أخذت الضربات الإسرائيلية في سورية، الأسبوع الماضي، منحى تصاعدياً، عبر توجيه ضربات “مركزة وقوية”، حسب ما وصفها محللون، على مواقع تابعة لميليشيات إيرانية و”حزب الله، استهدفت شخصيات قيادية وشحنات أسلحة ومستودعات.
ورغم أن الضربات الإسرائيلية ليست جديدة، إلا أن التصعيد الأخير وتوجيه أكثر من ست ضربات جوية خلال أسبوع واحد، يثير العديد من الأسئلة حول دوافعه وأهدافه، وسط مخاوف بشأن فتح جبهة ثانية في المنطقة إلى جانب جبهة غزة.
وبينما تشير وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن تل أبيب تبحث عن “بنك أهداف” في سورية ضد فروع “الحرس الثوري” و”فيلق القدس” الإيرانيين في سورية، يشير محللون إلى أنها محاولة لجر كلاً من إيران وأمريكا إلى “حرب أكبر”.
ست ضربات في أسبوع
على مدى الأسبوع الماضي، كثفت تل أبيب من عملياتها الجوية في سورية، كان أبرزها مقتل القيادي بالحرس الثوري، رضي موسوي، بقصف استهدف منزله بالسيدة زينب في دمشق، الاثنين 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023.
ويعتبر موسوي، الذي وصفته وسائل إعلام إيرانية بـ “أعلى رتبة عسكرية” تقتل في المنطقة، من كبار قادة “الحرس الثوري” الإيراني في سورية، ومسؤولاً عن تنسيق عملية إدخال الأسلحة الإيرانية إلى سورية ثم إلى لبنان.
كما نفذت إسرائيل، في 29 من الشهر نفسه، ضربة جوية استهدفت “قاعدة رئيسية للدفاع الجوي السوري” في الجنوب، حسب ما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر في قوات الأسد.
كما استهدف القصف، حسب ما ذكرت صحيفة “الشرق الاوسط“، اجتماعاً لـ”الحرس الثوري” جنوب دمشق بالقرب من المطار، ما أدى إلى مقتل مجموعة من قادة الميليشيات التابعة لإيران.
وقالت الصحيفة، نقلاً عن مصادر ميدانية مطلعة، إن القتلى هم “الحاج محمود (لبناني)، قائد أهم قطاعات حزب الله في دير الزور، والحاج رعد (عراقي)، وهو مسؤول الحشد الشعبي العراقي في المحافظة، والحاج علي (إيراني) مسؤول استخبارات الحرس الثوري في المنطقة الشرقية، والحاج نوزت (أفغاني) وهو المسؤول عن المجموعات الأفغانية في مجمل سورية، وقيادي إيراني آخر في دير الزور يعرف باسم الحاج علي”.
وفي مسار تصاعدي للضربات الجوية استهدف القصف، السبت الماضي، “مبان وشاحنات تستخدمها فصائل مسلحة متحالفة مع إيران في بلدة البوكمال السورية”، حسب “رويترز”.
وقالت الوكالة، نقلاً عن مصادر أمنية لها اتصالات بمسؤولي الحدود السوريين، إن “الضربات استهدفت قافلة مكونة من ثماني شاحنات، ودمرت أربع شاحنات على الأقل”، إضافة إلى استهداف “ثلاثة مبان تستخدمها إحدى الميليشيات المدعومة من إيران”.
وأعقب ذلك إعلان “حزب الله” اللبناني مقتل أربعة من عناصره، إلا أنه لم يذكر أي تفاصيل أخرى حول مكان مقتلهم، لكن وكالة “أسوشيتد برس” ذكرت، نقلاً عن عنصرين من الميليشيات العراقية، بأن العناصر قتلوا في القصف على البوكمال، إضافة إلى مقتل عنصرين سوريين آخرين.
وفي اليوم نفسه، أعلن نظام الأسد توجيه طائرات إسرائيلية من البحر المتوسط تجاه حلب، في حين أعلن موقع “انتل تايمز” الإسرائيلي أن القصف استهدف “أنظمة دفاع جوي في محيط مطار النيرب العسكري في حلب”.
سورية.. صندوق بريد
منذ بدء حرب غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تزايدت التوترات بين إسرائيل والجماعات المتحالفة مع إيران في أربع دول هي لبنان والعراق واليمن وسورية.
وتشهد الساحة العراقية قصفاً متبادلاً بين قوات أمريكية وميليشيات عراقية موالية لإيران، والتي تقول إن حملة القصف من أجل الانتقام لما يجري في غزة، لكن القصف بقي ضمن الإطار المحدود دون تصعيد.
وفي اليمن أعلنت جماعة “الحوثيين” الموالية لإيران، استهداف ومهاجمة أي سفينة تمر عبر البحر الأحمر وتتجه نحو الموانئ الإسرائيلية، وسط تهديد إسرائيل بالتحرك عسكرياً لمنع ذلك، في حين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل تحالف من عدة دول لحماية الممر البحري.
أما في لبنان شهدت الحدود الجنوبية تصعيداً عسكرياً بشكل متزايد بين إسرائيل و”حزب الله” عبر تبادل إطلاق النار، لكن رغم ذلك لم تتعد الأحداث نطاق “المناوشات” كما يصفها محللون، بسبب التفاهمات الموجودة، رغم اغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري بالضاحية الجنوبية معقل الحزب.
ويقول المحلل السياسي اللبناني، أمين بشير، لـ”السورية.نت” إن ما يجري في الجبهة اللبنانية هو “مسرحية محدودة العروض”، كون المنطقة “تحكمها تفاهمات بوساطة أمريكية، وبالتالي هناك خطوط حمر وقواعد اشتباك، التي يحرص جميع الأطراف على احترامها”.
ولم يبق إلا الساحة السورية، التي تحولت خلال السنوات الماضية إلى “ساحة حرب مفتوحة وصندوق بريد”، للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، التي تستخدم سورية كمسرح لتحقيق أهدافها ونقل رسائلها، ومن بينها الصراع بين إسرائيل وإيران.
ويقول بشير إن ساحة المعركة هي سورية، لأنها “الساحة المفتوحة التي يحارب عليها الجميع، ولا يوجد بها اتفاقيات أو تفاهمات بين الأطراف المتنازعة، وبالتالي تكون ساحة المعركة الأوسع، التي يستطيع الأطراف الحرب فيها بكل أريحية وبكل الأساليب، سواء بضرب الأشخاص أم القواعد العسكرية المتواجدة هناك”.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني، ماجد عزام لـ”السورية.نت” أن “هناك أسباب منهجية للهجمات الاسرائيلية في سورية منها منع التموضع الإيراني بمعناها الاستراتيجي”.
وقال إن “إسرائيل لم تمانع بقدوم إيران إلى سورية والدفاع عن نظام بشار الأسد، لكن إيران ليست دولة كبرى، على عكس ما تتصور، حتى تقيم قواعد برية أو بحرية في سورية أو تنشر منظومات جوية في سورية، هذه القاعدة المنهجية للقصف الاسرائيلي في سورية، مع اطمئنانها أنه لن يكون هناك رد”.
وأضاف أن “إسرائيل زادت غاراتها، لكي لا تظن إيران، بأن انشغال إسرائيل بحربها العدوانية وحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، قد تمثل فرصة سانحة لها لزيادة تموضعها في سورية”.
رسالة إسرائيلية لإيران
وتعتبر إسرائيل أن التواجد الإيراني في سورية تهديداً لأمنها القومي، وأنها تستغل النزاع السوري لتعزيز تواجدها العسكري في المنطقة، عبر إقامة قواعد جوية، إضافة إلى نقل الأسلحة المتطورة إلى “حزب الله” في لبنان.
ونتيجة لذلك لم تهدأ الغارات الإسرائيلية، طيلة السنوات الماضية، على مواقع عسكرية وبنية تحتية تستخدمها إيران وحلفاؤها في سورية، لكن الضربات الأخيرة كانت نتيجة مساعي تعمل عليها طهران بصورة متسارعة.
وحسب ما نقلت وكالة “رويترز”، عن مصادر استخباراتية رفيعة، فإن “الحملة المكثفة” من قبل إسرائيل على سورية هدفها “تعطيل أنظمة الدفاع الجوي السورية التي شاركت إيران في توسيعها”.
كما نقلت عن مصدر عسكري إقليمي قوله إن “طهران تكثف جهودها لتزويد سورية بأنظمة دفاع جوي يمكن أن تقلل من فعالية الضربات الإسرائيلية”، مضيفاً أن “هذا مرتبط بحسابات حرب غزة في حال اتساع نطاق الصراع”.
كما أرجعت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية الهجمات المتكررة الإسرائلية إلى “إحباط الشحنات الإيرانية، التي تهدف إلى زيادة عدد الصواريخ الدقيقة، والصواريخ المضادة للدبابات التي يحاول الإيرانيون نقلها بكميات كبيرة”.
وذكرت الصحيفة أن إيران تعمل في الوقت الحالي “على تسريع نقل الأسلحة الدقيقة إلى حزب الله، استعداداً لصراع واسع النطاق في الشمال”.
وتحاول أيضاً، بحسب الصحيفة “نقل أنظمة دفاع ضد المروحيات والطائرات بدون طيار الإسرائيلية”، وتعرف باسم “المنتج 358”.
و”المنتج 358″ هو صاروخ إيراني يمكن استخدامه كمسيرة جوية، ووفقاً لبعض التقارير أطلق “حزب الله” بعض القطع منه على طائرات مسيرة إسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية.
وإضافة إلى أن هدف التصعيد الأخير هو “الحد من انتشار القوات الإيرانية وعدم السماح لها بالتمدد أكثر”، يرى الخبير العسكري، عبد الجبار العكيدي، أنها محاولة لـ”جر أمريكا لاستهداف قواعد الميليشيات الإيران ومنعها من التمدد أكثر”.
ويقول العكيدي لـ”السورية.نت” إن من أهداف التصعيد أيضاً “محاولة من نتنياهو وحكومته، التي لم تحقق إي إنجاز في العملية البرية بغزة بعد ثلاثة أشهر، لفت النظر إلى الخارج ونقل المعركة إعلامياً باتجاه الحزب”.
واعبر المحلل السياسي أمين بشير أن نتنياهو يحاول إقحام الإمريكان في مواجهة مباشرة مع إيران عبر توجيه مثل هكذا ضربات.
وقال بشير إن “نتنياهو يحاول اللعب في الوقت بدل الضائع ما قبل الانتخابات الأمريكية، ويهدف إلى توريط الأمريكان بحرب واسعة وشاملة مع إيران”، بهدف تخفيف الضغط عليه من جبهة إسرائيل الداخلية.
وأضاف أنه رغم محاولة نتنياهو لجر واشنطن للحرب، إلا أن “أمريكا وإيران لا يرغبان بحرب مفتوحة وتوسيع رقعة الصراع”.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي ماجد عزام، أن التصعيد الأخير رسالة إسرائيلية إلى إيران بأن أي محاولة لقصف أهداف إسرائيلية من قبل ميليشيات إيران، ولو كانت دعائية، سيتم الرد عليها في سورية مباشرة.
ويرى عزام أن اغتيال موسوي بسبب اعتقاد إسرائيل بأن إيران تجاوزت الخطوط الحمر، عبر إرسال مسيرات تجاه أراضيها.
وتوقع عدم التصعيد في المنطقة أو حدوث أي تطور أو توسيع في الجبهات، لأن “قرار اسرائيل الاستراتيجي عدم الذهاب إلى حرب توسيع الجبهة باتجاه لبنان، حتى الانتهاء من جبهة غزة، كما أن إيران ليست بوارد التصعيد حتى الآن نتيجة الرد الامريكي وسياسة العصا والشجرة التي تتبعها معها”.