كلما اقترب موعد انتهاء التفويض الأممي لتاريخ دخول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في شمالي سوريا، توترت الأجواء حول المرحلة المقبلة وكيف سيكون شكلها وما الذي سيقوله ويفعله النظام لانتزاع مزيد من المطالب والفرص السياسية التي تجعله محاورا رئيسيا في الملف.
يستخدم نظام الأسد منذ العام 2019 ملف دخول المساعدات الدولية إلى سوريا كورقة ضغط سياسي تمكنه من رسم معالم آلية دخول وتوزيع هذه المساعدات إلى ملايين المحتاجين، وذلك عبر جلوسه أمام طاولة التفاوض وصناعة القرار بشأنها. منح الوضع القائم في شمالي سوريا بشقه الأمني والسياسي، النظام وداعميه فرص تحويل الملف إلى ورقة مزايدة ومقايضة وتمديد على تمديد بغطاء قانوني من قبل مجلس الأمن الدولي الذي يحاوره عبر الأمانة العامة للأمم المتحدة والهيئات الإنسانية منذ 4 سنوات، رغم أن الأمور كانت تسير بشكل مغاير قبل ذلك.
يريد النظام أن يوجد في المعابر الحدودية التي يختارها هو كمعبر للمساعدات وللإشراف على توزيعها وتحديد الجهات التي ستذهب إليها وطريقة تسليمها. يريد أن تتفاهم الجهات الداعمة معه على ذلك مع أنها هي التي تحمله مسؤولية الوضع القائم. أليس هناك مشكلة أو ازدواجية معايير في طريقة تعامل هذه المؤسسات مع صلب المشكلة أم هي تتعامل مع الواقع القائم فقط؟
يتحمل النظام في دمشق مسؤولية التسبب في هذه المأساة الإنسانية التي تتفاعل على الحدود السورية مع دول الجوار منذ العام 2014. وهو تنبه في العام 2019 إلى ضرورة تحويلها لورقة ضغط ومزايدة وانتزاع مواقف وتسهيلات أممية ودولية مستقويا بالفيتو الروسي، فأصبح شريكا في إدارة شؤون المأساة التي يتحمل مسؤوليتها. المأساة الثالثة الموجعة أكثر هي قبول الدول الفاعلة والمنظمات الإنسانية لدور النظام وضرورة إشراكه في صناعة القرارات، تحت غطاء ضرورة إيصال المساعدات لمحتاجيها. هو اعتراف دولي وأممي بفشل تسهيل خروج سوريا من أزماتها السياسية والأمنية، وتناسي أولويات الشعب السوري الثائر الذي خرج يطالب بالإصلاح والديمقراطية والعدالة، وتجاهل كامل لأسباب هذه الأزمة منذ 13 عاما من خلال تحويلها إلى مشكلة لاجئ ونازح ينتظر المساعدة الإنسانية.
تشير أرقام وإحصائيات الأمم المتحدة إلى أن 90 بالمئة من سكان شمال غربي سوريا ينتظرون قدوم هذه المساعدات. نحن نتحدث عن أكثر من 4 ملايين ساكن ونازح في هذه البقعة الجغرافية الحدودية الضيقة مع تركيا. الشق الإنساني هو تحت رحمة المساومات والبازار السياسي لإرضاء النظام ومنحه الحصة التي يريدها، وتركه يقول الكلمة الأخيرة في ملف فجره هو بوجه شعبه وأوصله إلى هذه المرحلة. من 4 معابر إلى واحد يتم إغلاقه أحيانا بقرار من دمشق وبالتنسيق مع الجانب الروسي.
تضغط أنقرة على الأمانة العامة للأمم المتحدة لتوسيع نطاق دخول المساعدات وفتح المعابر، فتبحث الأمانة العامة المسألة مع النظام الذي يتصلب بانتزاع ما يريد. شريان حياة الملايين تحت رحمة قرار النظام وما يقول منذ العام 2019 رغم أن الجميع يدرك مخاطر ارتدادات ما يجري إنسانيا وحياتيا وأخلاقيا، ويتجاهل وضعية الابتزاز التي يمارسها النظام في قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وهو يحاول تسجيل اختراق في مناطق حدودية خارجة عن سيطرته في الشمال السوري.
تتحدث تقديرات الأمم المتحدة عن 15.3 مليون سوري سيكونون بحاجة لحماية ومساعدات إنسانية خلال 2023، وهو أعلى رقم منذ بدء الصراع في عام 2011. أرقام العام الحالي ستكون أكبر وأشد قساوة. ومع ذلك فالنظام يريد فرض سيادته على المعابر رغم خروجها من قبضته، والظهور بالمتحكم المتساهل لتثبيت قدمه في هذه الأماكن التي تعتبر بمنزلة الشرايين الحيوية بالنسبة للملايين، مع أن تجارب سابقة أثبتت فشله في إدارة شؤون الملف تحت شعار خطوط التماس بعدما فقدت كميات كبيرة من المساعدات التي عبرت هذه النقاط.
سمحت الأمم المتحدة والعديد من العواصم العربية والغربية للنظام في دمشق التحكم بالملف متجاهلة كثيرا مما فعله ضد شعبه، ومطالب السوريين ومناشداتهم، وما يقوله القانوني الدولي الإنساني بهذا الشأن، حول ضرورة إيصال المساعدات لمحتاجيها دون شرط موافقة الدولة المعنية أو مجلس الأمن الدولي، وعبر آلية ملزمة لا تحتاج إلى تمديد وتجديد.
المطلوب اليوم هو تذكير اللاعب الإقليمي والدولي أن هذه المسألة خرجت إلى العلن بعد مسألة أكبر وأهم مرتبطة بنزول الملايين إلى الشوارع في المدن السورية ضد سلطة سياسية لا تريد الأخذ بمطالب الإصلاح والتغيير. المطلوب أيضا هو إخراج الملف من حالة المواجهة الأميركية الروسية تحت سقف مجلس الأمن الدولي لناحية التفاوض على التمديد والتجديد والتنازلات المتبادلة على حساب الملايين الذين ينتظرون هذه المساعدات. والمطلوب بعد ذلك هو إنشاء آلية جديدة تنهي إساءة استخدام هذا الملف الإنساني، وتأخذ بعين الاعتبار مسائل الحياد والنزاهة والاستقلالية في تنظيم هذا العمل عبر الحدود السورية، وتبعد المسألة عن المزايدات والمساومات السياسية الضيقة. الطريق الأسهل هو ضمانات أسس وقواعد القانون الدولي الإنساني ليكون الملف فوق القرارات والميول السياسية والضغوطات التي تحول المسألة إلى مزايدات ومساومات على حساب ملايين السوريين الذين يعيشون على هذه المساعدات وانطلاقا من المبادئ الدولية والأممية التي تسمح بالاستقلالية في عمليات الأمم المتحدة المتعلقة بالشق الإنساني، وضرورة التخلي عن فكرة أن تفاوض الأمم المتحدة النظام على عبور مساعدات ليس من حقه التدخل أو التأثير في عبورها ووصولها إلى الملايين من الذين ينتظرونها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت