تحذر الجهات الإنسانية الدولية من تأثر الدول الغنية والفقيرة على حد سواء، بانسحاب روسيا من صفقة الحبوب المبرمة مع أوكرانيا، برعاية تركية وأممية، وسط توقعات بأزمة غذائية عالمية “لا تحمد عقباها” في حال عدم التوصل لتفاهم عاجل.
وفيما تواجه روسيا اتهامات باستخدامها الطعام كـ “سلاح جيوسياسي”، تدور تساؤلات حول مصير 5 ملايين طن من القمح التي تنتجها أوكرانيا شهرياً، في حال لم تسمح لها روسيا بعبور البحر الأسود.
وكانت موسكو قد أعلنت انسحابها رسمياً من الصفقة، الشهر الماضي، وطرحت شروطاً “تعجيزية” للموافقة على الانضمام مجدداً.
ومن بين الشروط، تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب الحرب التي شنتها على أوكرانيا، الأمر الذي يرفضه الغرب.
وتم توقيع الاتفاقية المذكورة في يوليو/ تموز 2022، بين روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة، من أجل استئناف صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية، لحل أزمة الغذاء العالمية التي نشبت حينها.
لماذا يتأثر الشمال السوري؟
إلى جانب التأثير المباشر على دول العالم بمختلف جهاتها، يرخي انهيار صفقة الحبوب بظلاله على الشمال السوري، الخارج عن سيطرة النظام السوري، والذي يعتمد جزء كبير من سكانه على المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن “برنامج الأغذية” يعتمد بجزء كبير من مخزونه المخصص للمساعدات على القمح الأوكراني.
وأضافت في تقرير لها، أنه حتى يوليو/ تموز 2023، اشترى برنامج الأغذية العالمي 80% من مخزونه من حبوب القمح من أوكرانيا.
وذلك بزيادة قدرها 50% مقارنة مع عامي 2021 و2022.
وعلى اعتبار أن مناطق شمال وشمال غرب سورية، تعتمد على المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي، خاصة في المخيمات، فإن بوادر “أزمة غذائية” تلوح في الأفق في حال لم يتم تمديد الاتفاقية مجدداً.
وفي مقال رأي نشرته صحيفة “ذا ناشيونال”، في 24 يوليو/ تموز الماضي، قالت فيه إن بلدان مثل سورية واليمن، اللتين تكافحان للخروج من الحرب، قد تكونا “أكثر عرضة للخطر”، في حال حدوث أزمة غذاء عالمية.
وعلل السبب بأن الحبوب الأوكرانية جاءت ضمن المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي لسورية.
وأضاف: “كان التأثير في الشرق الأوسط أكبر في سورية واليمن، وهما البلدان اللذان ينشط فيهما برنامج الأغذية العالمي”.
من جانبه، قال نائب المدير التنفيذي لمنظمة الأغذية والزراعة، كارل سكاو، إن صفقة الحبوب التاريخية التي تم تعليقها تزعج عمليات وكالة الأغذية التابعة للأمم المتحدة.
وحذر في حديثه لوكالة “أسوشيتد برس”، مطلع الشهر الجاري، من أزمة غذاء عالمية، قد يكون سكان مناطق النزاع الأكثر تأثراً بها.
بدائل وسيناريوهات متوقعة
بالرغم من موافقة روسيا على تمرير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود في يوليو/ تموز 2022، إلا أن تبعات الحرب على أوكرانيا أثرت حينها على المساعدات المقدمة لدول الحروب والصراع.
إذ ارتفعت تكلفة برنامج الأغذية العالمي لشراء الحبوب بنحو 40%، ما دفع المنظمة لإرسال مساعدات غذائية أقل بكثير.
وبالتالي، يتوقع العاملون في المجال الإنساني أن تنخفض حصة السلة الغذائية في الشمال السوري، في حال لم يتم تمديد صفقة الحبوب.
إلا أن برنامج الأغذية العالمي قال إنه يسعى لإيجاد بدائل عن القمح الأوكراني لتزويد مخزونه المخصص للمساعدات.
وبهذا الصدد قال كارل سكاو للوكالة الأمريكية: “ما يتعين علينا فعله الآن هو البحث في مكان آخر (عن الحبوب)”، ملمحاً إلى إمكانية ارتفاع تكاليف شرائه لهذه الحبوب.
وأضاف: “لا نعرف بالضبط أين سيهبط السوق، لكن قد تكون هناك زيادة في أسعار المواد الغذائية.”
وتتخوف المنظمات العاملة في الشمال السوري من انخفاض المساعدات الغذائية المخصصة للمنطقة، خاصة في ظل الحديث عن نقص التمويل.
ففي يونيو/ حزيران الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي عن تخفيضات كبيرة في المساعدات المقدمة لسورية.
