بعد عام على تنظيمه.. أين وصل ملف البطاقات الشخصية في ريف حلب؟
منذ منتصف عام 2018، اتخذت المجالس المحلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، خطوة ملموسة في ملف الأحوال المدنية، ضمن المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، حين أصدرت قراراً بمنح بطاقات شخصية (هوية) لسكان تلك المناطق، بمن فيهم النازحون، في خطوة اعتُبرت حينها نقلة نوعية في إطار تنظيم شؤون المواطنين الحياتية.
ورغم أن القرار لم يدخل حيز الإجبار، إلا أن المجالس المحلية في ريفي حلب تتحدث عن إقبال كبير من الأهالي على استصدار البطاقات الشخصية، بالرغم من وجود مصاعب وعقبات تمنع بعض السكان من الحصول عليها.
لكن أين وصل هذا الملف بعد عام ونصف على تنظيمه؟
بالأرقام.. شروط تدفع الأهالي لإعادة حساباتهم
تشير إحصائيات المجالس المحلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي إلى حصول أكثر من ثلثي السكان على البطاقات الشخصية، الصادرة عن تلك المجالس، ففي مدينة الباب وما حولها، استخرج ما يزيد على 126 ألف شخص بطاقته الشخصية، من أصل 172 ألف نسمة يعيشون في مدينة الباب وريفها، حسبما أوضح مدير دائرة النفوس في المدينة، عبد الرزاق العبد الرزاق.
العبد الرزاق قال في حديث لموقع “السورية نت”، إن امتلاك البطاقة الشخصية أصبح شرطاً للحصول على الخدمات في المؤسسات الرسمية والجمعيات الإغاثية ضمن مدينة الباب وريفها، وذلك في إطار جهود تنظيم الأحوال المدنية للسكان.
فيما أوضح رئيس مجلس محلي مدينة جرابلس، عبد خليل، لـ “السورية نت”، أن المجلس منح أكثر من 120 ألف بطاقة شخصية لسكان جرابلس والقرى المحيطة بها، من مجمل عدد سكان يصل إلى 160 ألفاً، بمن فيهم النازحون.
وكذلك أكد خليل أن المجالس المحلية في جميع مدن وبلدات ريف حلب تشترط حصول المواطنين على هذه البطاقة، لقاء الخدمات التي تقدمها الدوائر الرسمية والمستشفيات والجمعيات الإغاثية، وذلك لأسباب أمنية وخدمية وإحصائية، على حد تعبيره.
وكانت المجالس المحلية في ريفي حلب الشمالي والشرقي، الخاضع لإشرافٍ تركي، بدأت باستصدار البطاقة الشخصية لسكان المنطقة، عام 2018، عن طريق بصمة يد وبصمة عين إلكترونيتين، منعاً للتزوير، بحسب رئيس مجلس محلي جرابلس، عبد خليل، مشيراً إلى أن الشخص في حال بصم بأحد المناطق لا يحق له أن يبصم في منطقة أخرى.
وتضم البطاقة اسم الشخص ونسبه والجنس واسم الأم والأب وتاريخ الولادة ومكان السكن والرقم الوطني، ولها كود خاص مرتبط مع النفوس في تركيا، فيما لا يُكتب عليها رقم الخانة لصعوبة الأمر، كما لا يتم التمييز فيها بين النازحين وأبناء المنطقة، وهو أمر اعتبره خليل “مشكلة” لاعتبارات متعلقة بالتغيير الديموغرافي في الشمال السوري.
ويتطلب الحصول على البطاقة الشخصية امتلاك الشخص لأوراق تثبت شخصيته وسند إقامة يوضح مكان السكن بالتفصيل، يمنحه المختار في المنطقة، على أن يتجاوز عمر الشخص 14 عاماً.
وبهذا الصدد، قال خليل لـ “السورية نت”، إن البطاقة الشخصية التي تستصدرها المجالس المحلية هي بطاقة تعريف لا تنوب عن الهوية، إلا أنها تخدم أهالي ريف حلب في المرحلة الحالية، خاصة مع صعوبة استخراج الأوراق الثبوتية من مناطق سيطرة النظام.
عقبات في وجه الملف
تُصدر المجالس المحلية في ريف حلب الخارج عن سيطرة النظام، بيانات بين الحين والآخر، تدعو فيها الأهالي إلى استصدار البطاقات الشخصية، دون إجبارهم على ذلك، ما يوحي بوجود عوائق وعقبات تمنع البعض من استخراجها، رغم الحاجة الأمنية والخدمية إليها.
مدير دائرة النفوس في مدينة الباب، عبد الرزاق العبد الرزاق، يقول لـ “السورية نت”، إن أبرز العقبات التي تواجه ملف البطاقات الشخصية، هي مشكلة الأوراق الثبوتية، إذ إن بعض الأهالي، خاصة النازحون منهم، فقدوا أوراقهم الثبوتية أثناء القصف ورحلة النزوح، ما يعرقل حصولهم على البطاقة التي تمنحها المجالس المحلية في ريف حلب.
وأضاف العبد الرزاق أن مجلس محلي الباب يقدم تسهيلات للمواطنين بهذا الخصوص، فمثلاً في حال فقد أحدهم دفتر العائلة الخاص به، والصادر قبل عام 2012، يتم إرساله إلى فرع الشرطة في المدينة لتنظيم ضبطٍ رسمي، حيث تتم كتابة اسم الشخص وزوجته وأولاده في الضبط، بحضور شاهدين اثنين، وعلى ضوء ذلك يُمنح بيان عائلي يخوله الحصول على البطاقة الشخصية، بحسب العبد الرزاق، مشيراً لوجود تسهيلات أخرى في حال تثبيت الزواج، حيث يتولى القاضي الشرعي الأمر.
وتحدث العبد الرزاق عن وجود عوائق أخرى تمنع الأهالي من استصدار البطاقة، وهي وجود مخاوف لديهم من دخول النظام إلى المنطقة، أو وصول البيانات الخاصة بالبطاقة الشخصية إلى النظام، الأمر الذي أكده رئيس مجلس محلي جرابلس، عبد خليل، بقوله إن الأهالي لا يزالوا خائفين من هذا الموضوع لاعتبارات سياسية.
وتحدث خليل عن أن الكلفة المادية للبطاقة تمنع البعض من استخراجها، الأمر الذي تطرق إليه مدير دائرة النفوس في الباب، بقوله إن العائلات الكبيرة فقيرة الحال، تستصعب استخراج البطاقة، رغم أن كلفتها لا تتجاوز 500 ليرة سورية للشخص الواحد.
ومع ذلك، يرى رئيس مجلس محلي جرابلس أن الإقبال على استخراج البطاقة الشخصية “جيد”، بقوله “يوجد ازدحام في مراكز النفوس، فأغلب الأهالي أدركوا ضرورة امتلاك هذه البطاقة”.
هل يصبح استخراج البطاقات إلزامياً؟
لم يدخل ملف استخراج البطاقات الشخصية في ريفي حلب الشمالي والشرقي مرحلة الإلزام بعد، إذ يقتصر الأمر على دعوات تطلقها المجالس المحلية في المنطقة، تنبه فيها الأهالي إلى ضرورة امتلاكهم البطاقات لتسيير أمورهم الحياتية.
وبهذا الصدد قال رئيس مجلس محلي جرابلس، عبد خليل، لـ “السورية نت”، إن المجلس أعد قراراً لإلزام جميع السكان باستخراج البطاقة، مشيراً إلى أن القرار كان من المفترض أن يصدر رسمياً مطلع العام الجاري، إلا أن الأمر لم يجهز بعد.
وأضاف: “البطاقة أساس كل الإجراءات اليومية التي يريد المواطن القيام بها، كالحصول على رخصة قيادة ورخصة بناء ورخصة سلاح وغيرها، بالإضافة إلى أنها شرط أساسي لدخول الأراضي التركية عبر المعابر، من أجل العلاج”.
فيما اعتبر مدير دائرة النفوس في مدينة الباب، عبد الرزاق العبد الرزاق، أن بعض الأهالي لم يدركوا بعد قيمة البطاقة، مشيراً إلى أن الدوائر الرسمية لا تتعامل مع أي شخص دون امتلاكه للبطاقة الصادرة عن المجالس المحلية.
ومع ذلك تبقى مسألة الاعتراف الرسمي بهذه البطاقات هاجساً أمام الأهالي، في ظل مستقبل ضبابي ينتظره الشمال السوري، فيما يرى البعض أنها بديل مؤقت للأوراق الثبوتية التي تمنحها دوائر النفوس التابعة لنظام الأسد.