لم تهدأ وتيرة التهديدات “شديدة اللهجة” من جانب المسؤولين الأمريكيين، خلال الأيام الماضية، بتوجيه ضربات “انتقامية” إلى إيران وأذرعها في المنطقة، رداً على مقتل الجنود الأمريكيين، الأحد الماضي، بقصف استهدف القاعدة “البرج 22” عند الحدود الأردنية السورية.
هذه التهديدات أشعلت توقعات برد أمريكي فوري وقوي يناسب حجم الحادثة، لكن مع مرور الوقت دون حدوث رد ملموس، وظهور تسريبات إعلامية حول الأهداف العسكرية المحتمل استهدافها، تبرز تساؤلات حول التكتيك الأمريكي المتبع والاستراتيجيات والأهداف الحقيقية لإدارة الرئيس جو بايدن.
تكتيك عسكري إسرائيلي
منذ اللحظات الأولى لمقتل الجنود الأمريكيين، توعد بايدن بالرد على الهجوم الذي حمل مسؤوليته إلى إيران، وقال “سنحاسب كل المسؤولين عن هجوم شمال الأردن في الوقت الذي نختاره وبالطريقة التي نحددها”.
وفي مؤتمر صحفي أعلن بايدن، الثلاثاء الماضي، أنه قرر كيفية الرد على الهجمات ضد القوات الأمريكية، لكن بنفس الوقت أكد بعدم رغبته في توسيع الحرب بالشرق الأوسط.
وبعد ساعات بدأت وسائل الإعلام الأمريكية بنقل تسريبات عن اجتماعات بايدن مع فريقه للأمن القومي، وعن تحديد موعد الرد والأماكن التي وضعت على الطاولة التي يمكن استهدافها.
صحيفة “بوليتكو” نقلت عن مسؤولين أمريكيين، الاثنين الماضي، بأن الرد سيكون خلال يومين بعد إعطاء بايدن الضوء الأخضر.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين أكدوا أن من الخيارات المطروحة على الطاولة أمام وزارة الدفاع (البنتاغون) “ضرب أفراد إيرانيين في سورية أو العراق، أو الأصول البحرية الإيرانية في الخليج العربي”.
كما نقلت شبكة (ABCNEWS) عن مسؤولين أمريكييين قولهم إن “الأصول الإيرانية خارج إيران يمكن أن تكون أهدافاً”، لافتاً إلى أن “معظم الضربات ستكون داخل سورية”.
ونقلت الشبكة عن مسؤول آخر قوله إن تنفيذ الهجوم سيكون “على مدار عدة أيام”، ومن الممكن أن يستهدف المنشآت التي مكّنت من شن غارة بطائرة بدون طيار.
أما صحيفة “وول ستريت جورنال“، نقلت عن مسؤولين أمريكيين، إن بايدن وافق على توجيه ضربات لعدة أيام في العراق وسورية.
وسيكون الرد، التي من المتوقع أن يبدأ نهاية الأسبوع الحالي حسب الصحيفة، “متعدد المستويات، ويمزج بين الأعمال العسكرية وخطوات أخرى يمكن تعديلها للإشارة إلى أن واشنطن لا تسعى إلى مزيد من التصعيد”.
ويرى موقع “إنتل تايمز” الإسرائيلي إن واشنطن تتبع استراتيجية “طرق الأسقف” مع طهران، وهي تكتيك عسكري “إسرائيلي” يعني إطلاق صاروخ تحذيري غير مميت على سقف المبنى المستهدف بغرض إصدار تحذير للأشخاص الموجودين بداخله، قبل تنفيذ الضربة الرئيسية التي تكون أكثر قوة والتي تعقب الإنذار بوقت قصير.
האמריקאים עושים לאיראנים נוהל "הקש בגג" כלומר, מזהירים לפני שתוקפים. מכאן ניתן להניח כי ארה"ב תתקוף מפקדות ואולי גם נכסים שקשורים לייצור או שיגור מל"טים.
— אינטלי טיימס – إنتل تايمز – Intelli Times (@IntelliTimes) February 2, 2024
وبناء على هذه الاستراتيجية، توقع الموقع الإسرائيلي أن تهاجم “واشنطن مقرات قيادة وربما أيضاً أصولاً مرتبطة بإنتاج أو إطلاق الطائرات بدون طيار”.
وخلال الأيام الماضية نقلت وسائل إعلام بأن طهران سحبت قادتها وضابطها من الرتب العالية والمتوسطة من سورية، حسب ما ذكرت وكالة “رويترز”.
ونقلت الوكالة عن مسؤول إقليمي مقرب من إيران، قوله إن “أولئك الذين ما زالوا في سوريا تركوا مكاتبهم وابتعدوا عن الأنظار”، مؤكداً أن “الإيرانيين لن يتخلوا عن سورية لكنهم قلصوا تواجدهم وتحركاتهم إلى أقصى حد”.
لماذا تأخر الرد الأمريكي؟
في أعقاب التهديدات الأمريكية الصارمة بشن ضربات “انتقامية” ضد إيران وتحالفاتها، كانت الأنظار تتجه نحو استجابة أمريكية سريعة وقاطعة تتناسب مع جسامة الحادث، لكن تأخر الإدارة الأمريكية طرح تساؤلات حول الأسباب.
ويرى الخبير العسكري والاستراتيجي، حاتم كريم الفلاحي، إن تأخر الرد الأمريكي يعود إلى رغبة واشنطن بتهدئة الجبهات وعدم التصعيد.
ويقول الفلاحي لـ”السورية.نت” إن “واشنطن تحسب حسابات بعيدة في مسألة التصعيد، الذي قد يجر المنطقة إلى حرب إقليمية”.
وتوقع الفلاحي استهداف واشنطن لمقرات “الحشد الشعبي” في العراق لكن “ستكون فارغة لا قيمة لها على المستوى الاستراتيجي”، كما قد تضرب أهدافاً للحرس الثوري في سورية.
وأشار إلى أن هذه الضربات الأمريكية قد تكون على ضوء الاتفاق بين واشنطن وطهران بعد مقتل قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” الذي قتل بقصف أمريكي في العراق في 2020.
ويقوم الاتفاق على إخبار طهران بضرب مقرات من أجل إخلائها، لأن “واشنطن لا تريد التصعيد في المنطقة، والدخول في صراع يكون على حساب مصالحها في روسيا وصراعها مع الصين”.
ويتابع الفلاحي أن “إطلاق التصريحات في بعض الأحيان يكون هدفه الردع، الذي يأخذ أشكالاً متعددة من ضمنها الحرب الإعلامية بالتهديد بالضرب”.
وأشار إلى أن واشنطن ستختار الوقت المناسب الذي لا يعقبه تداعيات، وأن تشمل هذه الضربات مقرات في العراق وسورية.
وتشير التصريحات الأمريكية، خلال الأيام الماضية، بأن الرد سيأتي لا محالة، إلا أنه في الوقت نفسه لا “تريد واشنطن حرباً مع طهران”، التي أطلقت تهديدات بالرد على أي قصف أمريكي.
وقال قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، “لا نسعى للحرب ولا نخشاه ولكننا سندافع عن قيمنا ومبادئنا أمام أعدائنا”.
وأضاف “فليعلم الأميركيون أننا لا نترك اعتداءً من دون رد .. الأمريكيون يعرفون إننا ننفذ مانقول”.
من جانبه يرى العميد ناجي ملاعب أن واشنطن أبلغت إيران بطرق دبوماسية بأن الرد سيكون على مصالح إيرانية.
وقال لـ”السورية.نت” إنه “عندما يُسرب إلى وسائل إعلام من مسؤولين أمريكيين بأن مصالح أمريكية سوف تستهدف داخل إيران وخارجها، كأنها تسريبات إلى القيادة الإيرانية بأن تفرغ هذه المقرات”.
وأضاف أن الهدف من هذه التسيريبات إفراغ المقرات، من أجل “عدم استدراج الدولتين إلى توسيع الصراع في المنطقة، وأن يكون الرد في مستوى لا يحدث أضرار”.
وكانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”، قالت إن “واشنطن، وجهت خلال اليومين الماضيين عدة رسائل إلى طهران عبر وسطاء، تؤكد أنها لا تريد حربا واسعة النطاق، وحذرت من أن توسيع الحرب سيرافقه تحركات من جانبها”.
وأشار ملاعب إلى أن أمريكا وواشنطن لا تريدان توسيع الحرب فـ”الآفاق الدبلوماسية بين الدوتين ليست آفاق تصعيدية”.