في مركز اجتماعي للاجئين في لبنان، يعمل أخصائيون مع أطفال سوريين لاجئين، لا يتجاوز عمر أكبرهم 13 أو 14 عاماً، وكان الأخصائيون يحثون الأطفال على رواية قصصهم حول الأهوال التي شهدوها خلال الحرب.
وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال نجوا بحياتهم، إلا أن الصدمة التي أصابتهم جراء ما عايشوه لا تزال تلازمهم، بحسب ما جاء في تقرير نشره موقع “ناشونال(link is external)“، أمس الأربعاء، وترجمته “السورية نت”.
ومن بين هؤلاء الأطفال، طفلان من القنيطرة وهما أخ وأخت، فقدا والدتهما في سوريا، بعد أن مرضت ولم تتمكن من الحصول على الدواء والعلاج، فيما فقد والدهما قدمه بعد أن تلقى قذيفة حينما كان يجوب الشوارع بحثاً عن علاج للتخفيف من آلام زوجته.
لام الطفلين نفسيهما على موت والدتهما، قائلين إن والديهما أجلا مغادرة البلدة، خشية على سلامتهما في الرحلة، وتعلق الاثنان ببعضهما، مكسوري القلب لا يملكان ما يعزيهما.
انتهاكات بحق الأطفال
وتعكس رسومات لأطفال سوريين لاجئين مرارة ما عايشوه وأثار الصدمة التي تعرضوا لها، إذ أخذت فتاة في مخيم للاجئين في وادي البقاع، ترسم عائلتها وهي تفر عبر جسر، بينما كانت طائرة مروحية تحوم فوق رؤوسهم.
وفي المركز الاجتماعي للاجئين، أمسك أطفال وأمهاتهم بأيدي بعضهم البعض، بينما كانوا يتعلمون كيفية علاج الذكريات الصادمة عن الحرب من خلال الدراما والفن والغناء. ويقود ذلك إلى سؤال: “كيف سيكون حالهم ما أن تصمت البنادق والقنابل ويحل نوع من الحياة الطبيعية؟
وفقاً لليونيسف التي أطلقت أول أمس الثلاثاء، حملة توعية عالمية حملت اسم “الأطفال تحت الهجوم”، فإن هنالك 2,5 مليون طفل لاجئ سوري، و2,6 مليون طفل نازح داخل البلاد.
ولا تزال الانتهاكات المروعة المرتكبة ضد الأطفال، من استخدامهم كدروع بشرية، إلى الاغتصاب، والزواج القسري والعنف، في تزايد، وفي هذا السياق، قال مدير برامج “يونيسف” للطوارئ، مانويل فونتين، إن الوضع يزداد سوءاً: “استمر الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراع حول العالم بمعاناة مستويات شديدة من العنف خلال الأشهر الاثنا عشرة الماضية واستمر العالم بخذلانهم”.
ويوجد في مركز اللاجئين أطفال سوريون عايشوا تعرض منازلهم للقصف، وشهدوا موت أصدقائهم وأحبائهم، كذلك فإنهم يعيشون في ظروف بائسة ضمن مخيمات اللجوء.
وقال تقرير “ناشونال” إن “النساء والأطفال في المناطق المدمرة بالحرب في الشرق الأوسط، يواجهون أزمة صحة نفسية لا يتم نقلها صحفياً بما يكفي، والتي ستكون آثارها وخيمة في حال لم يتم علاجها”.
اضطراب ما بعد الصدمة
ويعاني العديد من الأطفال من اضطراب ما بعد الصدمة، ومن أعراضها الكوابيس، واسترجاع الذكريات، وتبليل الفراش، حينما ينتهي تماماً الخطر المباشر أو تهديد السلامة.
وبالنسبة لمن هم في مناطق الصراع، أو الذين تأثروا مباشرة به، والأسى المستمر للعيش في حالة النزوح، وتعرضهم للإذلال والتفرقة، كلها تؤدي لنشوء نوع أطول أمداً من المعاناة، وإلى طيف معقد من المشاعر والندب النفسية التي تزيد صعوبة علاجها والتأقلم معها.
وذكرت كاتبة التقرير في موقع “ناشونال” أن أحد الأطفال الذين قابلتهم في مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت، تراجع لدرجة احتياجه لمن يطعمه، وأخرى في وادي البقاع في لبنان فقدت تدريجياً قدرتها على المشي.
ويجبر العديد من الأطفال على العيش ببساطة مع الصدمة، ومن لا يتمكنون من ذلك غالباً ما يفقدون رغبتهم بالعيش. ووجد استبيان أجري عام 2014 من منظمة “أنقذوا الأطفال” أن 40 بالمئة من المراهقين السوريين الذين فروا من الحرب فكروا بالانتحار.
ووفقاً لإحصائيات منظمة الهيئة الطبية الدولية من عام 2015، هنالك آلاف من مرضى الصحة النفسية بين اللاجئين، وذكرت أيضاً أن ثلاثة أرباع اللاجئين في الأردن عانوا من نوبات صرع، وكذلك في لبنان وتركيا فإن واحداً من كل ستة من اللاجئين يعاني من الاضطرابات النفسية.
حياة صعبة في المخيمات
ويقول عمال الإغاثة إن ظروف مخيمات اللاجئين حيث لا توجد مساحة شخصية ولا وظائف والمال شحيح، تزيد من تفاقم تلك الحالات، كما ينتشر أيضاً العنف المنزلي، وتجد معظم النساء صعوبة في الحديث عن مثل تلك القضايا، إلا أنهن يفعلن أحياناً في جلسات العلاج.
ومن بين هؤلاء النساء، امرأة كان عمرها 13 عاماً حينما تم تزويجها في بداية الحرب ولديها الآن طفلين، وكان زوجها يضربها ثم أصبح يضرب ابنتها أيضاً، وكانت هي وابنتها ما تزالان طفلتين، واعتقدت الأم الشابة أن عليها التنافس مع ابنتها للحصول على الانتباه والهدايا والنزهات.
ومن إحدى مصاعب تلقي العلاج النفسي للمتضررين من الحرب، وجود نظرة تُعد كـ”وصمة عار” مرتبطة بمن يتلقون العلاج من قبل طبيب، أو معالج نفسي في العالم العربي، ويزداد الأمر صعوبة بالنسبة للاجئين، فعلى سبيل المثال لا يوجد سوى طبيب نفسي واحد للتعامل مع عشرات آلاف اللاجئين في مخيم الزعتري في الأردن، وفقاً لـ”ناشونال”
لكن رغم ذلك تبقى المساعدة البسيطة تحمل أثراً كبيراً، إذ يتعلم العديد من الصبية والفتيات والنساء التعامل مع مختلف أشكال العلاج حينما تكون متوافرة. والبعض يحضرون جلسات العلاج ولكن ليس بما يكفي.
وفي المركز الذي يتلقى فيه اللاجئون المساعدة، تتقابل الأمهات اللواتي تعرضن للعنف المنزلي، فيما تتعلم العرائس الصغيرات حقوقهن، وتتطوعن في هذه المراكز ويقضين وقتاً مع نساء ذوات خلفيات مشابهة، وقد اتخذت العديدات مسؤولية إدارة عوائلهن في مجتمعات اللاجئين وتdتعلمن الحديث عما يدور في خلدهن.
وختم موقع “ناشونال” تقريره بالقول: “ما يزال هنالك الكثير ليتم القيام به. لقد تحمل أطفال سوريا الكثير بالفعل، أجبروا على أن يكونوا بالغين قبل أوانهم. سيحتاجون خدمات صحة نفسية مكثفة لضمان أنهم مجهزين بالكامل للنجاة من أثر العنف المروع الذي عاشوه”.