جاء في الأثر أنَّ التثاؤب من الشيطان والعطاس من الرحمن، فالتثاؤب يعني النوم، والنوم أخو الموت، بينما ينعش العطاس الإنسان، ويبثّه بثّاً، ويبعثه بعثاً جديداً، غير البعث العربي الاشتراكي وقاكم الله السوء. وجاء في الأثر: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه يرحمكم الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم، “ويسقط نظامكم”، وهي جملة أضافها ثائر موافقة للحال، وهو يغمس يده في العدو حاسراً، أما العلماني الحداثي الليبرالي، فيقول: صحة، وما لبثنا حتى دار الزمان كدورته، وصار العطاس تهمة إرهابية، وأصبح العاطس، يقلِّب كفيه خاوية على عروشها، كأم لم يغن بالأمس، ويقول: أعوذ بالله بدلاً من الحمد لله، وتلك علامة من علامات الساعة، ليس في الصين وإنما في عموم مدن هذه المطحية وقراها، ولا نعرف الحكمة الخفية من هذا “الفيروز”، وقد صار حولها جدل كبير، فمؤمن يقول: غضبٌ من الرحمن على عبثهم بالطعام والجينات، وظلم الإيغور بغير حق. ومؤمن آخر يقول: لماذا عاقب الله شي جين بينغ، ولم يعاقب شي بشار الأسد؟ وشي عبدو السيسي؟ والجواب: “ولا يحيطون بشيء من علمه”، ثم نضيف فنقول للسائل المضطرب: يا رفيق الدرب المسدود والضرب والفلقات وقانون الطوارئ، حنانيك ( حنان الأم وحنان الدولة) وبشاريك (بشار الجعفري وبشار الأسد) وفتّاحيك ( فتّاح البرهان وفتّاح السيسي) ودحلانيك ( دحلان فلسطين ودحلان الإمارات)، شبيحة بشار لا يأكلون الميتة، وهم جهّال لا يعبثون بالجينات، هم يعبثون بالأحياء، فيقطعونهم إرباً إربا في المسالخ البشرية، بينما يقتل الصينيون الحيوانات العجماء، ونضيف: إنَّ بشر سورية كانوا عجماً، لا يتكلمون سوى عن سعر البطاطا، وقد صار محرَّماً أيضاً. المهم أنَّ الكمامات يا سادة يا كرام، انقرضت من الصين، والكمامة تستخدم مرة واحدة، يعني يحتاج المرء إلى “شي” خمس كمامات يومياً، وبسبب زيادة الطلب على العرض بالمصطلح الاقتصادي، وصار الصيني يستخدم حفاضات النساء أعزكم الله، فذكرونا بفيلم هندي حاز على جوائز عالمية عنوانه “باد مان”، وهو اسم منهوج على نهج سوبرمان، و سبايدرمان، ولا تعني ترجمته الرجل السيء، بل هو حسنٌ، وترجمته الحرفية رجل الوسادة، الوسادة الصغيرة، فالذكر ينام على وسادة كبيرة، ويحلم بوسادة صغيرة، فهو ينوس بين وسادتين، وسأروي لكم قصة لحم الكلب الذي قدّم إلينا ضيافةً، إذا ما سنحت لي في السرد سانحة، وخفّ الجهد وقصر البعد، وطال بي العمر إلى آخر هذا المقال.
مفرقعات نارية:
هناك أمر نغّص علي عيشي، وكدَّر عليَّ زيارتي القصيرة إلى الصين الشعبية الشيوعية، التي جاءت في أسوأ وقت و”الفيروز” يقصف الصين بالعطاس والأنفاس، وهي المفرقعات النارية، فالصينيون يحبونها وهم يطلقونها كل يوم، وليس في الأعياد وحسب، فهم يفجرونها كل يوم، وكل ساعة، حتى في منتصف الليل تفجيرا، تهبّ من نومك لأن جارك يحتفل بالمفرقعات الصوتية؛ فتاشات للعرس، للطلاق، للموت، للقمار ربحاً وخسارة..
وهم يذهبون إلى العرَّاف للاستشارة في كل شيء، لا يتحركون إلا بإذنه وإشارته ووصيته، ويطلبون منه تزكية اسم للوليد، فيُلقي العراف- وهو عادة أنثى شمطاء – صحناً على الأرض، فيصدر صوتاً، شين شان شون، بيغن بانغ بونغ، ضينغ ضانغ ضونغ (وهذا صوت عربي من كتاب الأغاني)، فيخبره العراف بالمقطع الصوتي المتولد من ارتطام المعدن بعظم الأرض، فيتخذه الوالد اسماً لابنه، شاكراً. أمس خرج جارنا الكهل، وأطلق رشقة من بطارية الصواريخ النارية، فنزلتُ، وسألتُ حتى أهنئه وأبارك له بنيرانه الصديقة، فعلمتُ أنه استطاع قضاء وطره من امرأته، وقصفها بنيران الحب الصديقة من غير حبة زرقاء! الله أكبر فوق كيد المعتدي.. على زوجته، وعلى غير زوجته.
اسم الرئيس الصيني:
سألت كل من عرفت في الصين، في المطاعم، والمقاهي عن اسم الرئيس الصيني، فعرفه الجميع! وليس له صورة في الشوارع ولا تماثيل ولا نُصبٌ تذكارية، وهم لنا قادة في هذا المجال والمطال الذي طال، لكننا سبقناهم، يعرفون اسمه، بلد شيوعي، فهم يأكلون من خير الرئيس وعرق الرئيس لحم خفافيش الرئيس، وعظام كلاب الرئيس، وثعابين الرئيس. قوم أوفياء.
