيف الجماعة كـ”منظمة إرهابية أجنبية”، ووضعها على قدم المساواة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
إلا أن اتخاذ الإدارة الأمريكية مثل هذا القرار ليس بالأمر السهل، بحسب تقرير لصحيفة “فورين بوليسي”، أمس الأربعاء، لما قد ينجم عنه من تداعيات على الدبلوماسية الأمريكية، حسب مسؤولين في البلاد.
“واشنطن لا تريد هذا التصنيف”
نقلت الصحيفة عن مسؤولين في الكونغرس ومسؤولين حكوميين سابقين، إلى أن القلق من تصنيف “فاغنر” كـ”إرهابية” يتمثل بعرقلة التواصل الأمريكي مع عدد من الدول الإفريقية “غير المستقرة”.
وخص المسؤولون بالذكر مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى، التي يمكن أن تتحول إلى “حالة فوضى” إذا لاحقت إدارة بايدن “فاغنر” بشدة.
وبحسب التقرير فإن هذه المجموعة لعبت دوراً أساسياً في غزو أوكرانيا، وانخرطت بأنشطة “غير قانونية” في إفريقيا.
بما في ذلك الأمن وتعدين الذهب والحملات السياسية والنشاطات العسكرية.
ويواجه عناصر “فاغنر” اتهامات بارتكاب “فظائع ضد المدنيين، بما في ذلك الاغتصاب والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء”.
وتدعي “فاغنر” أنها موجودة في إفريقيا لمحاربة “الجهاديين” والجماعات المتمردة، وبالتالي فإن واشنطن لا ترغب بتصنيفها كـ”إرهابية” خوفاً من انتشار تلك الجماعات.
وترى نائبة مدير برنامج إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، بولين باكس، أن المغادرة السريعة للجماعات التي تحارب الإرهابيين، مهما كانت “وحشية”، يمكن أن يسهم بانحدار سريع في بلد يتصارع مع الجماعات المتمردة لأكثر من عقد من الزمن.
وقالت لـ “فورين بوليسي”، “لا أحد يريد أن تحاصر الجماعات الجهادية باماكو. لا الغرب ولا المنطقة”.
واعتبرت أن الجهد المبذول لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، “يعتمد إلى حد كبير على ما يحدث في أوكرانيا، وهو أقل اعتماداً على ما يحدث في إفريقيا”.
وكان مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ قدموا تشريعاً، في وقت سابق من هذا العام، لإجبار إدارة بايدن على تصنيف “فاغنر” كمنظمة إرهابية أجنبية.
وهو تصنيف حكومي رسمي يسعى لعزل الجماعة، ويمنع الأمريكيين من تزويدها بالدعم المالي أو المادي.
ويرى منتقدو هذه الخطوة أن تصنيف الإرهاب يمكن أن يعيق قدرة وكالات الإغاثة على الوصول البري أو الجوي إلى مناطق في بلد ما تحت سيطرة “فاغنر”.
وسبق أن وصفت وزارة الخزانة الأمريكية هذه المجموعة، التي يقودها حليف بوتين، يفغيني بريغوزين، بأنها “منظمة إجرامية عابرة للحدود” في يناير الماضي.
لكن لم يتم تصنيفها على أنها “إرهابية”، حتى اليوم.
“حرب باردة” جديدة
من جانبه، علّق كاميرون هدسون، الذي شغل منصب مدير الشؤون الإفريقية في مجلس الأمن القومي خلال إدارة جورج بوش الابن، على هذه الخطوة.
وقال إن وصف الجماعة بأنها إرهابية “سيزيد من مخاطر السمعة بدرجة أكبر على تلك البلدان التي تفكر في علاقة مع فاغنر”.
إذ إن وضع مجموعة “فاغنر” على قدم المساواة مع تنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” من شأنه أن يعرض دولاً لإدانة قوية.
ووفق تقرير “فورين بوليسي” فإن إدارة بايدن “لديها مجموعة من خيارات العقوبات المتاحة لكبح قدرة الجماعة على العمل”.
لكن “تصنيف الإرهاب يمكن أن يكون له تداعيات واسعة النطاق على الدول الإفريقية”.
وأشار إلى أن مسؤولي الإدارة الأمريكية حذرين لتجنب تكرار حقبة “الحرب الباردة”، عندما تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على النفوذ في القارة الإفريقية.
وقالت النائبة الديمقراطية سارة جاكوبس، في جلسة استماع لمجلس النواب الأمريكي هذا الشهر: “لا يرغب القادة الأفارقة في اتخاذ قرارات محصلتها صفر بين الغرب وروسيا بسبب بعض هذه الدروس والحساسيات العميقة بشأن السيادة والموروثات العنيفة للاستعمار”.