كانت إيران تأمل في الاستفادة من الحرب الإسرائيلية على غزة، لكن يشير محللون إلى أن المكاسب الكبيرة لطهران “لا تزال بعيدة المنال”.
وفي تقرير لها، اليوم الجمعة، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن إيران أظهرت أن الميليشيات المتحالفة معها في سورية والعراق تشكل تهديداً للولايات المتحدة وإسرائيل، لكن دعمها لـ”حماس” أدى إلى “دفع ثمن دبلوماسي ومالي”.
وأضافت أنه بعد شهرين من الحرب على غزة، لم تجني طهران مكاسب استراتيجية ملموسة من الصراع.
وترى إيران، بحسب التقرير، أن هناك جانباً إيجابياً لنفسها في الانتكاسات التي تتعرض لها إسرائيل، خاصة بعد هجوم “حماس” في 7 أكتوبر الماضي، والذي يعتبر “أسوأ فشل استخباراتي وعسكري” للحكومة الإسرائيلية.
لكن إيران “تواجه أيضاً تكاليف الصراع، على الرغم من أنها ليست متورطة بشكل مباشر، وكانت قدرتها محدودة على الاستفادة من مشاكل إسرائيل”.
كيف استفادت طهران؟
وقال مايكل سينغ، المدير الكبير السابق لشؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، والذي يعمل الآن في معهد واشنطن للأبحاث: “لا شك أن إيران اعتبرت السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بمثابة نجاح هائل”.
وأضاف: “إذا لعبت الولايات المتحدة وإسرائيل أوراقهما بشكل صحيح، فسوف تخسر إيران على المدى الطويل”.
خاصة أن إيران “لا تريد رؤية أي مما اقترحته الولايات المتحدة، مثل إعادة تنشيط السلطة الفلسطينية، أو استئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، أو المضي قدماً نحو التطبيع العربي الإسرائيلي”.
وبحسب “وول ستريت جورنال”، فإنه “من المؤكد أن التوابع التي خلفها هجوم حماس والعملية العسكرية الإسرائيلية الضخمة ضد غزة بدأت للتو في الظهور”.
وقالت إن المسألة تعتمد على أمرين لا يزالان غير مؤكدين وهما: “مدى الدمار الذي خلفته الجماعة المسلحة، وقدرة إسرائيل وواشنطن وشركائهم الإقليميين على تحقيق الاستقرار في غزة بعد انتهاء الصراع”.
وبينما كان القادة والمشرعون الإيرانيون يهتفون بالهجوم الذي شنته “حماس” في أكتوبر/ تشرين الأول، بدا أن الفرص مفتوحة أمام طهران، خاصة أنها تروج لنفسها على أنها بطلة النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير.
وفي ساحة المعركة، كشف هجوم “حماس” عن نقاط الضعف الإسرائيلية التي قد تمنع إسرائيل من التحرك ضد إيران، بسبب المخاوف من الانتقام من حلفاء إيران، كما يقول المحللون.
وقال أفشون أوستوفار، الأستاذ المساعد لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن خسارة إسرائيل هي إلى حد ما مكسب لإيران.
مضيفاً أنه “مع ارتفاع عدد القتلى في غزة، تستفيد إيران من تحول الرأي العام الدولي ضد الهجوم الإسرائيلي”.
سبعة أسباب
منذ بدايتها، كان المتوقع من الحرب الإسرائيلية على غزة أن تشعل صراعاً واسع النطاق بين إيران الداعمة لحركة “حماس” وبين إسرائيل، لكن سير الأحداث خالف التوقعات حين نأت طهران بنفسها عن التحرك العسكري واكتفت بمناوشاتٍ تقودها ميليشياتها في المنطقة.
وكانت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، حددت في تقرير سابق لها، سبعة أسباب تدفع إيران لتجنب بدء حرب مع إسرائيل نيابة عن “حماس”.
السبب الأول هو أن إيران “لا تستطيع حشد المجتمع الداخلي للانخراط في حرب جديدة كما فعلت خلال الحرب مع العراق في الثمانينيات”.
وأضافت: “انخفض دعم المجتمع للنظام السياسي بشكل ملحوظ. وفي أعقاب احتجاجات العام الماضي، إلى جانب الأزمة الاقتصادية الناجمة جزئياً عن العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة، تصاعد السخط بين الشباب والطبقة المتوسطة” في إيران.
والسبب الثاني هو أن الجهة المعتدلة في الحكومة الإيرانية حذرت من التدخل الإيراني المباشر في الحرب، وخاصة وزير الخارجية السابق، جواد ظريف، الذي يحذر دائماً من “العواقب المدمرة” لتورط إيران المحتمل في حرب مع الولايات المتحدة.
أما السبب الثالث، بحسب التحليل، هو أن “فشل إسرائيل الواضح في ردع هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، لا يغير حسابات طهران الاستراتيجية تجاه إسرائيل”.
وأوضح أن ذلك الفشل “لا يوفر الفرصة لتحدي إسرائيل باستخدام القوة الصاروخية، بل على العكس من ذلك، قد تعتقد إيران أن إسرائيل تشعر أن إعادة الردع هي أولوية وجودية تستحق المخاطرة العسكرية أو السياسية غير العادية من أجلها”.
والسبب الرابع هو عدم وجود علاقة “من أعلى إلى أسفل” بين إيران وحركة “حماس”.
بمعنى آخر أن نهج “حماس” وطهران متباين رغم قيام الحركة الفلسطينية بمواءمة أفعالها مع إيران.
وهو ما حدث بشكل ملحوظ خلال الحرب في سورية “عندما دعمت حماس المعارضين السنة المناهضين للأسد”، وفق التحليل.
والسبب الخامس هو أن شركاء إيران الاستراتيجيين في موسكو وبكين لم يعلنوا عن دعمهم الكامل لحماس.
والسبب السادس هو أن إيران “كانت تأمل أن تقطع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل نتيجة لحرب أوسع نطاق، لكن هذا غير مرجح، إذ لا يملك الرأي العام العربي تأثيراً يُذكَر على السياسات الخارجية التي تنتهجها بلدانهم”.
أما السبب الأخير و”الأكثر أهمية” وفق المجلة، هو “وجهة نظر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي المحددة تجاه الصراعات الإقليمية”.
واعتبرت أنه “خلافاً لوجهة النظر السائدة في الغرب، يتعامل المرشد الأعلى الإيراني مع الاستجابات للصراعات الإقليمية من وجهة نظر واقعية وليس أيديولوجية”.