على الأرجح، لن تكون حادثة مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في هجوم بطائرة مسيرة في الأردن قرب الحدود السورية، مجرد حدث عابر.
إذ يذهب محللين إلى أن الهجوم قد يشكل نقطة تحول ستغير مسار التطورات، والمشهد العسكري والسياسي في الشرق الأوسط.
وفي ظل استراتيجية “احتواء الصراع” التي تنتهجها واشنطن في المنطقة، ومحاولتها عدم توسيع رقعة الحرب الإسرائيلية على غزة، تصاعدت الأصوات المطالبة من قبل سياسيين وباحثين وأعضاء في الكونغرس الأمريكي يوصفون بـ”الصقور” بضرب طهران، وليس الاكتفاء بالرد على أذرعها في المنطقة.
وتتجه الأنظار نحو إدارة الرئيس بايدن، في انتظار خطوتها التالية، بما يتناسب مع حجم التصعيد الذي وصفه سياسيون بـ”الخطير”، وسط تساؤلات حول حجم الرد ومكانه ومما سيترتب عليه لاحقاً.
تناقض أردني والمتهم طهران
في أول تطور “خطير” من نوعه منذ حرب غزة في السابع عشر من شهر أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمس الأحد، مقتل 3 عسكريين أمريكيين. في هجوم بطائرة مسيرة في شمال شرق الأردن.
وحسب بيان الإدارة الأمريكية فإن 34 جندياً أصيبوا في أعقاب الهجوم، في حين تعهد بايدن بالرد، محملاً مسؤوليته إلى فصائل مدعومة من طهران.
وكشفت وسائل إعلام أمريكية أن الهجوم، الذي تبنته ما تسمى” المقاومة الإسلامية في العراق”، استهدف “البرج 22″، الذي يتمتع بموقع استراتيجي مهم، فهو يقع عند أقصى نقطة شمال شرق البلاد حيث تلتقي حدود البلاد مع سورية والعراق.
كما يقع بالقرب من قاعدة التنف الأمريكي، التي تقع عبر الحدود في سورية، وتضم أكثر من 350 جندياً أمريكياً، حسب وكالة “رويترز“.
وأوضح المحلل العسكري والاستراتيجي، هشام خريسات في حديث إلى “السورية.نت”، أن “المسيرة التي قصفت القاعدة الأمريكية خرجت من الأراضي السورية على بعد 43 كليومتراً من الحدود الأردنية، وعبرت جنب قاعدة التنف لكن لم تظهر على الرادارات بسبب انخفاضها”.
وقال بايدن أثناء قيامه بزيارة إلى ولاية ساوث كارولاينا: “كان يومنا صعباً الليلة الماضية في الشرق الأوسط. فقدنا ثلاثة أرواح شجاعة”، قبل أن يتعهد بأن الولايات المتحدة “سترد”.
من جانبه قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، إن “مجموعة كتائب حزب الله المدعومة من إيران هي التي تقف وراء الهجوم”.
لكن الجانب الإيراني نفى ضلوعه في الهجوم ومقتل الجنود الأمريكيين، وفق ما جاء في بيان لوزارة الخارجية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني، ناصر كنعاني إن “هذه الاتهامات غرضها سياسي وتهدف إلى قلب الحقائق بالمنطقة”.
واعتبرت الخارجية أن الاتهامات بوقوف طهران وراء الهجوم، هي “باطلة” وأن “الاتهامات لا أساس لها، وهي مؤامرة لمن مصلحتهم جر أمريكا إلى معركة بالمنطقة”.
كما اعتبرت أن الميليشيات الموجودة في المنطقة “لا تتلقى الأوامر منا وتتخذ قراراتها للدفاع عن الشعب الفلسطيني بشكل مستقل”.
أما رد الجانب الأردني اتسم بالتناقض، إذ صرح الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين، في البداية بأن “الهجوم الذي استهدف القوات الأمريكية قرب الحدود السورية لم يقع داخل الأردن”، موضحاً أن “الهجوم استهدف قاعدة التنف في سورية”.
لكن مع إصرار الجانب الأمريكي، أصدرت الحكومة الأردنية بياناً رسمياً دانت فيه الهجوم، وأكدت فيه أنه استهدف “موقعاً متقدماً على الحدود مع سورية، يضم قوات أمريكية تتعاون مع الأردن في مواجهة الإرهاب”.
وأرجع المحلل العسكري هشام خريسات التردد الأردني وعدم الاعتراف بالعملية إلى “متطلبات الجيش الأمريكي الذي رفض الإعلان عن مكان وزمان ونتائج العمليه إلا بالوقت المناسب له، لاسيما عدم مشاهدة الرادرات للطائرة المسيرة”.
من جانبه أرجع أستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات في الجامعة الأردنية، حسن المومني، بأن التصريحات الأولى التي صدرت من قبل الناطق باسم الحكومة جاءت استناداً إلى معلومات عسكرية، خاصة وأن هناك نوع من التداخل في الحدود السورية- الأردنية.
واعتبر المومني لـ”السورية. نت” أن سبب عدم الاعتراف الأردني يعود إلى “العبئ” الذي قد يضيفه الهجوم على عمان، وبالتالي سيكون على الأردن جزء كبير من المسؤولية.
وأشار المومني إلى أن “الأردن يحاول جاهداً انتهاج سياسة لا تؤدي إلى إدخاله في آتون الصراع الحاصل في سورية، وكان في كثير من الأمور ينتهج مسألة التعاون الاستراتيجية سواء الإقليمي أو الدولي مع أمريكا وحتى مع روسيا”.
جرأة إيراني بعد فشل أمريكي
الهجوم في الأردن، يأتي بعد أكثر من 150 هجوماً على القواعد الأمريكية في العراق وسورية، بينما كانت استجابة واشنطن مقيدة ولم ترد على الضربات، ما يفسر بأنه إشارة واضحة إلى عدم الرغبة في التصعيد، وفق محللين.
كما يأتي الهجوم في ظل حديث وسائل الإعلام عن مخطط الإدارة الأمريكية لسحب قواتها من سورية والعراق.
واعتبر المساعد السابق للرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي، جون بولتون، سبب مقتل الجنود الأمريكيين، إلى “فشل إدارة بايدن في ردع إيران ووكلائها الإرهابيين بشكل مباشر”، متوقعاً استمرار الخسائر البشرية الأمريكية “إلى أن تعلم إيران أنها ستدفع ثمناً باهظاً لمهاجمتها الأفراد الأميركيين”.
وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها، اليوم الاثنين، إن ما حصل “هو اليوم الذي كان يخشاه بايدن وفريقه لأكثر من ثلاثة أشهر”.
وتضيف أيضاً: “هو اليوم الذي تحولت فيه الهجمات المنخفضة المستوى نسبياً التي شنتها مجموعات وكيلة لإيران على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط إلى هجمات مميتة، لتكثف الضغط على الرئيس للرد بالمثل”.
المحلل السياسي، إيهاب عباس، اعتبر أن إدارة بايدن على المستوين السياسي العسكري قصرت في حماية القوات الأمريكية في الخارج.
وقال عباس لـ”السورية.نت” إن “موقف الديمقراطيين المتخاذل في التعامل مع الملفات الأساسية في المنطقة، التي يمكن أن تؤثر على مصالح واشنطن، هو الذي قادنا إلى ما نحنا عليه اليوم، من التعدي على القوات الأمريكية بشكل سافر من العديد من الجهات التي تأتمر من إيران”.
وأضاف أن “موقف واشنطن إذا لم يكن رادعاً بصورة قوية، سيتجرأ عليها الجميع، ونرى التجرأ من الحوثيين والميليشيات في العراق وسورية، وكل هذه الجهات تشكل تهديداً على المصالح الأمريكية في المنطقة”.
وأشار عباس إلى أن إدارة بايدن تقوم فقط بردة فعل على أذرع إيران بالوكالة، وليست على إيران نفسها.
أما الباحث في معهد الشرق الأوسط، سمير التقي، فأكد أن “أمريكا غير قادرة إلى الآن على ضبط إيقاع الصراعات طالما الوضع في غزة على حاله”.
وقال التقي لـ”السورية. نت” إن “أمريكا لن تخفف تورطها في الإقليم بل هلى العكس ستوسع حضورها، دون أن تنزل على الأرض، وستحتاج لحلفائها الإقليميين من غير إسرائيل أكثر من أي وقت مضى”.
كيف سيرد بايدن؟
في ظل توقع رد أمريكي قادم يطرح العديد من الأسئلة حول طبيعة وحجم هذا الرد. هل سيكون عسكرياً أم دبلوماسياً؟ وهل هدف الرد المحتمل سيكون رادعاً لطهران مستقبلاً أم سيكون محاولة لإعادة تأكيد الهيمنة الأمريكية في المنطقة؟
ودعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، إلى شن ضربات على أهداف داخل إيران، قائلاً “يمكن لإدارة بايدن القضاء على جميع وكلاء إيران مثلما تشاء، لكن ذلك لن يردع إيران”.
بدوره دعا السيناتور الجمهوري الأمريكي توم كوتون بـ”الانتقام العسكري ضد القوى الإرهابية الإيرانية، سواء داخل إيران أو في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
وتوقع التقي أن يكون هناك “رد أمريكي قوي ولكن ليس واسعاً، وأن تكون الضربات جوية موجهة لمراكز قرار”.
أما المحلل العسكري هشام خريسات، وصف الرد الأمريكي المحتمل بـ”المخيف”، وتوقع أن يكون الرد “اغتيال شخصية إيرانية محورية، ومن أحد الأهداف المحددة والمخطط اغتيالها قائد فيلق القدس، اسماعيل قاآني، وقائد فصيل النجباء، وقائد فصيل حزب الله العراقي”.
كما توقع زيادة “القصف على مواقع الميليشيات في سورية والعراق، عبر استهدافها بصواريخ كروز التي ستنطلق من غواصات فلوريدا”.
أما المحلل السياسي إيهاب عباس، أكد أن الرد على أذرع إيران سيأتي، لكن “كلما تم الرد في كل مرة على الأذرع وترك الجسم الرئيسي وهو إيران، المحرض والداعم اللوجستي الرئيسي للميليشيات، ستظل الأمور كما هي، وستبقى الاعتداءات بشكل سافر على القوات الأمريكية”.
واعتقد عباس أن الرد سيكون حاسماً وسريعاً ضد “حزب الله في العراق”، ثم بعد ذلك “يجب التعامل مع إيران بشكل فوري، وإلا فلن يكون هناك أي جديد، وسيبقى رد القوات الأمريكية مرهون بالعمليات التي تتم ضددها، وتكون فقط هي ردة فعل، ولن تكون هي السباقة بالفعل”.
هل تقصف واشنطن طهران؟
بدوره استبعد الكاتب والمحلل السياسي، نزار حيدر، توجيه الإدارة الأمريكية ضربة عسكرية لطهران. واصفاً ذلك بـ”التصعيد الخطير”.
وقال حيدر لـ”السورية. نت” إن أمريكا في موقف الآن، تريد اتخاذ قرار قوي للرد، وهناك ضغط يمارسه الكونغرس لرد بقوة داخل إيران وهذا شي خطير”.
وأضاف أن “واشنطن لا تسعى إلى مثل هذا التصعيد الخطير مع أيران، خاصة وأن طهران حتى الآن، لم ترم حجراً واحداً على اسرائيل أو القواعد العسكرية الأمريكية، من داخل الاراضي الإيرانية”.
أما أستاذ العلاقات الدولية وتسوية النزاعات في الجامعة الأردنية، حسن المومني، اعتبر أن “أسلوب إيران واضح، وعودتنا على التحسس عن بعد، فهي لا تشترك مباشرة، وإنما عبر أذرعها بالمنطقة”.
وأضاف المومني أن استهداف إيران مباشرة يعني “التحول من النزاع بالوكالة إلى نزاع مباشر”، مشيراً إلى أن “الإدارة الأمريكية ليست من مصلحتها حالياً إشغالها في حروب أشباه مع جماعات مسلحة، خاصة في سياق تنافس امريكا مع الصين وروسيا”.
واعتبر المومني أن الرئيس الأمريكي في موقف حرج بعد مقتل الجنود الأمريكيين، فهو يريد إرسال إجابات للشعب الأمريكي، ومطالب باتخاذ خطوات مقنعة.
أما الأردن فقد يجد نفسه طرفاً في الصراع إذ ما تطور وتصاعدت الأمور في المنطقة، حسب المومني.
في المقابل توقع خريسات ازدياد الضربات الأردنية ضد مهربي المخدرات والميليشيات داخل الأراضي السورية، إضافة إلى إغلاق الحدود مع سورية بشكل كامل.
واعتبر أن الهجوم على القاعدة الأمريكية “استعطف حلف الناتو تجاه الأردن وكذلك البنتاغون”، متوقعاً “إغراق عمان بصواريخ الباتريوت، إضافة إلى تزويده بأجهزة للرؤية الليلة، والمساعدة في ضبط الحدود السورية وكذلك مدافع السيرام التي تسقط الصواريخ والمسيرات آلياً”.