يشير المشهد السياسي الأخير، وما تضمّنه من تصريحات ومواقف، إلى أن مسار المحادثات بين تركيا ونظام الأسد يواجه عراقيل عدة، رغم الحديث الروسي عن التنسيق لعقد لقاء يجمع أردوغان والأسد.
فمن جهة يؤكد النظام أن أي ليونة سيقدمها للجانب التركي من أجل عودة العلاقات، ترتبط بشكل رئيسي بالانسحاب الفوري والعاجل للقوات التركية من الأراضي السورية.
ومن جهة أخرى، تعتبر تركيا أن هذا الشرط “لا معنى له”، مؤكدة عدم وجود نية لديها للانسحاب في المستقبل القريب، إلا في حال اختفاء “التهديد الإرهابي” من حدودها مع سورية.
مستقبل “مجهول” للمحادثات
في تقرير لها، اليوم الجمعة، اعتبرت صحيفة “ديلي صباح” التركية أن المحادثات بين تركيا والنظام السوري تشهد حالة “عدم يقين” وتواجه مستقبلاً “مجهولاً”.
وقالت إنه منذ أبريل/ نيسان الماضي، دارت شكوك عدة حول إمكانية نجاح المفاوضات وتحقيق الأهداف المرجوة منها.
وأرجعت الصحيفة حالة “عدم اليقين” تلك إلى “الطبيعة المعقدة للصراع السوري، والأولويات المتباينة للأطراف الخارجية، والسلوك الغامض استراتيجياً لنظام بشار الأسد، ونقص قدرة الدولة السورية”.
مشيرة إلى أن وصف العملية الجارية بين الطرفين بـ “التطبيع” هو أمر “غير دقيق ومفرط في التفاؤل”، لسببين اثنين.
الأول هو أن التطبيع الحقيقي يستلزم تحقيق ثلاثة شروط مسبقة تتعلق بسيادة سورية وسلامتها الإقليمية وتماسكها السياسيي.
وفي الوقت الحاضر، لم يتم تلبية أي من هذه الشروط، حسب الصحيفة.
إذ إن نظام الأسد “يفتقر إلى السلطة الكاملة داخل أراضيه، والأمة عانت من التفكك الإقليمي، والوحدة السياسية غائبة”.
أما السبب الثاني، فهو التناقض بين الظروف الحالية والنتائج المرجوة، حسب “ديلي صباح”.
واعتبرت أن أحد الشواغل الأساسية في المحادثات التركية- السورية هو “مكافحة الإرهاب”.
مضيفةً أن تشكيل نهج تعاوني جديد بين تركيا والنظام السوري لمحاربة المنظمات الإرهابية مثل “حزب العمال الكردستاني”، وفرعه السوري “وحدات حماية الشعب”، لا يزال غير واضح.
وبحسب الصحيفة فإنه لإحداث تحولات في السياسة، “يجب على تركيا أو النظام تعديل مواقفهما بشكل كبير من وحدات حماية الشعب”.
وأضافت: “الاختلافات في تحديد أولويات القضايا، مثل الإرهاب، هي العامل الرئيسي وراء الافتقار إلى المحادثات التقدمية”.
“التطبيع سيكون مؤلماً”
في مقال رأي آخر نشرته صحيفة “حرييت”، اليوم الجمعة، قال الكاتب والصحفي سادات أرجين إنه بالرغم من المحاولات “لم تدخل العلاقات مع سورية بعد في إطار التطبيع الملموس”.
واعتبر أن كل المؤشرات تدل على أنه سيكون من المؤلم جداً أن تتعافى العلاقات مع هذا البلد، حسب وصفه.
واستند الكاتب التركي إلى التصريحات الأخيرة الصادرة عن رأس النظام السوري، بشار الأسد، ووزير دفاعه علي محمود عباس.
إذ أكد الأسد ومسؤولوه مؤخراً أنه لن يتم الجلوس مع أردوغان على طاولة واحدة “دون شروط”، وأبرزها الانسحاب من سورية.
وبالرغم من اللقاءات المتكررة بين مسؤولين أتراك ونظرائهم السوريين، والتي أعطت انطباعاً بإمكانية التطبيع، لكنها “لم تتمكن بعد من فتح أي باب من حيث نتائجها”.
وبحسب أرجين، فإن الوصول لنقطة تحديد “خارطة الطريق” في المفاوضات، والوقوف عندها، يشير إلى أن المواقف بين تركيا والنظام “بعيدة كل البعد عن بعضها في هذه المرحلة”.
متسائلاً: “هل يمكن حل هذه الخلافات، التي تبدو للوهلة الأولى غير قابلة للتسوية، في الفترة المقبلة؟ وما هي العوامل والديناميكيات التي يعتمد عليها ذلك؟”.
وختم بالقول: “نحتاج إلى تقييم الإجابات على هذه الأسئلة في مقال منفصل”.
سجال وزيري الدفاع
صدرت مؤخراً تصريحات منفصلة عن وزير الدفاع التركي ووزير دفاع النظام، تشير لوجود شرخ في المفاوضات بين الجانبين.
إذ قال وزير الدفاع التركي، يشار غولر، إن بلاده “تريد السلام في سورية”، لكن لديها “حساسيات” تتعلق بأمن حدودها.
وأضاف في حوار مع صحيفة “صباح“، السبت الماضي، “من غير المعقول أن نغادر دون ضمان أمن حدودنا وشعبنا”.
في إشارة منه إلى عدم وجود نية لدى بلاده للانسحاب من سورية في المستقبل المنظور.
وتابع: “أعتقد أن الرئيس السوري سيتصرف بشكل أكثر عقلانية بشأن هذه القضية”.
لكن وزير دفاع النظام، علي محمود عباس، رد على تصريحات غولر، وقال “إن أردوا السلام مع سورية والأمن لتركيا يجب أن يبدؤوا بالانسحاب من الأراضي السورية ويقروا بذلك”.
جاء ذلك خلال لقاء مع عباس عبر قناة “روسيا اليوم”، على هامش منتدى موسكو الـ11 للأمن الدولي، أول أمس الثلاثاء.
وتحدث عباس عن سير المفاوضات بين النظام وتركيا، ضمن عملية “بناء الحوار” التي بدأت أواخر العام الماضي، مشيراً إلى أنها لم تحقق أي نتائج.
وقال: “عدة جولات من المفاوضات حصلت، لكن لم نصل إلى تقدم بسبب عدم الإقرار التركي بالانسحاب من الأراضي السورية”.
وأشار إلى أن تصريح وزير الدفاع التركي الأخير بعدم الانسحاب “زاد الأمور تعقيداً”.
وتابع: “سورية دائماً كانت بتوجيهات من الرئيس السوري بشار الأسد وقيادة وشعباً دولة مسالمة، لكن للأسف تركيا انخرطت في الحرب ودعمت الإرهاب”.
مردفاً: “نأمل أن تعود تركيا لرشدها وتوقف هذا الدعم، وأن تنسحب من الشمال السوري لنتقدم باتجاه السلام”.
أردوغان على لسانَي الأسد
خلال الظهورين الأخيرين لرأس النظام السوري، بشار الأسد، وجه خلالهما انتقادات “لاذعة” لتركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، في ظل المساعي الروسية لترتيب لقاء بين الأسد وأردوغان.
“الفكر العثماني التوسعي” كان أبرز ما ورد على لسان الأسد خلال خطابه الأول أمام العرب بقمة جدة، بعد قطيعة سنوات.
إذ اعتبر أن تركيا تحاول استعادة الإمبراطورية العثمانية، عبر دعم “الإخوان المسلمين”.
وفي ظهوره عبر شاشة “سكاي نيوز عربية”، الأسبوع الماضي، أعاد الأسد الحديث عن شروطه للقاء أردوغان، بقوله إنه يرفض لقاء أردوغان “دون شروط مسبقة”.
وأضاف أن “كلمة من دون شروط مسبقة للقاء يعني من دون جدول أعمال، من دون جدول أعمال يعني من دون تحضير، من دون تحضير يعني من دون نتائج”.
وحدد الأسد شرطاً للقاء وهو الانسحاب من الأراضي السورية، معتبراً أن “هدف أردوغان هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سورية”.
وأكد أنه “لا يمكن أن يتم اللقاء تحت شروط أردوغان”.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال في مؤتمر صحفي الشهر الماضي، “للأسف الأسد يطالب بخروج تركيا من شمال سورية”.
وأردف: “لا يمكن أن يحدث مثل هذا الشيء لأننا نكافح الإرهاب هناك”.
مضيفاً “لسنا منغلقين إزاء اللقاء مع الأسد، ويمكن أن نلتقي، لكن المهم هو كيفية مقاربة (دمشق) تجاه مواقفنا”.
ثمانية أشهر من المفاوضات
وكانت عملية “بناء الحوار” بين أنقرة والنظام السوري بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2022، عبر لقاءات جمع أجهزة الاستخبارات والدفاع.
وتم أول اتصال ثنائي رفيع المستوى، في 28 ديسمبر 2022، بلقاء وزير الدفاع حينها، خلوصي آكار ورئيس الاستخبارات، حقان فيدان مع وزير دفاع الأسد، علي محمود عباس ورئيس استخباراته، حسام لوقا في موسكو.
وبعد هذا الاجتماع الأول، ظهر اتفاق لتطوير “الحوار التركي السوري”، بطريقة تتناول العلاقات السياسية أيضاً.
ونتيجة للاتصالات التي أجريت في يناير/كانون الثاني الماضي، تم وضع خطة لوزراء خارجية تركيا وروسيا وسورية للاجتماع في شكل ثلاثي.
حيث اجتمع نواب وزراء الخارجية أولاً، تلاها اجتماع لوزراء الخارجية في 10 مايو/ أيار الماضي.
وتوقفت المفاوضات منذ ذلك الاجتماع عند نقطة إعداد “خارطة الطريق”، وتضاربت الأولويات بشأن مسألة انسحاب القوات التركية من سورية.
ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستستمر عملية “بناء الحوار” بين تركيا ونظام الأسد، لاسيما في ظل المواقف المتضادة بين كلا الطرفين.
وكانت موسكو أول من رعت عملية “بناء الحوار”، وانضمت إليها إيران في مرحلة لاحقة.