بقلم ودفتر.. نشاط متزايد للجولاني لـ”إعادة تدوير نفسه”؟
ظهر القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني، خلال الأسابيع الماضية، بشكل متزايد عبر اجتماعات ولقاءات متكررة مع شرائح مختلفة وفعاليات مدنية وشخصيات في الشمال السوري.
وعلى مدى السنوات الماضية، وخلال تحوله من قيادة “جبهة النصرة” التي كانت تتبع لـ”تنظيم القاعدة”، إلى “جبهة فتح الشام”، وصولاً إلى قيادته الحالية لـ”هيئة تحرير الشام”، كان ظهور الجولاني يقتصر على اللقاءات الإعلامية القليلة، للحديث عن آخر التطورات الميدانية والعسكرية.
لكن خلال شهر مايو/ أيار الماضي، زاد نشاط الجولاني بشكل كبير، إذ لم يقتصر ظهوره على الشأن العسكري فحسب، وإنما كان لافتاً لقاءاته مع فعاليات مدنية وطبية.
وآخر لقاء للجولاني كان أمس الاثنين، مع المؤسسات والنقابات الطبية في الشمال السوري، بحضور جهات طبية عدة في المنطقة، بهدف بحث أسباب ارتفاع أسعار الدواء في المنطقة والحلول لذلك، بحسب ما ذكرت حسابات مقربة من “تحرير الشام” على “تلغرام”.
وسبق ذلك عدة لقاءات مع أطراف مختلفة، بدأها في 2 مايو/ أيار الماضي، بلقاء جرحى ومصابين في إحدى المستشفيات، قبل لقائه بمقاتلين من “الهيئة” على جبهات القتال في ريف إدلب، ثم زيارته لأحد المخيمات وشيوخ العشائر، وأهالي جبل الزاوية، وصولًا إلى زيارة أجراها إلى “أبناء الشهداء”، بمناسبة عيد الفطر، الأسبوع الماضي.
وما يميز هذه اللقاءات أمرين، الأول التغطية الإعلامية التي رافقت زياراته كافة، إذ نشرت شبكة “إباء الإخبارية” التابعة للهيئة صور الجولاني في كل تحركاته.
و الثاني هو حمله لقلم ودفتر في بعض الاجتماعات، وتسجيل شكاوى المجتمعين، في إشارة إلى اهتمامه بمشاكلهم والعمل على حلها.
كل هذه الاجتماعات سبقها تظاهرات شعبية ضد الجولاني وسياسة الهيئة في إدلب، على خلفية مقتل مدني أطلق عليه عناصر الهيئة النار أثناء اعتصام رفضاً لمنع فتح معبر تجاري مع النظام.
وخرجت مظاهرات في عدة قرى ومدن إدلب، الشهر الماضي، ضد الهيئة وهتفت “إدلب حرة حرة.. الجولاني يطلع برا”.
ويرى محللون أن تحركات الجولاني الأخيرة، ونشاط المتزايد يأتي في ظل إدراك “هيئة تحرير الشام” أن شعبيتها وحاضنتها متدنية جداً، خاصة بعد المعارك الأخيرة في إدلب، والتي ظهرت فيها ضعيفة ولم تدافع عن المناطق التي تسيطر عليها بفعالية، حسب الباحث في الجماعات الإسلامية، عباس شريفة.
ويقول شريفة لـ”السورية. نت” إن “تحرير الشام أدركت خلال عدة مؤشرات، أنها في مستوى متدني من القبول الشعبي، ما دفعها للتفكير بشكل جيد والعمل على مستويين، الأول العودة إلى الفعاليات الشعبية والحاضنة من أجل الالتصاق أكثر بها، والثاني استثمار الحاضنة للتأهيل السياسي (في المستقبل) لإثبات وجود والسيطرة”.
وأرجع شريفة ظهور الجولاني المتكرر إلى محاولته التواصل مع كل الشرائح الاجتماعية، وتصدير هذا الظهور إعلامياً، في رسالة واضحة بأنه ما زال موجوداً ولا يزال لديه القبول الشعبي، وأي صراع مع تحرير الشام هي صراع مع الحاضنة الشعبية”.
وأكد شريفة أن الجولاني يبحث عن شرعية شعبية وظهور اجتماعي يساعده على البقاء، لأنه يعلم بأن أي انقطاع للجذور الاجتماعية يعني سهولة التفكك، لذلك يعمل على التواصل وتأدية الخدمات وحل مشاكل الأهالي.
واعتبر الباحث أن الجولاني يحاول البحث عن شرعية لنفسه فقط، لأنه “لو يتصرف كمؤسسة مثل ما يروج له دائماً بالحديث عن وجود حكومة (حكومة الإنقاذ)، فمن المفروض أن يتم حل المشاكل، ومن يحمل ورقة وقلم، هي الحكومة وليس الجولاني، الذي يبحث عن إعادة تدوير نفسه كشخص وليس المؤسسة التي اصطنعها”.
وجاء ذلك بعد تغيير الجولاني لخطابه، إذ أشار في حوار مع “مجموعة الأزمات الدولية”، في فبراير/ شباط الماضي، إلى أنه ورغم ارتباطه بتنظيم “القاعدة” (جبهة النصرة)، تعهد بعدم استخدام سورية أو أي فصيل آخر، كمنصة إطلاق للعمليات الخارجية، والتركيز على قتال نظام الأسد وحلفاؤه.
وحدد “الجولاني” هدف “تحرير الشام” حالياً بقتال قوات الأسد، معتبراً أن “أيديولوجية الهيئة اليوم تستند إلى الفقه الإسلامي، مثلها مثل أي جماعة سنية محلية أخرى في سورية”.
كما تحدث “الجولاني” عن علاقته بـ”تنظيم حراس الدين” (التابع لتنظيم القاعدة) بأنها علاقة “معقدة”، لكن تم إلزامهم بعدم استخدام سورية كـ”منصة انطلاق للجهاد الخارجي”، حسب قوله.