الأبراج السكنية تنمو كما في الأفلام، وهم سريعون، تتغير ملامح البلدة كل سنة. اللغة ليست سهلة، وكل مدينة لها لغة، فإن لم تكن لغة، فلهجة مختلفة، لغة العاصمة هي الرسمية، وتسمى لغة الماندرين. رائحة السمك المسلوق تفوح من الصين، وهم قوم يحبون الخمر، ويسكرون طينة، تراهم في آخر الليل وكأنهم عائدون من حرب، يجرُّ الناجي من حرب الخمر جثة المثخن بمطارق الخمرة، وكأن كورونا قد داهمتهما. وخمرتهم بيضاء، لا يكسرون خمرتهم عندنا بالماء. أبطال كأس من غير كرة ولا ملاعب ولا ريال برشلونة ولا قنطار مدريد، وقد أحببت تعبير الكسر في الخمرة كثيرا، والتعبير الشعبي عندنا يسمي رحيق الكرمة بحليب السباع، وتتجلى فروسية السبّاع في أنه يكسر السائل الأبيض بالماء من غير مطرقة ولا كتاب مبين، إنه ساحر حقا!
وقوم يأجوج ومأجوج يحبون طعام المطاعم التركية لولا ارتفاع سعرها، ويقبلون عليها، فطعام الترك أزكى، ويأكلون بالعيدان، وليس عندهم فرع اسمه فرع فلسطين ولله الحمد. ولم أرَ في حياتي شبّيحاً صينياً، والكاميرات في كل مكان مثل مدينة الأخ الأكبر في رواية جورج أورويل، وهي منتشرة أيضاً في أوروبا، وهي للرقابة على المواطن وعلى النظام، أما في بلادنا فهي للحرص على النظام الخديج الذي يعيش في حاضنة مخابراتية، نظام سهل الكسر، ليس ضد الرطوبة. انتشرت مؤخراً عمليات التجميل، الذكور والإناث يقبلون على عمليات التجميل الجراحية، العين والأنف والأذن والحنجرة. قال لي جاري الصيني أنتم لا تحتاجون إلى عمليات تجميل، قلت: قلبي هو الذي يحتاج إلى عملية تبديل، إنه مليء بالسم.
جياو وقاية خير من يوان علاج:
هناك مثل صيني في الكورونا يقول: “جياو وقاية خير من رينمبيني علاج”، أمس انطلقت مظاهرة عجيبة في مدينة ووهان التي أصيبت بفيروز كورونا، ورأيناهم على نشرات الأخبار يهللون ويكبرون على الطريقة الصينية، لقد كان مشهداً ملحمياً، لم يرد في فيلم خيال علمي أو خيال أدبي، كانت مظاهرة من البيوت، كان يمكن للفيروز العظيم أن يكون قائد ثورة لولا إنه طاعون، كانوا يهتفون ويتنادون من الشرفات، ويتباكون، لقد حرمهم فيروز الكورونا العجيب من العناق واللقاء، لكنهم ما زالوا في خير عميم، ونعمة لا تجزى، فبيوتهم مزودة بالماء والكلأ والنار والانترنت، والرئيس الصيني شي جين بينغ، ذو الاسم الظريف الذي ضحكنا منه يوماً كاملاً، لا يقصفهم بالبراميل، فلله الحمد والمنة.
ضحكنا أنا وضيفي الكريم عبد الكريم يوماً كاملاً من اسم الرئيس، سألته: عندك شي جياو أو شي يوان، ورغبتي هي أن أنظر إلى نقودهم، فقال: ما عندي شي جين بينغ، ولا شي أنس بينغ، فضحكنا حتى فحصنا بأقدامنا الأرض “شي” عشر مرات، وكاد البترول أن يتدفق منها أنهاراً.
دعاء الكورونا:
دعاء الكورونا غير دعاء الكروان، ودعاء الكروان قصة لطه حسين صارت فيلماً مصرياً، ويعدُّ من بين أفضل الأفلام التي قدمتها السينما المصرية، فقد جاء في الترتيب السادس في قائمة أفضل عشرة أفلام في تاريخ هذه السينما.
كنت أخرج في أي وقت، بكمامتي، وقد انقرضت الكمامات لكثرة الطلب عليها، حتى وضع الناس جرابات القدم وحفاضات النساء، فكنت أجد الشوارع خالية، موحشة، كأنها ساعة الإفطار في رمضان، انكفأت المعامل على صناعة الكمامات، الكمامات تستخدم مرة واحدة، والقفازات كذلك، من أجل الأزرار ومسكات الأبواب. وقد عثرت بصعوبة على كمامة، وجوانتي أي قفازات، أستمتع بالفراغ، غير خائف من وحش الكورونا، لا يمكن لواحد مثلي إلا أن يسمي الفيروز إلا باللعنة، نخرج أنا وصديقي عبد الكريم، في عزِّ النهار تحت قصف الكورونا، سعداء ليس عندنا بثينة شعبان، ولا أحمد حسون، نمشي غير هيابين ولا وجلين، ولا فاتنين ولا مفتونين، ولا ضالين ولا مُضلين، من غير كمامات، تهتزُّ الأرض تحت أقدامنا، والصينيون ينظرون إلينا من النوافذ، مصعوقين، كأنهم خائفون منا، نستطيع أن نزعم أننا فتحنا الصين كما فتحها جدنا هبيرة بن المشمرج، ووطأ أرضها وختم أطيان ملوكها (أطيان بحرف الزين وليس بالنون)، ولم يبق سوى أن يعطونا الجزية عن يد وهم صاغرون، فيضحك عبد الكريم في سره وجهره، شي جين بينغ الأسد، وشي من غير جين بينغ السيسي، ويقول:
ألف كورونا ولا يقولوا بشار الأسد، يا أبو عمر.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت