“طوفان الأقصى” وكسر إسرائيل.. هل الحرب الإقليمية ممكنة؟
إنها الضربة الأقسى التي تتلقاها إسرائيل في تاريخ وجودها. أهميتها أنها في داخل الأراضي المحتلة والتي تعتبرها إسرائيل محمية. يمكن لتداعيات عملية طوفان الأقصى أن تسهم في تغيير وجه منطقة الشرق الأوسط، كما يمكن لها أن تسهم في ترسيخ واقع جديد عنوانه تصدّر حركة حماس للمشهد الفلسطيني، وما يعنيه ذلك من إضعاف للسلطة الفلسطينية وإنهائها، وما له من تبعات على الوضع الإقليمي. لا يزال من المبكر الحديث في التحليل والتكهن والاستشراف حول ما سينتج عن هذه العملية ولكن السيناريوهات كثيرة ولا بد من استعراضها.
بالمعنى الاستراتيجي للعملية، فإن حركة حماس أظهرت تفوقاً كبيراً في العتاد والعديد ونوعية الهجوم. وذلك لا يمكن فصله عن الإطار الذي تضع حماس نفسها فيه كحليف أساسي في محور المقاومة الذي تقوده إيران. وبالتالي في النتيجة السياسية أو الاستراتيجية لا بد لإيران من تحقيق مكاسب سياسية على المدى الأبعد. لا سيما أن توقيت العملية يأتي في ظرف دقيق وحساس تمرّ به المنطقة، خصوصاً في ظل المفاوضات التي كانت قائمة في سبيل المزيد من اتفاقات التطبيع. وبذلك تقول المقاومة الفلسطينية، إنها لا توافق على ذلك ولا يمكن إبرام أي اتفاق بدون ضمان حقوق الشعب الفلسطيني. في المقابل أيضاً، فلا بد لإيران أن تقول كلمتها أيضاً في تثبيت نفسها ودورها في المنطقة لسنوات طويلة مقبلة، من العراق إلى سوريا ولبنان ففلسطين، ليس في غزة فقط بل في الضفة مستقبلاً.
ولكن قبل الوصول إلى مرحلة الاستنتاجات التي لا تزال شبه مستحيلة في هذه المرحلة، لا بد من مراقبة الردّ الإسرائيلي، حجمه وآلياته. كما لا بد من مراقبة الموقف الأميركي، وإذا كان التصعيد مطروحاً فذلك يستدعي انخراط حلفاء حماس في المنطقة بهذه المعركة. بالنسبة إلى السيناريوهات الإسرائيلية، فهناك من لا يزال في مرحلة جنون العظمة، ويظنّ نفسه قادراً على إعادة تجربة حرب الـ 67 في مواجهة إسرائيل لأكثر من دولة وعلى أكثر من جبهة والانتصار فيها. آخرون يفكرون في استنساخ تجربة حرب الـ 73، والتي تلقت فيها إسرائيل هزيمة كبرى، لكنها عادت واستفاقت وعززت من موقعها العسكري والتفاوضي فذهبت مع مصر إلى مفاوضات اتفاق السلام. أما التجربة الثالثة التي يفكر بها بعض الإسرائيليين هو الذهاب إلى تكرار تجربة اجتياح لبنان في العام 1982 والوصول إلى بيروت وإخراج منظمة التحرير منها، وبالتالي يريد هؤلاء تنفيذ اجتياح بري لغزة وضرب حركة حماس وتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين.
كل هذه السيناريوهات دونها صعوبات، لا سيما السيناريوهين الأول والثالث. فعلى الرغم من دخول أميركا بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الحرب إلى جانب إسرائيل، وإرسال حاملتي طائرات ومدمرات عسكرية بحرية، إلا أن ذلك يهدف إلى تعزيز الردّع وعدم جعل إيران، حزب الله، وحلفائهما يتدخلون في تلك الحرب وترك إسرائيل في مواجهة غزة. في المقابل، الإيرانيون والحزب يعتبرون أنه لن يسمح لإسرائيل بتحقيق أهداف عسكرية كبيرة في غزة أو ضد حركة حماس، وإذا حصل فسيتم الدخول في المعركة. ولكن الدخول في مثل هذه المعركة قابل لتحويل الوضع إلى معركة إقليمية، لا سيما أن حلفاء إيران في العراق، لبنان، وحتى اليمن، سينخرطون ما سيدفع الأميركيين إلى التدخل وخصوصاً على الحدود السورية العراقية لمنع تدفق المقاتلين، وهذا بحد ذاته ستكون له أبعاد كثيرة وتداعيات أكثر. لذلك الجميع يريد تجنّب مثل هذا السيناريو.
عملياً، فإن إسرائيل تسعى إلى تحقيق أهداف عسكرية أساسية في غزّة، لتحسين صورتها واستعادة هيبتها، وبعدها يمكن للوسطاء الدوليين التدخل في سبيل وقف إطلاق النار وإعادة إطلاق المفاوضات، لكن ذلك لن يكون متاحاً الآن أو بشكل سريع. في كل الأحوال، فإن عملية طوفان الأقصى، فتحت أفقاً جديداً للصراع أو للتفاوض، بما يتعلق في كسر هيبة إسرائيل وإجبارها على تقديم تنازلات قاسية، وبعدها إعادة تفعيل البحث في حل الدولتين، من خلال قوى جديدة ستجلس على طاولة التفاوض بعيداً من السلطة الفلسطينية. أما بحال لم يجد التفاوض طريقه إلى المرحلة العملية، فهذا يعني أن الحرب الطويلة ستبقي الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات بما فيها اشتعال المنطقة، وتحويلها إلى نقطة اجتذاب دولي تتداخل فيه وتتدخل جهات وعناصر كثيرة كما هو الحال بالنسبة إلى الحرب الروسية على أوكرانيا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت