وصل سعر إيجار الليلة الواحدة في شاليهات مدينتي طرطوس واللاذقية الخاضعتين لسيطرة النظام السوري إلى “مستويات خيالية” حسب تقارير إعلامية، ما جعل هذه “الفسحة” متاحة لطبقة “المترفين والأغنياء” فقط.
وتشهد المناطق الخاضعة لسيطرة النظام منذ سنوات أزمة معيشة خانقة، لكن تداعياتها تصاعدت في الأيام الماضية، في ظل غيابٍ “الحلول” من جانب حكومة الأخير.
وذكرت صحيفة “البعث” الحكومية” أن “كلفة اليوم الواحد في منتجعات الشاطئ الأزرق وأفاميا والغولدن بيتش وصلت إلى أكثر من مليون ليرة لليلة الواحدة”.
وفي طرطوس باتت تكلفة الحجز في السويت الواحد تبلغ 700 ألف ليرة، والغرفة المفردة 200 ألف ليرة.
وفي حين يدفع الشخص لقضاء ليلة واحدة في أحد الفنادق 250 ألفاً، والشاليه لشهر كامل في الرمال الذهبية يحتاج مبلغاً وقدره مليونا ليرة كحجز فقط.
“جنون أسعار”
وقال رئيسُ غرفة سياحة طرطوس نهاد نادر للصحيفة أن “قضاء ليلة أو أكثر تختلف حسب التصنيف بنجمة أو نجمتين أو أكثر، وحسب طلب المقيم بنوع الإقامة”.
وأشار إلى أن “تذبذب سعر الصرف وارتفاع الأسعار وضعف القوة الشرائية للمواطن أدى إلى إحجام الكثير من الناس عن مجرد التفكير بالتوجه لتلك المنشآت”.
وكسرت الليرة السورية في الأيام الماضية حاجز الـ13 ألف مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وما يزال مسلسل تدهورها متواصلاً حتى الآن.
وجاء التدهور رغم “الوعود” التي أطلقها مسؤولو نظام الأسد، ولاسيما بعد الفترة الماضية التي شهدت “انفتاحاً عربياً” بدأته عدة عواصم على صعيد علاقاتها مع الأخير.
وانعكس التدهور في سعر الصرف على مختلف السلع الأساسية التي يحتاجها السوريون بشكل يومي.
إذ انخفضت حركة المبيعات في أسواق دمشق نتيجة ارتفاع الأسعار، وشهدت أسواق محافظة اللاذقية فوضى في آلية البيع والشراء بين محل وآخر، حسب ما ذكرت صحيفة “الوطن” في تقرير الأسبوع الماضي.
واعتبر عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، ياسر أكريم، أن هناك عدة عوامل لارتفاع الأسعار أهمها قلة الاستيراد وارتفاع سعر النفط وتغييرات في سعر الصرف.
وإلى جانب ارتفاع الأسعار فقدت بعض المواد الغذائية من الأسواق، نتيجة الاحتكار من قبل بعض التجار، حسب الصحيفة.
من جانبها نقلت “البعث” عن مواطنين قولهم إن “الارتفاع في أسعار الشاليهات في اللاذقية وطرطوس جاء مترافقاً مع موجة ارتفاع الأسعار والغلاء”.
وما سبق “جعل من البحر حكراً على سكان المدينة وأصحاب الأملاك فقط ومالكي المنتجعات ليصبح التمتّع بجمال البحر وقضاء العطلة بأجواء بسيطة أمراً في غاية الصعوبة، وحلماً للكثير وخاصة لذوي الدخل المحدود”.
“الأشد قسوة”
ولا يعتبر تدهور الأوضاع المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري جديداً.
ومع ذلك يعتبر المشهد الحالي الأشد قسوة قياساً بما عاشه المواطنون خلال السنوات الماضية، من تدهور لسعر الصرف وما تبع ذلك من تضاعف أسعار المواد التي يحتاجونها بشكل يومي.
وفي مارس/آذار الماضي كان “برنامج الأغذية العالمي” قال إن حوالي 12.1 مليون شخص في سورية، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، مما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.
ويعزى هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية.
وبحسب “برنامج الأغذية العالمي”، فإن متوسط الأجر الشهري في سورية يغطي حالياً حوالي ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط.
وتظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة.
“الراتب لا يكفي”
وتشير دراسة للباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية“، محسن مصطفى إلى أن الموظفين في سورية لا يعتمدون على رواتبهم التي لا تكاد تكفي عدة أيام، بل على مصادر دخل متنوعة.
ومن هذه المصادر: الحوالات المالية القادمة من الخارج، أو العمل بوظيفة ثانية في القطاع الخاص، بالإضافة لذلك قد يمتد الاعتماد على مصادر دخل غير مشروعة نتيجة الفساد المالي والرشاوى في الدوائر والمؤسسات الحكومية.
أما بالنسبة للعسكريين بالرغم من الزيادات الخاصة بهم فهناك مصادر أخرى للدخل جميعها غير مشروعة، سواء عبر عمليات التعفيش أو الإتاوة وفرض الخوّة على المدنيين والسيارات التجارية العابرة على الحواجز.
ويضاف إلى ما سبق عمليات الفساد المالي المتعلقة بعمليات الشراء والعقود والمناقصات التابعة لوزارة الدفاع، التي تشرف عليها لجان المشتريات في الوحدات العسكرية كل على حدا، حسب الدراسة المذكورة.
وتظهر سياسة النظام بما يتعلق بالرواتب، بأنها “دافعة نحو عسكرة المجتمع وتحويل العسكرة لمهنة كبقية المهن، وهو ما تم فعلاً من خلال التعاقد معهم كمرتزقة ضمن الميليشيات أو إرسال المرتزقة إلى مناطق نزاع مسلح تحت إشراف روسي”.
وهي “دافعة أيضاً نحو الهجرة تُضاف لمجموعة من العوامل الأخرى الدافعة لها، خصوصا لأولئك المتعلمين وأصحاب الشهادات العلمية”.
وجاء في الدراسة أن سياسة النظام تعمد أيضاً إلى “إرسال الشباب نحو الخارج من أجل قيامهم لاحقاً بإرسال الحوالات لذويهم، وبالتالي الاستفادة من القطع الأجنبي المحول لمناطق سيطرته”.
بالإضافة لقيام هؤلاء الشباب بدفع مبالغ مالية طائلة من أجل الإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، وهو ما يكلف كل شخص 5 – 10 آلاف دولار كرسوم فقط بحسب نوع الخدمة العسكرية ومدّة إقامته خارج البلاد.