ما أدى إلى قطع الدعم عن 2.5 مليون من أصل 5.5 مليون شخص يعتمدون على الوكالة في تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية.
وكذلك، أعلن البرنامج، الشهر الماضي، عن خفض المساعدات النقدية الشهرية لـ 120ألف لاجئ سوري يعيشون في مخيمين في الأردن بدعوى خفض الميزانية.
من جانبه، حذر ديفيد بيزلي، المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، من أن التخفيضات المستمرة في التمويل قد تتسبب بهجرة جماعية، وزعزعة استقرار البلدان.
وحذر في تصريحات صحفية في مارس/ آذار الماضي، من احتمال حدوث مجاعة في الأشهر الـ 12 إلى 18 المقبلة.
فيما اعتبر نائب المدير التنفيذي لمنظمة الأغذية والزراعة، كارل سكاو، أن المستفيدين من برنامج الأغذية العالمي يواجهون احتمالين اثنين، إما الموت أو التحرك (الهجرة).
وقال “عندما لا يتلقى الأشخاص الأكثر ضعفاً في المستويات الحرجة من انعدام الأمن الغذائي مساعدتنا الغذائية، فهناك طريقتان فقط للنجاة: إما يموتون أو يتحركون.”
الأنظار نحو الدور التركي
بحسب مقال “ذا ناشيونال”، ساعد الجزء الذي حصلت عليه تركيا من صفقة الحبوب بضمان الأمن الغذائي للعراق وسورية واليمن.
وذلك نظراً لدور أنقرة “الحاسم” في سلاسل الإمداد الغذائي في الشرق الأوسط.
واعتبر أنه “من الضروري تسليم القمح الكافي إلى أنقرة لضمان إمدادات الخبز الكافية في دول الشرق الأوسط الأكثر ضعفاً”.
وكانت تركيا في العادة من بين أكبر خمسة مستوردين للقمح في العالم، إلا أنها في الوقت نفسه عاشر أكبر منتج للقمح في العالم.
وتعتبر سورية والعراق واليمن أكبر ثلاثة أسواق تصدير للدقيق التركي، وفق ما جاء في المقال.
مضيفاً: “في الفترة بين عامي 2021 و2022 صدّرت تركيا 330،660 طناً من الدقيق إلى سورية، أي ما يعادل حوالي 43% من طاقة الطحن المحلية في سورية”.
وتابع: “على الرغم من علاقاتها مع موسكو، فإن سورية تتغذى جزئياً من القمح الأوكراني عن طريق واردات الطحين التركية”.
وفي حال اختارت أوكرانيا مواصلة صادراتها من الحبوب في البحر الأسود، حتى بعد انسحاب روسيا، فإن تركيا قد تقوم بدور المرافقة والتفتيش.
لكن “من غير الواضح حتى اللحظة ما إذا كانت موسكو ستخاطر بمواجهة بحرية مع أنقرة، ومن غير الواضح أيضاً ما إذا كانت أنقرة مستعدة للمخاطرة”.
وختم المقال بقوله: “إن تركيا هي الحلقة التي لا غنى عنها في سلسلة توريد القمح في الشرق الأوسط”، خاصة بالنسبة لسورية والعراق واليمن.
أرقام وحقائق
تشير الإحصائيات الأممية إلى أن 51% من سكان سورية (حوالي 12.1 مليون شخص)، كانوا يعانون من انعدام الأمن الغذائي قبل زلزال فبراير/شباط المدمر.
ما جعل سورية سادس أعلى دولة تعاني من انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يعيش 2.7 مليون شخص في سورية بحالة انعدام الأمن الغذائي الشديد.
وتوقعت تقارير أن تزيد احتياجات الأمن الغذائي في سورية بعد انسحاب روسيا من صفقة الحبوب.
إذ مكّنت مبادرة البحر الأسود التي وقعتها روسيا وتركيا وأوكرانيا- بوساطة الأمم المتحدة- من تصدير ملايين الأطنان من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى عن طريق موانئ أوكرانيا، ولعبت “دوراً مهماً” في الأمن الغذائي العالمي، حسب تقرير للأمم المتحدة.
وجاء في التقرير أنه بعد مرور عام تقريباً على الاتفاق، تم تصدير أكثر من 32 مليون طن من السلع الغذائية من ثلاثة موانئ أوكرانية مطلة على البحر الأسود إلى 45 دولة عبر ثلاث قارات.
وبموجب ذلك، مكّنت المبادرة برنامج الأغذية العالمي من نقل أكثر من 725 ألف طن من القمح لمساعدة المحتاجين حول العالم.
كما قدمت أوكرانيا أكثر من نصف حبوب القمح لبرنامج الأغذية العالمي عام 2022، كما كان الحال عام 2021.