رغم أهمية المقترح ونجاح القائمين عليه في حشد النقاشات الدولية تبقى فرص إنشاء محكمة “استثنائية” لمقاضاة نظام الأسد على خلفية استخدامه الأسلحة الكيميائية في سورية ولأكثر من مرة “رهن قرار سياسي”، كما يوضح حقوقيون وقانونيون في حديث لموقع “السورية.نت”.
ويرتبط هذا القرار بشكل أو بآخر بالدول التي أبدت اهتماماً بالمبادرة وناقشتها على مدى عامين وحتى الكشف عنها يوم أمس الخميس 30 من نوفمبر، والذي يوافق من كل عام يوم إحياء ذكرى جميع ضحايا الحرب الكيماوية.
وحسب بيان صادر عن أكثر من 12 منظمة سورية وأفراد متضررين من الأسلحة الكيميائية جاء المقترح بعد أكثر من عامين من المشاورات مع الخبراء القانونيين والتقنيين والحكومات والمنظمات الدولية.
وأرجعت المنظمات سبب إنشاء المحكمة إلى “الحاجة لمكافحة فجوة الإفلات من العقاب، الناشئة عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، بهدف ردع استخدامها في المستقبل”.
كما أن إنشائها سيوفر مساحة للبت في الأدلة التي تم جمعها والتي لا يوجد لها منفذ قضائي دولي، وتوفير مستوى من الإنصاف للضحايا، والمساهمة في محاسبة الجناة”.
وأكدت المنظمات أنه رغم الاتفاق عالمياً على حظر استخدام الأسلحة الكيميائية، إلا أنه قتل أو تضرر الآلاف من الأشخاص بسبب استخدام هذه الأسلحة في العقد الماضي معظمهم في سورية.
“الفكرة نجاح”
وحسب الموقع الرسمي لذلك المقترح فإن إنشاء المحكمة يمكن مع مجموعة من 6 إلى 8 دول متنوعة جغرافياً، جادة ومتوافقة بشأن الأسلحة الكيميائية والمساءلة.
وفي حال موافقة الدول يمكن تأسيس المحكمة لمدة عام واحد، وعام آخر لإصدار لائحة الاتهام الأولى، بالنظر إلى كمية الأدلة التي تم جمعها إلى اليوم.
و”سيتم إنشاء المحكمة بموجب معاهدة متعددة الأطراف، وقعتها عدة دول من جميع أنحاء العالم، ومن شأن هذا التنوع الجغرافي أن يزيد من تعزيز شرعية المحكمة”.
أما المرحلة التالية تتضمن “تشكيل الدول مجموعة عمل حكومية دولية لمناقشة القضايا العالقة وأفضل النهج لإنشاء محكمة”.
ويعتبر رئيس “البرنامج السوري للتطوير القانوني”، إبراهيم العلبي، وهو شخصية رئيسية في المبادرة أن “فكرة النقاشات حول إنشاء المحكمة الاستثنائية تعتبر بحد ذاتها نجاحاً، لأنها تعيد للأذهان استخدام الكيماوي وأهمية محاسبة نظام الأسد”.
وهناك عدة دول تناقش مقترح إنشاء المحكمة وبات “هناك شيء مطروح على الطاولة”، كما يقول العلبي لـ”السورية.نت”.
ويضيف: “هذه المرة الأولى التي تتم فيها نقاشات دولية بشأن محكمة حول موضوع. هناك محكمة دولية جنائية، لكن لم يسبق وأن تم إنشاء محكمة لنوع معين من الأسلحة”، ولذلك ما يتم المضي فيها حالياً يشكّل “سابقة”.
وإلى الآن لا تعرف فرص نجاح المبادرة، ومع ذلك “يعتمد ذلك على مجهودنا وعلى جهود المناصرين والدول التي ستضغط في هذا الاتجاه”.
لماذا الآن؟
وشن نظام الأسد، خلال السنوات الماضية، هجمات بالسلاح الكيماوي ما تسبب في مقتل ما لا يقل عن 1514 مواطناً سورياً خنقاً، بينهم 214 طفلاً و262 سيدة، إضافةً إلى 12 ألف مصاب، حسب بيانات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وأكدت الشبكة أن سورية شهدت 222 هجوماً كيميائياً منذ عام 2012 وحتى اليوم، كانت 217 منها على يد قوات النظام السوري، و5 على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ونقلت وكالة “رويترز” عن المحامي البريطاني وعضو لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، دابو أكاندي قوله إن “المحكمة الجديدة ستكون محاولة لسد الفجوة، بمعنى أنها ستكون في الأساس مخصصة للقضايا التي تكون فيها المحكمة الجنائية الدولية غير قادرة على ممارسة اختصاصها القضائي”.
وأضاف أن “إنشائها سيكون مبتكراً بشكل خاص في هذا الشأن”.
بدورها قالت القاضية الفرنسية المكلفة بالتحقيق بجرائم الحرب في سوريا، ورئيسة الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، كاثرين مارشي أوهيل إن “جزءاً صغيراً فقط من نحو 200 تحقيق في جرائم الحرب السورية أجرتها دول معظمها أوروبية تتعلق بهجمات كيماوية”.
وأوضحت أن “أي هيئة دولية لديها موارد مخصصة وفريق اكتسب خبرة في بناء القضايا حول حوادث الأسلحة الكيماوية قد تكون في وضع جيد للتعامل مع هذا النوع من الحالات”.
ويشرح القانوني السوري العلبي أن “المحكمة يمكن أن تحقق على المستوى الدولي ما حققته فرنسا على مستوى محلي”، موضحاً: “بحيث لا يكونوا المجرمون مطلوبين لدولة واحدة بل لعدة دول”.
“رهن قرار سياسي”
وعلى مدى السنوات الماضية اتخذت عدة خطوات قضائية وحقوقية تجاه الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد بحق السوريين، لكنها وحتى الآن لم تسفر عن نتائج فعلية كما يقول سوريون.
وبعدما أصدرت فرنسا قبل أيام مذكرة اعتقال بحق رأس النظام، بشار الأسد جاء مقترح إنشاء المحكمة الاستثنائية في الوقت الحالي ليثير تساؤلات تتعلق بجدوى هذه الإجراءات على المدى القصير أو الطويل.
ويشير الطبيب السوري محمد كتّوب وهو أحد القائمين على مبادرة المحكمة إلى أن “المقترح الذي تم وضعه أمام الدول متكامل وتم بناءه خلال عامين، و جرى النقاش مع الدول لمدة تزيد عن 6 شهور باجتماعات حضرها الخبراء القانونيين بالحملة”.
كما “تمت استشارة خبراء قانونيين حول العالم، والعديد منهم كان منخرطاً بإنشاء محاكم خاصة واستثنائية، وساهموا ببناء المقترح ووضع الملاحظات عليه بما فيه حتى الكلفة المالية”.
ويقول كتوب لموقع “السورية.نت”: “نتكلم اليوم عن محكمة ستستعرض قضايا تم التحقيق فيها من قبل لجان دولية وبمنهجيات صارمة، وبالتالي الجزء الأصعب من الجهد وهو التحقيقات قد تم بذله”.
لكم “ما ينقصنا اليوم هو الرغبة السياسية لدى هذه الدول وهو ما سيحدد الجدول الزمني”.
ويضيف الطبيب السوري أن “معظم الدول التي تم التشاور معها استمعت باهتمام ورغبت بحضور الاجتماعات التي نظمناها حول المقترح… ويبقى الموضوع رهن قرارهم السياسي”.
ولا يزال نظام الأسد يحتفظ بترسانة كيميائية وهناك تخوف جدي من تكرار استخدامها، حسب ما جاء في تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يوم الخميس.
وأشارت الشبكة الحقوقية إلى تكرار استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيميائية في مئات الهجمات وإفلاته من العقاب على مدى 12 عاماً، كان برعاية وحماية روسية مطلقة.
وأضافت أن “روسيا ضالعة بشكل مباشر في إخفاء النظام كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية، مما ساهم في إعادة استخدامها مرات عديدة”.