مع انطلاق قمة المناخ العالمية في الإمارات، اليوم الخميس، تأكّد غياب رئيس النظام السوري، بشار الأسد عن القمة، رغم الدعوة الرسمية التي وجهتها له أبو ظبي للحضور شخصياً، في مايو/ أيار الماضي.
إذ أعلنت وكالة أنباء النظام (سانا)، اليوم، أن رئيس الوزراء حسين عرنوس سيترأس وفد سورية في قمة المناخ، نيابة عن الأسد، دون توضيح الأسباب حول غيابه عن القمة، التي كانت ستعتبر أول مشاركة دولية له منذ عام 2011.
وأثار غياب الأسد عن القمة، التي ستستمر حتى 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، تكهنات حول ما يدور خلف الكواليس، خاصة في ظل الرفض الغربي للدعوة التي وجهتها الإمارات للأسد.
الأسد يتجنب “الإحراج”
يقول المحلل السياسي رامي الخليفة العلي، إنه لا يوجد سبب معلن من قبل النظام أو الأطراف الإقليمية حول عدم مشاركة الأسد في القمة، مستبعداً أن يكون الأمر مرتبطاً بأسباب بروتوكولية.
خاصة أن الأسد “كان حريصاً على المشاركة في أي تجمع إقليمي أو دولي يدعى إليه، كونه يَعتبر ذلك دليلاً على إعادة تأهيله”.
وأضاف الخليفة العلي في حديثه لـ “السورية نت” أن غياب الأسد يرتبط بأسباب سياسية، جاءت عقب التجاهل الذي حظي به في القمتين العربية والإسلامية حول غزة.
وأوضح أنه أثناء مشاركة الأسد في القمتين، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لم يحظى باهتمام القادة العرب والمسلمين، باستثناء عدد محدود من الرؤساء الذين سلّموا عليه بشكل عابر، وفق تعبيره.
وقال إن ذلك الاهتمام “لا يليق بمكانة سورية التقليدية في القمم العربية والإسلامية سابقاً”.
وتابع: “بما أن قمة المناخ تشهد مشاركة دولية واسعة، فمن المتوقع أن يتم تجاهل الأسد وعدم التواصل معه”.
وبحسب الخليفة العلي، أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس، فإن الأسد يحاول تجنب الإحراج الذي سيتعرض له في حال تم تجاهله من قبل الزعماء.
وكذلك “يريد تجنب التحليلات حول عدم تواصل هذا الزعيم أو ذاك الزعيم معه”.
واعتبر أن الأجواء التي مهدت لعودة النظام السوري للجامعة العربية اختلفت الآن، موضحاً أن “هناك عودة إلى ما كان سابقاً من تجاهل الرئيس السوري، وحالة من عدم الثقة بتلبيته للمتطلبات الإقليمية والدولية”.
ضغوطات خارجية
من جانبه، تحدث المحلل السياسي محمود الأفندي، عن ضغوطات خارجية تعرضت لها الإمارات بعد دعوة الأسد لقمة المناخ.
وقال في حديثه لـ”السورية نت” إن وجود بشار الأسد مع شخصيات أوروبية وأمريكية مهمة “يحرج الإمارات، على اعتبار أن واشنطن والعواصم الأوروبية لم تطبع مع الأسد، ولا يزال موقفها السياسي موحداً من النظام”.
يشار إلى أن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي من تشرف على قمة المناخ، التي تنعقد بنسختها الحالية في الإمارات، وغالباً ما تمر الدعوات عن طريق تلك الدول.
وأضاف الأفندي أن الموقف العربي من النظام السوري قد تغيّر، لكن الموقف الغربي “ثابت”، وبالتالي من المؤكد وجود “فيتو” غربي ضد حضور الأسد، وفق تعبيره.
وتحدث الأفندي عن وجود احتمال بأن الإمارات تراجعت عن دعوة الأسد، بقوله: “يبدو أن الإمارات طلبت من الأسد عدم الحضور تجنباً للإحراج”.
ومن ناحية أخرى، اعتبر المحلل السياسي أن قمة المناخ تحولت إلى قمة سياسية مثل قمة العشرين، لافتاً إلى أن الدول الغربية اتجهت مؤخراً لتحويل القمم الاقتصادية والبيئية إلى منصات سياسية.
وقال: “سيتم الحديث خلال قمة المناخ في الإمارات عن الصراعات والحروب، ومن هنا فإن وجود بشار الأسد في القمة سيكون غير مرحب به من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”، خاصة أن تلك الدول تعتبر الأسد مسؤولاً عن الانتهاكات في سورية.
وحول حضور رئيس الوزراء حسين عرنوس بدلاً من وزير الخارجية فيصل المقداد، قال الأفندي إن الأسد “ينظر للقمة على أنها بيئية، وهي ليست محادثات سياسية كي يحضرها وزير الخارجية”.
“تناقض” في دعوة النظام
أثارت الدعوة الإماراتية لرئيس النظام حفيظة دول غربية وناشطين حقوقيين، رأوا تناقضاً بين الدمار البيئي الذي خلفه الأسد خلال سنوات الحرب في سورية، وبين دعوته لقمة المناخ.
وقال قاضي المحكمة الجنائية الدولية السابق، هوارد موريسون، إن دعوة الأسد كانت “غير مناسبة”، لأنه وحكومته مسؤولان عن “كارثة بيئية واضحة ومستمرة وكارثة إنسانية في سورية”.
وقال موريسون لشبكة “سكاي نيوز” البريطانية، في وقت سابق الشهر الجاري، إن الأسد مسؤول عن الدمار الشامل والأضرار التي لحقت بالبيئة، من خلال هجمات نظامه وحملات القصف واستخدام الأسلحة الكيميائية خلال الحرب التي استمرت لسنوات في بلاده.
وأضاف: “انتهاكات حقوق الإنسان في سورية موثقة بشكل جيد، لكن وبسبب الطريقة التي دمرت بها البلاد بشكل منهجي، علينا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار الأثر البيئي الهائل نتيجة للدمار الذي لحق بالمدن، وإنشاء النفايات والاعتداءات المتعمدة على المنشآت النفطية”.
وفي تقرير قدمه موريسون لمجلس النواب البريطاني، قال فيه إن تدمير المدن في سورية أدى إلى تراكم “أنقاض النزاع” على نطاق واسع، والتي يمكن أن تحتوي على مواد خطرة تشكل مخاطر بيئية.
كما يشير إلى أن الهجمات على صناعة النفط تسببت في حرائق نفطية وتسربات، دمرت مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة والرعي وقتلت الماشية.
ودعا التقرير الدول المعنية إلى الضغط من أجل إلغاء دعوة الأسد للقمة، وضمان أن تتناول القمة “الانتهاكات البيئية واسعة النطاق” التي يرتكبها النظام السوري.
واعتبر أن هناك “تناقضاً في وجود شخص في مؤتمر بيئي مسؤول عن مثل هذه الأضرار البيئية الفظيعة والتي يمكن تجنبها بصراحة”.