تعمل السلطات التركية، منذ أشهر، وبشكل تدريجي، على إخلاء مخيمات اللاجئيين السوريين المقيمين على أراضيها، ودفعهم للخروج والإقامة في المدن التركية، مع تقديم تسهيلات لهم تساعدهم على بدأ تأسيس حياتهم، وتشجيعهم على الخروج بشكل طوعي، وهو الأمر الذي لاقى قبولاً من بعض المقيمين في هذه المخيمات، فيما أعرب البعض عن خوفه وافتقاده للأمان جراء تلك الخطوة.
وقبل أسابيع، أنهت السلطات التركية اخلاء مخيم “جيلان بينار” في ولاية أورفا جنوبي تركيا، والذي كان يضم أكثر من 9000 لاجئ، وأبقت فقط على قرابة 500 منهم من غير القادرين على العمل، كما أخلت أيضا مخيمي “سروج” و”نزيب” اللذان يضمان قرابة 30 ألف لاجئ؛ فيما يجري العمل حالياً على إخلاء مخيمات “هاتاي” الثلاثة ومخيم “الاصلاحية” ومخيم “كلس” ووضع السكان أمام خيار المغادرة الطوعية، مع منح تسهيلات ووضع من تبقى أمام خيارين، المغادرة إلى المدن او الانتقال إلى مخيم آخر، قبل تفكيك هذه المخيمات نهائياً.
ثلاثة مخيمات باقية
يؤكد محمد سيزار وهو أحد مسؤولي الأمن في مخيم “هاتاي 1” أنّ إدارة المخيمات “تتبع سياسة الترغيب والتشجيع لأجل دفع من هم قادرين على العمل والانتاج للخروج والبدء بحياة جديدة” موضحاً أنه ” تم عقد عدة لقاءات بين إدارة المخيم والأهالي وكان معظمهم يود الخروج، لكنّ بعضهم أبدى خشيته من تكاليف النقل، ولذلك تكفلت السلطات بدفع تعويض مادي قدره 1300 ليرة تركية عن كل فرد في العائلة لمساعدتهم على بدء حياة جديدة”.
وأضاف المسؤول التركي في حديثه لموقع “السورية نت”، أنّ” الأهالي الخارجين من المخيم لهم حرية الانتقال إلى أي ولاية تركية ماعدا اسطنبول وأنطاليا، وسيتم تقديم تسهيلات لهم لاستخراج الهويات المؤقتة لمن لا يملك منهم”، مضيفا أنّ ” الأهالي تلقوا وعودا أيضا بالإبقاء على المساعدة المالية التي يتلقوها من الهلال الأحمر وقدرها 120 ليرة تركية عن كل فرد من أفراد العائلة”.
و نوّه سيزار أنّ بعض العائلات التي لا معيل لها أو يعاني أفرادها من المرض، ستبقى في المخيمات ومن ثم سيتم الابقاء على ثلاث مخيمات فقط في كل أنحاء البلاد.
أسباب التفكيك
من جهة أخرى رأى حسين بكور، وهو ناشط إعلامي يقيم في مدينة أنطاكيا التركية، أنّ إغلاق المخيمات في هذه المرحلة له أسباب كثيرة، منه اجتماعي موجه للشارع التركي بعد ضغوط من المعارضة التركية تتعلق بالمصاريف المادية التي تنفقها الدولة على هذه المخيمات، واستخدام المعارضة هذه الحجة في حملاها الانتخابية، والآخر أمني متعلق بالعملية العسكرية التركية المرتقبة التي يجري الحديث عنها في الشمال السوري.
واعتبر بكور في حديثه لـ”السورية نت” أنّ هذه الخطوة لا تعتبر سلبية تماماً تجاه اللاجئيين، حيث لا يمكن للمقيمين في هذه المخيمات الاستمرار في الاعتماد على مساعدات الدولة، خاصة أنّ الإقامة في المخيمات تورث الكسل والبطالة والاتكال على الغير وهذا أمر غير مقبول بعد ثماني سنوات” وفق قوله.
وأشار بكور أنّ الخروج من المخيمات من الممكن أن يساعد المغادرين على تحسين أوضاعهم، والبدء بحياة جديدة، أسوةً بآلاف السوريين الذين سكنوا المدن التركية ودخلوا الجامعات وأقاموا مشاريهم التجارية، كما من الممكن لهؤلاء أن يساهموا في بناء الدولة التي تستضيفهم.
ووفق لاجئين سوريين خرجوا مؤخراً من المخيمات، فإنّ السلطات التركية بررت عملية تفكيك المخيمات لأجل دمج السوريين في المجتمع التركي، بهدف تطويرهم من الناحيتين العلمية والاقتصادية، كما أن المخيمات وفق قول المسؤولين الأتراك، تأسست لحالة خاصة وهي احتواء موجات النزوح الأولى بغرض الإقامة المؤقتة لا البقاء الدائم فيها.
ضغط في المدن
من جهة أخرى شكى حسين السعيد وهو أحد سكان مخيم “بخشين”، ومن الذين خرجوا قبل فترة من حياة المخيمات، غلاء الإيجارات وقلة فرص العمل في مدينة أنطاكيا التي خرج إليها قبل نحو ستة أسابيع.
وأضاف السعيد” لأكثر من شهر وأنا أبحث عن منزل للإيجار، الأسعار هنا مرتفعة جداً، ولم أوفق حتى الآن بفرصة عمل رغم خروجي يوميا للبحث، عشنا طوال السنوات الماضية في مجتمع ضيق جميعه من السوريين، ولم أتعلم اللغة التركية لذلك أواجه حالياً الكثير من المصاعب”.
لكن في الوقت ذاته رأى نفس المتحدث، أن الخروج من المخيم والاندماج مع المجتمع التركي أمر لا مفر منه، وهو لصالح أبنائه كما يقول، خاصة أنهم سيداومون العام الدراسي الحالي في المدراس التركية، ويتعلموا لغتها، كما أنّ حرية الحركة أصبحت ملكاً له بعد أن كان مقيداً لسنوات بأوقات معينة للدخول والخروج.
وخلال الشهرين الماضيين تسبب خروج آلاف السوريين من المخيمات ووصول بعضهم أيضاً من اسطنبول إلى الولايات الحدودية، مثل “هاتاي” و”غازي عنتاب” و”كلس” بارتفاع كبير في أسعار إيجارات المنازل، كما شكى عدد كبير من السوريين المقيمين في هذه الولايات تضاءل فرص العمل، وصعوبة تسجيل أبناءهم في المدارس التركية نتيجة الازدحام.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا، حسب الأرقام الرسمية، نحو 3.6 ملايين تركي مُسجل، ولا يزيد من كان يعيش منهم في المخيمات عن 203 آلاف سوري، توزعوا خلال السنوات الماضية على 21 مخيماً بقي منها حالياً فقط 11 مخيماً لم يتم اخلاؤها، في 8 ولايات حدودية، ويقدر عدد قاطنيها حالياً بـ104 آلاف، وفقاً للإحصائية الصادرة عن إدارة الهجرة التركية في 10 يوليو/تموز الماضي.