منذ بدايتها، كان المتوقع من الحرب الإسرائيلية على غزة أن تشعل صراعاً واسع النطاق بين إيران الداعمة لحركة “حماس” وبين إسرائيل، لكن سير الأحداث خالف التوقعات حين نأت طهران بنفسها عن التحرك العسكري واكتفت بمناوشاتٍ تقودها ميليشياتها في المنطقة.
وبعد قرابة الشهر، انخفضت احتمالات نشوب حرب إقليمية واسعة في الشرق الأوسط، بالرغم من تهديدات “حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران، بفتح جبهة حرب جديدة ضد إسرائيل.
وفي تحليل لها، اليوم الاثنين، قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية إنه بالرغم من الشعارات التي رددها المتشددون الإيرانيون، فإن واقع التفكير الاستراتيجي الإيراني كان “أكثر حذراً”.
سبعة أسباب
وحددت المجلة الأمريكية سبعة أسباب على الأقل تدفع إيران لتجنب بدء حرب مع إسرائيل نيابة عن “حماس”.
السبب الأول هو أن إيران “لا تستطيع حشد المجتمع الداخلي للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينيات”.
وأضافت: “انخفض دعم المجتمع للنظام السياسي بشكل ملحوظ. وفي أعقاب احتجاجات العام الماضي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الناجمة جزئياً عن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، تصاعد السخط بين الشباب والطبقة المتوسطة” في إيران.
والسبب الثاني هو أن الجهة المعتدلة في الحكومة الإيرانية حذرت من التدخل الإيراني المباشر في الحرب، وخاصة وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، الذي يحذر دائماً من “العواقب المدمرة” لتورط إيران المحتمل في حرب مع الولايات المتحدة.
أما السبب الثالث، بحسب التحليل، هو أن “فشل إسرائيل الواضح في ردع هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا يغير حسابات طهران الاستراتيجية تجاه إسرائيل”.
وأوضح أن ذلك الفشل “لا يوفر الفرصة لتحدي إسرائيل باستخدام القوة الصاروخية، بل على العكس من ذلك، قد تعتقد إيران أن إسرائيل تشعر أن إعادة الردع هي أولوية وجودية تستحق المخاطرة العسكرية أو السياسية غير العادية من أجلها”.
والسبب الرابع هو عدم وجود علاقة “من أعلى إلى أسفل” بين إيران وحركة “حماس”.
بمعنى آخر أن نهج “حماس” وطهران متباين رغم قيام الحركة الفلسطينية بمواءمة أفعالها مع إيران.
وهو ما حدث بشكل ملحوظ خلال الحرب في سورية “عندما دعمت حماس المعارضين السنة المناهضين للأسد”، وفق التحليل.
والسبب الخامس هو أن شركاء إيران الاستراتيجيين في موسكو وبكين لم يعلنوا عن دعمهم الكامل لحماس.
والسبب السادس هو أن إيران “كانت تأمل أن تقطع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لحرب أوسع نطاق، لكن هذا غير مرجح، إذ لا يملك الرأي العام العربي تأثيراً يُذكَر على السياسات الخارجية التي تنتهجها بلدانهم”.
أما السبب الأخير و”الأكثر أهمية” وفق المجلة، هو “وجهة نظر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي المحددة تجاه الصراعات الإقليمية”.
واعتبرت أنه “خلافاً لوجهة النظر السائدة في الغرب، يتعامل المرشد الأعلى الإيراني مع الاستجابات للصراعات الإقليمية من وجهة نظر واقعية وليس أيديولوجية”.
وأضافت: “يدرك خامنئي تماماً عواقب الحرب، خاصة مع الولايات المتحدة. وقد دفع هذا الوعي إيران إلى اختيار رد فعل محسوب نسبياً في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة للجنرال الإيراني قاسم سليماني”.
وبحسب “فورين بوليسي” فإن كل ذلك “لا يعني أن إيران راغبة بالتخلي عن حماس، التي تمثل رصيدها الاستراتيجي في غزة”.
وختمت “من المرجح أن تستمر طهران بممارسة الضغط على كل من إسرائيل والولايات المتحدة، من خلال حزب الله ووكلائه الشيعة في العراق وسورية، دون تصعيد الصراع إلى حرب إقليمية واسعة النطاق”.