اختبار نفوذ.. تحليل للموقف الخليجي بعد 44 يوماً من حرب غزة
مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، لا يزال حلفاء إيران يمارسون سياسة “ضبط النفس” نسبياً، دون رغبة من جميع الأطراف بجر المنطقة إلى حرب أوسع.
ومع ذلك، فإن خطأ واحداً يمكن أن يؤدي إلى تصعيد واسع النطاق، في منطقة قامت خلال السنوات الماضية برفع مستوى الدبلوماسية، خاصة بعض الدول الخليجية التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل، ومن بينها الإمارات والبحرين، فيما كانت السعودية تستعد لخطوة مماثلة.
إلى جانب استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، في ظل تصعيد المليشيات الإيرانية في سورية والعراق ضد القوات الأمريكية، منذ بدء حرب غزة.
تأثير محدود للخليج
وفي تقرير لموقع “المونيتور“، أمس الأحد، قال فيه إن ارتفاع الأنشطة الدبلوماسية زاد الآمال في أن تتمكن دول الخليج من التأثير على الحملة الإسرائيلية وتجنب حرب إقليمية أوسع.
وأضاف: “أصبح لديهم الآن قنوات اتصال رسمية مع كل من إسرائيل وإيران، التي تدعم حماس، وغيرها من جماعات المقاومة الإقليمية التي تعتبرها إسرائيل تهديداً، بما في ذلك حزب الله في لبنان”.
وتوقع محللون أن تدفع السعودية إسرائيل إلى وقف التصعيد، لكن تأثير الرياض كان محدوداً بعد 44 يوماً من الحرب على غزة.
وقال خبير شؤون الخليج وزميل الشرق الأوسط في معهد “بيكر” للسياسة العامة بجامعة “رايس”، كريستيان أولريشسن، لـ “المونيتور”: “يمكن للمملكة العربية السعودية أن تمسك بالأمل في إبقاء احتمالات التوصل إلى اتفاق سعودي- إسرائيلي حية”.
لكن الأحداث الأخيرة أظهرت أن الوساطة الخليجية “كانت ضعيفة في البداية، ولا يمكن أن تنجح من دون الولايات المتحدة”.
وباستثناء قطر، اقتصرت تحركات دول الخليج على الدعوة إلى وقف إطلاق النار، ما يدل على الحد الأدنى من التأثير على إسرائيل، وفق أولريشسن.
مردفاً: “تبدو دول الخليج مترددة بالتدخل في الصراع، لأنه لم يمتد بعد إلى منطقتها”.
وبحسب الموقع، فإن الدعوات الخليجية لوقف إطلاق النار مدفوعة باثنين من المخاوف، “أولها خشية تلك الدول من أن تتصاعد المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران إلى حروب بالوكالة داخل منطقتهم”.
والثانية “أنهم يدركون الغضب السائد بين مواطنيهم العرب نتيجة لقتل إسرائيل المدنيين الفلسطينيين في غزة، وقد يثير هذا الغضب احتجاجات جماهيرية قد تتحول إلى مظاهرات مناهضة للنظام”.
وقالت إلهام فخرو، الزميلة المشاركة في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس”: “لا ترغب أي من دول الخليج بتأجيج صراع إقليمي أوسع. ولهذا السبب فإنهم جميعاً يحثون على وقف فوري لإطلاق النار”.
وأضافت: “تدين دول الخليج الآن إسرائيل، لكنها تجاهلت على مدى السنوات الست الماضية القضية الفلسطينية وتابعت الصفقات مع إسرائيل”.
وتعتبر قطر الوسيط الإقليمي الخليجي “الأكثر فعالية” في حرب غزة، بسبب علاقاتها مع حركة “حماس”.
إذ تحاول إبرام اتفاق لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس منذ 7 أكتوبر الماضي، مقابل وقف إطلاق نار في غزة.
هل تشتعل حرباً إقليمية؟
نظراً لأن الصراع لم يشعل بعد حرباً شاملة في الخليج، فإن هذه الدول ترى أن التصعيد ربما لم يعد وشيكاً، الأمر الذي يشكل سياساتها القائمة على عدم التدخل.
وقال الخبير في شؤون الخليج والأستاذ في جامعة “واسيدا” في طوكيو، عبد الله باعبود: “الآن بعد أن تراجعت احتمالات نشوب حرب إقليمية، تشعر دول الخليج براحة أكبر”.
وأضاف أن هذا الموقف “يتأثر جزئياً بنشر الولايات المتحدة حاملتي طائرات في المنطقة، وهو ما يشير إلى أن واشنطن مستعدة لتوفير الأمن في حالة تفاقم الوضع”.
والنقطة المهمة الأخرى، حسب باعبود، هي أن دول الخليج العربي “تعارض حماس عموماً بسبب أيديولوجية الإخوان المسلمين وعلاقاتها مع إيران”.
ولهذه الأسباب، “قد تفضل دول الخليج البقاء على هامش الصراع مع استمرارها في ترديد الدعوات لوقف إطلاق النار لإرضاء الرأي العام المحلي”، وفق قوله.
لكن خطر نشوب حرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط لم يختف بعد، لأن أي خطأ في الحسابات، مثل إطلاق صاروخ على إسرائيل أو قتل أفراد عسكريين أمريكيين في سورية أو العراق أو الخليج، يمكن أن يؤدي إلى صراع غير مرغوب فيه، حسب “المونتور”.
وبالتالي فإن الجهة الفاعلة الوحيدة التي يمكنها ممارسة الضغط بفعالية على إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق النار على غزة هي الولايات المتحدة.
وقالت إلهام فخرو: “هناك نفوذ محدود يمكن أن يمارسه الخليج حتى تقرر الولايات المتحدة الضغط من أجل الإجراء نفسه الذي رفضت القيام به حتى الآن”.
وفي نهاية المطاف، لن تكون الوساطة الخليجية كافية دون مضاعفة الضغوط الأمريكية على إسرائيل.
وفي هذه الحالة، تستطيع الولايات المتحدة الاستفادة من قنوات الاتصال الجديدة بين دول الخليج وحلفاء إيران في المنطقة لضمان عدم تصعيد الوضع.
وتعتبر هذه المهمة صعبة، لكن إدارة بايدن لا تستطيع تحمل توريط الولايات المتحدة بصراع آخر في الشرق الأوسط “لا نهاية له في الأفق”.