لم ينفع ساسة الأردن تطبيع علاقات بلادهم مع نظام الأسد، فحرب المخدرات التي حذر بعضهم من خطورة عواقبها في أكثر من مناسبة، وتشنها عصابات هذا النظام عليهم، ما تزال مستمرة، ولم تتوقف يوماً، إذ لا يكاد يمرّ يوم واحد، إلا وتشهد حدود الأردن مع سوريا اشتباكات بين عناصر الجيش الأردني وهذه العصابات، فضلاً عن أن إعادة مقعد الجامعة العربية للنظام بوساطة المملكة العربية السعودية، وتطبيع علاقاتها معه، لم تجعل النظام يتوقف عن مساعيه في تهريب المخدرات إليها، في حين تقوم أجهزة بعض دول الخليج من وقت إلى آخر بضبط شحنات من المخدرات، والتي يتمّ تهريبها بشتى الطرق، سواء ضمن البضائع والفواكه والخضراوات وعلب الحليب، أو في أطباق البيض، وأوراق الشاي، وحتى داخل أحشاء وبطون الدواب، وسوى ذلك.
يشي إصرار عصابات نظام الأسد على الاستمرار في عمليات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن بأن كل الجهود الأردنية، ومعها جهود التطبيع العربية، ذهبت هباء، لكن ذلك لم يجعل الأردن يتخذ موقفاً مع النظام، بل واصل مسؤولو الحكومة الأردنية الحديث عن استمرار جهود التنسيق معه، والتي كان آخرها ما أعلنه وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، عن اتفاق بلاده مع النظام على تشكيل فريق أمني سياسي لمواجهة تهريب المخدرات. واللافت هو أن هذا الاتفاق جاء على الرغم من أن مسؤولين أردنيين سبق أن أعربوا عن خيبة أملهم من تراجع نظام الأسد عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة منه، بموجب المبادرة الأردنية (خطوة مقابل خطوة)، خاصة بعد سماعهم كلام بشار الأسد بنفسه وهو يتنصل من مسؤولية تصنيع وتهريب المخدرات، والذي أراد أن يعلن أن نظامه لا يلتزم بشيء مما يطلب الأردن ودول التطبيع العربي منه، وذلك على الرغم من أن الأردن هو أحد الفاعلين الأساسيين في مسار إعادة إدماج النظام عربياً.
المشكلة هي أن الحكومة الأردنية تدرك تماماً أن نظام الأسد حوّل مناطق سيطرته إلى مركز لتصنيع المخدرات، وخاصة حبوب “الكبتاغون”، التي يقوم بتهريبها عبر دول الجوار إلى دول الخليج العربي والعالم، سواء عبر الحدود السورية مع الأردن، أو عبر الموانئ السورية، أو عن طريق لبنان، وخاصة الموانئ غير الشرعية، إلى جانب مطار رفيق الحريري في بيروت، الذي يسيطر عليه حزب الله اللبناني، شريك النظام في تصنيع وتهريب المخدرات، ويمتلك سجلاَ حافلاً في تهريبها والاتجار بمختلف أصنافها، ويقوم بزراعة الحشيش بشكل علني في مناطق خاضعة لسيطرته المطلقة من لبنان. ومع ذلك كله لم تفقد الحكومة الأردنية أملها في أن يتجاوب النظام مع جهودها ومبادرتها، ويحدّ على الأقل من تهريبها إلى الأردن، لكنها لا تجد أي تجاوب معها بالرغم من تطبيعها معه، ومن تحذيرات ملك الأردن عبد الله الثاني من أن بلاده ستقوم بتغيير قواعد الاشتباك في تعاملها مع التهديد القادم إليها من مناطق النظام، في حين أن عمليات التهريب أخذت في التزايد بشكل لافت خلال ديسمبر/ كانون أول الجاري، بل وحاولت عصابات الأسد تهريب أسلحة صاروخية منذ عدة أيام، ولم يتغير التعامل وفق قواعد الاشتباك القديمة، التي لم ينتج عنه سوى إرهاق الجهات الأمنية الأردنية واستنزافها، وأفضت إلى مقتل وإصابة ضباط وجنود أردنيين، في حين طوّرت عصابات التهريب التي يرعاها نظام الأسد من أساليبها، وراحت تستخدم أدواتاً جديدة لم تكن مستخدمة من قبل، مثل البالونات الطائرة على اختلاف أحجامها، والتي تحمل في جوفها كميات من مختلف أنواع المواد المخدرات والأسلحة، إضافة إلى الطائرات المسيّرة.
ليس عبثاً أن تتزايد التقارير الدولية التي تؤكد أن نظام الأسد تحول إلى نظام مخدرات، لأن تصنيعها وتهريبها يشكل مورداً تجارياً هاماً، يدرّ أموالا ضخمة عليه، وكذلك على الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني، الذي ينتشر عناصره في مختلف مناطق سيطرة النظام، حيث تقدر تقارير غربية أن تجارة الكبتاغون عادت على النظام السوري بنحو 57 مليار دولار، وتبلغ تقريباً ثلاثة أضعاف قيمة تجارة عصابات المخدرات المكسيكية مجتمعة، وباتت نسبة 80 بالمئة من إمدادات العالم من هذه المادة الخطيرة تُنتج في مناطق سيطرة النظام.
إذاً، إصرار نظام الأسد على تصنيع وتهريب المخدرات يعود إلى أنها باتت تمثل شريان الحياة الاقتصادية لنظام الأسد، لذلك يقوم ماهر، شقيق بشار الأسد، والفرقة العسكرية التي يقودها، بالإشراف على تصنيعها وتهريبها، كما أنها أصبحت مصدر إثراء للبطانة الداخلية المحيطة بالأسد وعائلته إضافة إلى قادة المليشيات المتعددة الجنسيات وأمراء وتجار الحرب، وذلك بعد أن زاد اعتماد نظام الأسد على اقتصاد أسود، يؤمن له ولحاشيته أموالاً كثيرة، فضلاً عن السطو على أملاك وأموال المهجرين، وعلى الثروات الباطنية وسواها، في حين أن أزمة اقتصادية ومعيشية كارثية ما تزال تعصف بغالبية السوريين في مناطق سيطرة النظام، وبات معظمهم غير قادر على تأمين أبسط حاجيات حياته المعيشية.
الملاحظ هو أنه على الرغم من تحذيرات عديدة يطلقها، بين الفينة والأخرى، مسؤولون في الحكومة الأردنية، تتحدث عن اقتراب “ساعة انفجار” على الحدود مع سوريا، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً في ملف تهريب المخدرات والأسلحة من مناطق سيطرة نظام الأسد. وليس مستغرباً أن يستغل النظام انشغال العالم بحرب إسرائيل العدوانية على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، من أجل زيادة وتيرة تهريب المخدرات، فهذا النظام لا يتقيد بأي قيم أخلاقية أو إنسانية، لذلك عمد إلى زيادة وتيرة عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية وسواها، فيما لا يملك الأردن خيارات كثيرة ما لم يسعَ إلى تشكيل تحالف عربي ودولي مع أجل الضغط على نظام الأسد وحثّ الإدارة الأميركية على تفعيل قانون مكافحة الكبتاغون الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في سبتمبر/ أيلول 2022، مع الأخذ بالاعتبار ما يمكن أن يؤديه الأردن، بحكم جواره مع سوريا، من دور في تفعيل هذا القانون، وباتجاه الدفع نحو اتخاذ إجراءات ميدانية، سيحسب لها نظام الأسد ألف حساب لأنه لا يفهم إلا لغة القوة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت