تلقى رأس النظام في دمشق يوم الثلاثاء الماضي، السادس والعشرين من شهر آذار الجاري رسالة خطية من ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، تتضمن دعوة لحضور لقاء الدورة الثالثة والثلاثين لدول الجامعة العربية في السادس عشر من شهر أيار المقبل، وقد أعادت تلك الدعوة الحديث من جديد عن التطبيع العربي مع نظام الأسد وكذلك عن جدوى العقوبات الأميركية المتعاقبة وخاصة قانون مناهضة التطبيع مع الأسد الذي أقرّه مجلس النواب مؤخراً.
يمكن التأكيد على أن طبيعة الدعوة بحد ذاتها لا تحمل أي مباغتة خارجة عن المألوف، طالما أن الجامعة العربية أقرّت عودة الأسد ودشّنت تلك العودة بحضوره قمة جدّة في أيار من العام الماضي، وإذا كان حضور حاكم دمشق لقمة جدّة قد حمل معه الكثير من التساؤلات الساخنة حينذاك، إذ كان يرى الكثيرون في حينه أن حاكم دمشق عليه أن يقدّم أجوبة ذات صلة باستحقاقات سياسية واكبت إعادته إلى الجامعة العربية، فإنه يمكن الذهاب إلى أن حضوره لقاء المنامة المقبل سيكون أقلّ سخونة من جهة أن بشار الأسد سيحضر اجتماع المنامة وفي يده مُنجَزٌ مهمٌّ من شأنه أن يزيده ثقة واطمئناناً بأن طبيعة التعامل مع دول الخليج تعود نحو الطريق الصحيح، وأن استراتيجية نظام دمشق المعهودة بتحييد القضايا الداخلية والتركيز على استثمار القضايا الكبرى في المنطقة قد عادت إلى سمتها المعهود.
ما نعنيه – بالطبع – هو الحرب التي ما تزال مستمرة على غزة، والتي ستأخذ بلا شك الحيّز الأكبر من لقاء المنامة، واستمرار الحرب يعني الحضور الفاعل للمحيط الإقليمي الذي تجسّد سوريا أحد أطرافه المهمة وفقاً لدول الخليج التي سعت منذ اندلاع عملية طوفان الأقصى في السابع من شهر أكتوبر الماضي، إلى الدفع باتجاه تطويق الحرب ومنع اتساعها، وجعلها محصورة بين حركة حماس والكيان الإسرائيلي، سعياً إلى بذل المزيد من الجهود بغية إيقافها، وهذا بالطبع يوجب على نظام الأسد الحيلولة دون أي مشاركة في الحرب فضلاً عن عدم السماح لميليشيات إيران باستهداف إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، وهذا ما حصل بالفعل، بل علاوة على ذلك فإن السلطات في دمشق لم تسمح حتى لأي شكل من أشكال التظاهر أو المناصرة لفلسطينيي غزة على كل مناطق سيطرتها، ولعلّ هذا الالتزام المنضبط من جانب نظام الأسد أتاح له تقديم رسالتين متوازيتين، الأولى إلى الولايات المتحدة الأميركية وتجسّد براءة ذمة أو (حسن سلوك) حيال الحرب الدائرة، كما توجب في الوقت ذاته مكافأة ربما ما يزال ينتظرها بشار الأسد، والثانية إلى دول الخليج تؤكّد أن نظام الأسد (الابن) ما يزال قادراً – كما كان الأسد (الأب) قادراً على أن يكون مؤثّراً وفاعلاً في أي مواجهة بين العرب وإسرائيل، وربما بهذه العودة إلى لعب الدور القديم باستثمار المواجهة مع إسرائيل تغيب أو تنزاح عن دائرة الاهتمام مجمل الاستحقاقات التي كانت تنتظر معالجة أو أجوبة أكثر وضوحاً من جانب الأسد، كقضية استمرار تدفّق المخدرات إلى الأردن ودول الخليج وكيفية معالجة التحكم الإيراني بإنتاج الكبتاغون في سوريا وكذلك الحضور الخارج عن السيطرة للميليشيات الموجودة على الحدود الأردنية السورية، أضف إلى ذلك ما تحمله لجنة الاتصال المنبثقة عن الجامعة العربية من مسائل ذات صلة بمشروع (خطوة مقابل خطوة)، وخاصة فيما يتعلق بعودة اللاجئين وملف المعتقلين وبقية الإجراءات التي تعتقد دول الجامعة العربية أنها ربما تجسّد اختراقاً لحالة الانسداد السياسي في سوريا.
ما من شك بأن الحرب الإسرائيلية على غزة قد أتاحت المجال من جديد للإرث الأسدي في استثمار الحروب أن يتجدّد، بل يمكن الذهاب أيضاً إلى أن تلك الحرب قد زوّدت بشار الأسد بورقة جديدة هو أكثر احتياجاً إليها، على الأقل يمكن أن تتيح له هذه الورقة حيّزاً جديداً للحضور بين أقرانه في قمة المنامة دون أن يكون مطلوباً منه أن يجيب بصراحة عما هو مطلوب منه، بل سيكون المتنطّع للحديث عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا وعن الدور الأميركي الداعم للعدوان، وكذلك سيؤكّد لأقرانه بأن انضباطه والتزامه بعدم التصعيد أو الرد هو الحفاظ على الأمن والسلم في المنطقة كلها وليس في سوريا فحسب، وهكذا ربما يصبح الأسد هو مفتاح الأمن كما يمكن أن يكون منطلقاً للحرب أيضاً، وحتى تستمر السلطة الأسدية بالاستمرار في الحفاظ على هذا الدور الكابح للانفجار، يتوجب على بقية الدول العربية، وفي مقدمتها دول الخليج أن تقدّم له المزيد من الدعم، كما عليها – وفقا لبشار الأسد – أن تعيد النظر في مواقفها السابقة منذ عام 2011 وحتى الوقت الراهن. إذ لقد سبق لحاكم دمشق أن ألقى بمسؤولية الفوضى وانتشار المخدرات في سوريا على دول الخليج حصراً، باعتبارها اتخذت موقفاً مناهضاً لسلطته في حربه على السوريين، وبناء عليه فمن غير المستبعد أن يطالب الأسد أقرانه العرب ليس بإعادة تصحيح مواقفهم حيال نظامه فحسب، بل بإزالة آثار هذه المواقف السابقة، ما يعني فتح باب واسع للابتزاز الذي يزخر به الإرث الأسدي.
أمّا فيما يخص العقوبات الأميركية عموماً، وقانون مناهضة التطبيع على وجه الخصوص، فلعل نظام الأسد والدول العربية بآن معاً، يدركون جميعاً طبيعة السياق الذي تندرج فيه تلك العقوبات، إذ ليس بجديد القول: إن نظام الأسد ليس مشكلة مستقلة قائمة بذاتها بالنسبة إلى الإدارات الأميركية المتعاقبة، كما أن القضية السورية ليست كذلك من القضايا المؤرقة التي توجب مزيداً من المبادرة والاهتمام، بل يمكن تكرار التأكيد على أن مجمل ما يطول الأسد من عقوبات إنما هي ضغوطات تطوله بصفته ذراعاً إيرانية، وبالتالي فإن التعامل مع هذه الذراع يخضع لسيرورة الصراع بين واشنطن وطهران اللتين تحرصان أشدّ الحرص في الوقت الراهن على عدم تعويم حرب غزّة وحصرها في نطاقها الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، فضلاً عن أن الموقف الأميركي المعلن ما يزال محصوراً بالرهان على تغيير سلوك نظام الأسد، وليس على تغييره أو إزالته، وربما من غير المُستبعد أن يكون هذا التغيير المنشود من جانب واشنطن يخضع خضوعاً مباشراً لمآلات الصراع مع إيران، وليس لصراع بين واشنطن ونظام دمشق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت