مع التعقيدات الإضافية في المشهد السوري، وتشابك أدوار ومصالح اللاعبين، وعدم وجود بوادر واضحة حول مسار الحل السياسي، يبدو أن روسيا، تحاول زيادة إحكام قبضتها على ما تبقى من “الدولة السورية” ومقدراتها، واصطياد ما أمكن من الثروات، التي يقدمها النظام مضطراً، كفاتورة إنقاذه طيلة السنوات القليلة الماضية.
وعلى مدى السنوات الماضية، استغلت موسكو حاجة نظام الأسد، لحليف قوي يمنعه من السقوط، فدافعت عنه بشراسة، عسكرياً وسياسياً، على الرغم من الانتقادات اللاذعة التي وجهت لها، والثمن كان مصالحها الاستراتيجية في أهم دولة في الشرق الأوسط بالنسبة لروسيا.
وتعتبر سورية واحدة من رؤوس الجسور المفتاحية للتوسع الروسي وترسيخ نفوذها في الشرق الأوسط، إضافة إلى اتخاذ البوابة السورية ممراً لعودتها كلاعب أساسي دولياً؛ لذلك عملت على دعم النظام عسكرياً، منذ ما قبل سبتمبر/أيلول 2015، حيث اضطرت للدخول العسكري المباشر، وأسهمت في بسط نفوذ قوات النظام على مساحات واسعة من يد الفصائل السورية.
وترسيخاً لهذه الهيمنة، كان لا بد من توسيع النفوذ الاقتصادي والعسكري، إذ وقعت مع النظام عدة اتفاقات اقتصادية واستثمارات في مختلف القطاعات لعشرات السنين، إضافة إلى اتفاقات عسكرية على شواطئ البحر المتوسط لخمسين عاماً مقبلاً.
وكثّفت روسيا من نشاطها وتحركها في سورية، خلال الأيام الماضية، إن كان سياسياً أو عسكرياً، الأمر الذي فسرهُ محللون، على أنه تسارعٌ لمزيدٍ من إحكام القبضة الروسية، في ظل متغيراتٍ بالملف السوري، قد تفضي لتغيرٍ في المرحلة القادمة.
ممثل بوتين في حضرة الأسد
في 25 من مايو/ أيار الماضي، أصدر الرئيس الروسي مرسوماً مفاجئاً عين بموجبه ممثلاً خاصاً له في سورية، الأمر الذي أثار كثير من إشارات الاستفهام حول الخطوة وأهدافها في الظرف الحالي.
وينص المرسوم، الذي نشره وسائل إعلام روسية “تعيين السفير فوق العادة لروسيا الاتحادية لدى الجمهورية العربية السورية، يفيموف ألكسندر فلاديميروفيتش، ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية”.
وكان يفيموف استلم منصب السفير الروسي لدى سورية منذ أكتوبر/ تشرين الأول في 2018، وسبق أن شغل قبل ذلك مهام سفير روسيا فوق العادة والمفوض في دولة الإمارات العربية المتحدة.
والمنصب موجود في روسيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي، بحسب الإعلامي السوري والخبير في الشأن الروسي، نصر اليوسف، إذ يعين الشخص الأقرب لقضية مُلحة تتطلب اهتماماً خاصاً من قبل الدولة، و يوجد العديد من الممثلين عن الرئيس الروسي لحل قضايا داخلية، أو للتعامل مع قضايا السياسة الخارجية.
ويقول اليوسف لـ”السورية. نت”، إن “الصفة الجديدة التي اكتسبها السفير يفيموف تمنحه الحق بالتواصل مباشرة، في الأوقات الحرجة، مع إدارة الرئيس الروسي، دون الرجوع إلى إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية، كما تمنحه صلاحية التواصل مع القصر الجمهوري في سورية بشكل مباشر، دون الرجوع إلى الإدارة ذات العلاقة في وزارة الخارجية السورية”.
واعتبر اليوسف أن رفع صلاحيات السفير يفيموف، نتيجة حساسية المرحلة القادمة، إذ يشير إلى “وجود رغبة لدى موسكو بتغليب الجانب السياسي- الدبلوماسي على الجانب الأمني- العسكري”، مشيراً إلى أن “ثمة العديد من المؤشرات، التي تشي بأن روسيا باتت أقرب من أي وقت مضى إلى فتح بازار لبيع نظام الأسد، بعد أن أخذت كل ما يمكن أن تأخذه من سورية بموافقة النظام الشرعي (كما تراه روسيا)”.
أما الخبير الروسي في الشؤون العسكرية، أنطون مارداسوف، يرى أن تعيين يفيموف ممثلاً خاصاً يمكن ان ينظر له من زاويتين، الأول “إمكانية مساعدة الكرملين في إيجاد التوازن الصحيح بين الشطرين الدبلوماسي والعسكري لفريق السياسة الخارجية الروسي الذي يشرف على سورية”، كون المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، هو الذي يشرف على الملف السوري بجانبيه السياسي والعسكرية”.
واعتبر مارداسوف، في مقالة بصحيفة “المونتيور”، أن “منصب يفيموف الجديد، يمكن اعتباره بمثابة ثقل موازن للتأثير العسكري في السياسة الخارجية الروسية، ويمكن للمبعوث الجديد جلب عنصر اقتصادي ودبلوماسي أكثر إلى مهمة إدارة الوضع في سورية”.
أما الزاوية الثانية حسب الكاتب الروسي، فإن “تعيين الممثل الخاص يتعلق بمهمة إعادة بناء في سورية، وهو موضوع يتزايد بثبات على أجندة الكرملين، وقد تكون تجربة يفيموف السابقة في العمل مع الإمارات العربية المتحدة، الحليف ذات الأهمية المتزايدة لروسيا وسورية، مفيدة أيضاً”.
ولم يصدر أي تصريح من قبل مسؤولي نظام الأسد، حول تعيين يفيموف ممثلاً خاصاً في سورية حتى إعداد التقرير.
منشآت جديدة بانتظار الهيمنة الروسية
وبعد أربعة أيام، من تعيين يفيموف ، و في 29 من مايو/ أيار الماضي، وقع بوتين مرسوماً قضى بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد، للحصول على قواعد ومنشآت جديدة في سورية.
وذكرت وسائل إعلام روسية بينها وكالة “إنترفاكس”، أن بوتين وقع على مرسوم بإجراء مفاوضات مع نظام الأسد، بغية تسليم العسكريين الروس منشآت إضافية وتوسيع وصولهم البحري في سورية.
ووافق بوتين، في المرسوم المنشور على موقع البوابة الرسمية للمعلومات القانونية، على اقتراح الحكومة الروسية بشأن التوقيع على البروتوكول رقم 1 بشأن “تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية”، للاتفاقية المبرمة في أغسطس/آب 2015 بين موسكو ودمشق، بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سورية.
وأوكل المرسوم إلى وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية “إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابة عن روسيا الاتحادية”.
واقتصر المرسوم على ما أوردته وسائل الإعلام، أما تفاصيله ومضمونه فهي غير واضحة الأبعاد، حسب اليوسف، الذي اعتبر أنه من خلال قرار بوتين يفهم أن روسيا تريد بسط سيطرتها على المزيد من الأراضي حول القاعدتين العسكريتين لها في سورية، وهما قاعدة حميميم في ريف اللاذقية وقاعدة طرطوس البحرية.
وقال إن مسودة المشروع عبارة عن “بروتوكول ملحق بالاتفاقيتين السابقتين المتعلقتين باستئجار قاعدتي حميميم وطرطوس لمدة 49 عاماً، وقرار الرئيس الأخير يمنح صلاحيات لوزارتي الدفاع والخارجية بإجراء مفاوضات حول البروتوكول، لطلب المزيد من الأراضي حول القاعدتين في البر والبحر، ومنحهم صلاحيات على التوقيع باسم روسيا”.
أما مدير وحدة المعلومات في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، نوار شعبان، فقد اعتبر أن صدور المرسوم أمر متوقع من أجل ضمان الاستثمارات الروسية في المنطقة والتوسع بها، لمنع جهات أخرى من الاقتراب منها، معتبراً أنها رسالة بأن روسيا باقية في سورية براً وبحراً وجواً.
أما الباحث السياسي، حمزة مصطفى، فقد ربط في تصريحات له، بين المرسوم وبين ما يجري في ليبيا والدعم الروسي المقدم لقوات خليفة حفتر، إذ قال إن “أن روسيا تخطط عبر دعمها لخليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا، لبقاء استراتيجي في أفريقيا لملئ الفراغ الذي خلفته دول استعمارية قديمة مثل فرنسا وإيطاليا، ولمواجهة الدور التركي المتنامي هناك وخاصة بعد الانتصارات الأخيرة”.
وأضاف في تصريحات لـ”العربي الجديد”، أن “قاعدة حميميم وميناء طرطوس نقطة الانطلاق الرئيسية على المستوى العملياتي واللوجستي لإنقاذ هذا الدور(الروسي)، وخاصة أن الطائرات الروسية، التي وصلت إلى قاعدة الجفرة الليبية مؤخراً، كانت قد انطلقت من روسيا إلى سورية قبل أن تصل إلى وجهتها الجديدة”.
وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، قال، بحسب وكالة “الأناضول” إن “موسكو ربما تسعى لتأسيس نظام مشابه لما أقامته في سورية في ليبيا، وقد تكون تسعى لإقامة جسر جوي بين سورية وليبيا”.
دعم عسكري روتيني
وتزامناً مع مراسيم بوتين استمر الدعم العسكري المقدم من قبل روسيا إلى نظام الأسد، سواء كان عربات عسكرية أم طائرات حربية، إذ أعلنت وزارة دفاع النظام عبر معرفاتها الرسمية، السبت الماضي، تسلم دفعة من طائرات حربية روسية مطورة ومحدثة من طراز “ميغ 29″، وذلك “في إطار التعاون العسكري والفني بين الجمهورية العربية السورية وروسيا الاتحادية”.
وأضافت الوزارة: “نفذت الطائرات التي تعد أكثر فعالية من جيلها السابق تحليقها من قاعدة حميميم إلى مناطق تمركزها في المطارات العسكرية السورية”، على أن يبدأ طيارو نظام الأسد اعتباراً من أول يونيو/حزيران المقبل، تنفيذ مناوبات بهذه الطائرات في الأجواء السورية.
كما وصلت سفينة “sparta” المحملة بعربات عسكرية إلى ميناء طرطوس محملة بعربات عسكرية من نوع” GAZ 66″ الروسية، حسب ما نشر حساب “Yörük Işık” المختص بالشؤون العسكري، عبر “تويتر” الخميس الماضي.
واعتبر اليوسف أن وصول الطائرات والمعدات العسكرية أمر روتيني، كون روسيا لا تعترف بقرار الولايات المتحدة الأمريكية بمنع تزويد نظام الأسد بالأسلحة، لأن القرار غير صادر من مجلس الأمن، وإصدار مثل هذه القرارات في مجلس الأمن مستحيلة بسبب الفيتو الروسي، قائلًا إن “هذا الأمر مستمر منذ بداية الثورة، ولم يتوقف تزويد روسيا للنظام بما ما يلزم من أسلحة”.
أما نوار شعبان من “مركز عمران”، اعتبر أن “إرسال الطائرات مدرج ضمن اتفاقيات قديمة ولا يوجد شيء جديد، لكن إعلام نظام الأسد حاول الاستفادة من القضية للترويج بأن روسيا ما زالت تدعم النظام”.
وفي ظل هذا النشاط الروسي في سورية، يرى نصر اليوسف أن هناك “استعجال من الجانب الروسي للحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات من النظام الشرعي القائم حالياً، كون النظام معترف به من قبل روسيا والأمم المتحدة، تمهيداً لتسوية سلمية باتت إرهاصاتها واضحة”.
وقال اليوسف إن “كل الأمور أصبحت في عجلة من أمرها ووصلت إلى آخرها عملياً”، معتقداً أن “روسيا تريد أن تثبت هذه الاتفاقيات، ويُوقع عليها حسب الأصول من البرلمان والرئيس، لكي تبقى تحت سيطرتها، بعد أن يتم عزل أو إخراج النظام وخاصة الأسد من الساحة السياسية”.