“ترتيب البيت الكردي” في سورية.. وقائعُ تفرض أم حوار قضية؟
تحت عنوان “ترتيب البيت الداخلي وتوحيد صفوفه”، تعود قضية الملف الكردي في شمال شرقي سورية، إلى الواجهة مجدداً، من بوابة محاولة حل الخلافات الكردية – الكردية، وإيجاد موقف موحد، يفضي إلى شراكة حقيقة للمنطقة الخاضعة لسيطرة “الإدارة الذاتية” في الوقت الحالي.
ويتمحور الحراك لحل الخلاف بين قطبين؛ الأول “المجلس الوطني الكردي” الذي يعتبر أحد مكونات “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، وبين “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سورية، التي يقودها “حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) بجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكل قطب أهدافه ورؤيته السياسية لمصير المنطقة، فضلاً عن أن “الوحدات” قوة عسكرية، وسط تبادل الاتهامات على مدى السنوات الماضية، ما وسع الهوة بينهما، وأدى بالاتفاقيات والمبادرات التي طرحت لجمعهما تحت مظلة ورؤية سياسية واحدة، تذهب أدراج الرياح.
ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية “هولير” في 2012 التي وقعت في مدينة أربيل بالعراق، ونتج عنها هيئة كردية تقوم على المناصفة في إدارة المنطقة، لكن سرعان ما فشلت بعد انسحاب “المجلس الوطني”، قبل أن يعود الطرفان في 2015 ويوقعان اتفاقية “دهوك” التي تقوم على تفعيل سابقتها، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ.
مبادرة “قسد”.. أوجلان يدخل الخط
وجاءت المبادرة الحالية من قبل “الإدارة الذاتية” التي أًطلقت في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، تحت شعار “توحيد الخطاب السياسي الكردي”، تضمّنت عدة خطوات، وجاءت بالتزامن مع حديث قائد “قوات سورية الديمقراطية”، مظلوم عبدي، عن جهود يبذلها إقليم كردستان العراق في هذا الاتجاه.
وقالت “الإدارة الذاتية”، حينها، إن “هيئة الداخليّة لشمالي وشرقي سورية اتخذت عدة إجراءات هدفها بناء شراكة فعليّة مع المجلس الوطني الكردي”، وتضمنت إزالة العوائق القانونية أمامه في سورية، من أجل فتح مكاتبه التنظيميّة والحزبية ومزاولة نشاطه السّياسي والإعلامي والاجتماعي، دون الحاجة إلى أي موافقات أمنية مسبقة، في سبيل إزالة جميع العقبات أمام عمليّة إعادة بناء الثقة بين كل الفعاليّات السّياسيّة والإدارية.
وأكدت مبادرة “الإدارة الذاتية” أنه لا عائق أمام “المجلس الوطني الكردي” للانتقال إلى مناطق الإدارة شمال شرقي سورية، وممارسة نشاطه بكامل الحرية، دون وجود أي ملاحقة قانونية لأي سبب سابق للمبادرة.
أما فيما يتعلق بتسوية ملف السجناء والمغيبين من “المجلس الوطني الكردي” لدى “قسد”، أكدت المبادرة أن “الإدارة الذاتية” تسلمت قائمة بعشرة أسماء قدمتها الهيئة الرئاسيّة لـ”المجلس الوطني الكردي” في سورية، إلى قيادة “قسد”، حيث تم تشكيل لجنة مختصة لتقصي الحقائق والتحقيق في الملف.
ولاقت المبادرة ترحيباً من قبل أصوات داخلية، من قبل ممثلين عن شرائح المجتمع في شمال شرقي سورية، الذين أطلقوا مبادرة، في 3 مايو/ أيار الحالي، تحت شعار “المبادرة الجماهيرية لوحدة الصف الكردي”، تضمنت “العمل سوياً للوصول إلى عقد مؤتمر وطني كردي، أو اجتماع موسع في روج آفاي كردستان، يحضره كافة الأحزاب والقوى السياسية وفعاليات المجتمع المدني، للتوصل إلى مرجعية كردية جامعة وموحدة”.
ومن داخل سجنه ولأول مرة منذ توقيفه في عام 1999، دعا زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، إلى توحيد الصف الكردي، وحل المشاكل العالقة بينهما.
وقال أوجلان، بحسب ما ذكر شقيقه عبد الله، “إذا كانت هناك مشكلة يجب حلها عبر الحوار وإحلال السلام، خريطة السلام بين الكرد تمر من شرق وجنوب وغرب وشمال كوردستان، ويجب على الكرد الاتفاق حول نقطة معينة وحل المشاكل العالقة بينهم عن طريق الحوار، الشعب الكردي ونحن نأمل ألا تراق الدماء بين الكرد”.
وأضاف أن “سياسة افتعال اقتتال داخلي بين الكرد، لا فائدة للكرد من تلك السياسات، وهذه السياسات لا تخدم الشعب .. لا الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولا الاتحاد الوطني الكردستاني ولا أي حزب أو حركة كوردية، لا يجب أن تدخل في الحسابات (سنقاتل وستدعمنا الدول مقابل ذلك)، هذا غير ممكن، وغير مقبول، يجب اتخاذ الوحدة الوطنية أساساً، منذ 40 عاماً كان يجب أن تتحقق الوحدة الكردية”.
ووجه رسالة، بحسب “رووداو“، إلى “قنديل ولحكومة باشور (إقليم كوردستان) أيضاً، هذه رسالتي لأسرة بارزاني وأسرة طالباني والشخصيات ولكل الأشخاص في باشور، لا حاجة للكرد إلى الاقتتال وسفك الدماء، الكرد بحاجة إلى الوحدة، لا حاجة للكرد إلى القول هذا المكان لي وذاك لك، لدى الكرد حاجة إلى السلام والوحدة”.
انخراط أمريكي-فرنسي.. تركيا صامتة
ويختلف المشهد التفاوضي اليوم باختلاف الأطراف الداخلة فيه، فاللقاءات مستمرة وتوجه الوفود الأمريكية والفرنسية إلى المنطقة لا يهدأ، من أجل نبذ الخلافات والتوصل إلى نقطة مشتركة، وتأسيس إدارة مدنية، تمهيداً لعملية سياسية قد تكون أقرب من أي وقت مضى.
وما يميز المبادرة الحالية عن سابقاتها، عاملان اثنان، بحسب ما قاله الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، بدر ملا رشيد، الذي قال إن الأول هو الانخراط الأمريكي المباشر في عملية التفاوض، وقد يكون عاملاً مفارقاً في هذه الجولة من المفاوضات بين الأطراف الكردية، إذ أن السفير الأمريكي، وليام روباك، يداوم في شمال شرق سورية مشاركاً في العملية منذ إطلاق المبادرة من قبل قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي.
أما العامل الثاني يتمثل في عملية “نبع السلام” التي شنتها تركيا إلى جانب “الجيش الوطني السوري” ضد “وحدات حماية الشعب” في شرق الفرات، و”ما نتج عنها من تغيرات عسكرية في المنطقة، واحتمال أن تندلع معارك أو عمليات أخرى تؤدي لإنهاء كافة المشاريع الكردية في المنطقة، في حال أقدم النظام وروسيا على التوسع في المنطقة، أو بدأت تركيا عملية جديدة”.
وكان ممثلي الخارجية الأمريكية في شمال شرقي سورية، السفير ويليام روباك، ونائبته إيميلي برنديت، اجتمعا مع مسؤولي ورؤساء 14 حزباً كردياً، في 25 أبريل/ نيسان الماضي، بهدف الاستماع إلى آراء ووجهات نظر الأحزاب السياسية حول المبادرة.
من جهته قال الرئيس المشترك لـ”حزب السلام الديمقراطي الكردستاني”، طلال محمد، أن وفوداً من الوزارة الخارجية الأمريكية وفرنسا زاروا المنطقة، و”التقت بجميع الأطراف السياسية الكردية، ورصدت أراءها ومقترحاتها.
وأكد، لوكالة “ANHA”، أن “جميع الأحزاب السياسية أبدت موافقتها على ضرورة توحيد الصف الكردي، والابتعاد عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة”.
وعند الحديث عن مناطق شمال شرقي سورية، لا بد من التطرق إلى الموقفين الروسي والتركي، كونهما طرفان مؤثران في الملف الكردي، ويملك كل منهما أوراقاً للضغط بهدف تحصيل مكتسبات سياسية وعسكرية في المنطقة.
وعلى الرغم من وجود روسيا عسكرياً على الأرض، من خلال تسيير دوريات مشتركة مع تركيا، إلا أنه “حتى الآن لم يظهر لروسيا أي دور مباشر فيما يخص هذه الجولة من الحوارات، لكن كانت لها محاولات سابقة للتوفيق بين الإدارة الذاتية والنظام وقد فشلت، كما كان هناك اعتراض أمريكي على حدوث اتفاق نهائي بين الإدارة الذاتية والنظام”، بحسب ما قال لـ”السورية.نت”، بدر ملا رشيد.
وأكد أن روسيا نشطت مؤخراً في المنطقة عبر محاولة إنشاء قوة عسكرية عشائرية، ولاتزال فرص نجاحها في هذا التوجه ضئيلة لعوامل عدة، إلا أنها يمكن أن توافق على مخرجات الاجتماعات بشأن رأب الصدع الكردي-الكردي، في حال كانت تصب في اتجاه جلوسها مع واشنطن على طاولة نقاش التسوية النهائية للملف السوري.
أما تركيا، التي تعتبر أن “المشروع الكردي في سورية خطراً على أمنها القومي”، وتتهم “PYD” بأنه امتداد لـ”حزب العمال الكردستاني” المحظور إرهابياً فيها، يعتبر موقفها مبهماً، بحسب رشيد، الذي أكد أن “المعروف هو وجود رفض تركي مبدئي لأية صيغة يتم فيها منح الإدارة الذاتية مشروعية، إلا أن مسؤولين من واشنطن يشرفون على المفاوضات، قاموا بزياراتٍ لتركيا في بداية عملية الحوارات، كما قام وفد العلاقات الخارجة للمجلس بزيارة إلى تركيا”.
وتوقع رشيد أن تركيا تنتظر المخرجات النهائية للاتفاق، فإن “أدت لكسر احتكار حزب الاتحاد الديمقراطي للسلطة، وتم خلق مؤسسات حكم محلية أكثر شفافية، فمن المتوقع أن يتغير الموقف التركي من السلطة في شمال شرق سورية”.
وبحسب معلومات “السورية. نت” فإن علاقة “المجلس الوطني الكردي” مع تركيا، تحسنت في المرحلة الماضية، واجتمع عدد من الأعضاء بعد عملية” نبع السلام” بالخارجية التركية أكثر من مرة، كما التقوا وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، يوم التاسع عشر من فبراير/شباط الماضي
قياديون بـ”المجلس الوطني الكردي” يلتقون جاوويش أوغلو: تفاصيل وسياقات
مرحلة مقبلة مفصلية
وحتى الآن لم تعرف نتائج المفاوضات الجارية بين الأطراف الكردية، وسط تلميحات من قبل مسؤولين ووسائل إعلام محلية بالتوصل إلى صيغة اتفاق بينهما.
وألمح قائد “قسد”، مظلوم عبدي إلى نتائج إيجابية، وقال في تصريحات نقلتها وكالة “ANHA”، في 25 أبريل/ نيسان، إن “هناك تطور من ناحية توحيد الصف الكردي، وكافة الأطراف السياسية آراؤهم إيجابية وهناك تجاوب جيد، بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، وكافة الأطراف السياسية الأخرى بخصوص وحدة الصف الكردي”، مؤكداً أن “ستظهر نتائج إيجابية في الأيام المقبلة”.
نقلت وكالة رووداو“، الخميس الماضي 7مايو/أيار الحالي، عن مصادر خاصة، بأن “المجلس الوطني الكردي” و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، توصلا إلى اتفاق سياسي “يشمل المسائل المتعلقة بمستقبل كوردستان سورية، ومنها الموقف من الحكومة السورية والمعارضة، والعلاقات مع دول الجوار والعديد من القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك”، مشيرة إلى أنه من المقرر أن يتم التباحث خلال الأيام المقبلة، حول القضايا العسكرية والإدارية.
وحاول فريق “السورية. نت” التواصل مع “المجلس الوطني الكردي” للوقوف على آخر نتائج المفاوضات في ظل التعتيم الإعلامي حول نتائجها، إلا أنه لم يتلق أي رد خلال هذا الأسبوع.
وفي ظل التعتيم الإعلامي يقول الباحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، بدر ملا رشيد، إنه “لا يمكن التنبؤ حالياً بالصيغة النهائية للمفاوضات، ومصير الأطراف ضمن الهيكل المتواجد للإدارة الذاتية، فالظاهر إن العملية تتم حالياً بالتوافق على مبادئ عامة تخص الموقف من النظام، ومن عملية التفاوض”.
وحول ماهية التوحد في حال تم بين الطرفين، أضاف رشيد أنه “في حال الدخول في التفاصيل الإدارية والأمنية، فمن المتوقع أن يتم منح أحزاب المجلس حصصاً داخل مؤسسات الإدارة الذاتية، على شكل ما يتم منحه للأحزاب المنضوية ضمنها الآن، ولربما يتطور الوضع للتوجه لانتخاباتٍ محلية تُنتج منظومة جديدة للحكم مبنية على الأصوات لا المحاصصة المباشرة”.
لكن الحديث لا زال مبكراً عن تداعيات الاتفاق المفترض بين الطرفين الكرديين، وفق رشيد، فالعملية في بدايتها، ويتحاج الطرفان للخوض في تفاصيل كثيرة، إلا إذا ما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض صيغ حل على الطرفين، وجعلها الطريق الوحيد للخروج من أزمة التمثيل الكردي في اللجنة الدستورية، فيمكن أن نشهد حدوث متغيرات سريعة.
واعتبر أنه في حال الوصول إلى صيغة توافق مع موافقة تركية، من الممكن أن نشهد إشراك أشخاص من مجلس سورية الديمقراطية (الذراع السياسي لقسد)، ضمن اللجنة الدستورية في حال بقائها كخيط البداية للحل السياسي في سورية.