يومياتُ عائلاتٍ سورية مع تهاوي مؤشرات الاقتصاد: غصةٌ في القلوب والجيوب
“الحديث عن الوضع المعيشي، بات غصّة في قلوب وجيوب كثيرٍ من العائلات..بل ربما معظمها..هذه أصعب الأيام التي نعيشها على الإطلاق”.
بهذه العبارات لخّص الشاب أنور، المقيم في العاصمة دمشق، حال الكثير من السوريين، ممن باتوا يترقبون بعجزٍ وحيرة ما ستؤول إليه الأوضاع، مع ارتفاع الأسعار بشكل “جنوني” في الأسواق وانهيار كبير في قيمة الليرة السورية.
يقول الشاب الثلاثيني في حديثٍ لـ”السورية نت”، إن “درجة السوء التي وصل إليها حال الناس في سورية لا يمكن وصفها”، بسبب “انعدام القدرة الشرائية للكثير من العائلات”، مشيراً إلى أن “نظرة التشاؤم باتت تسيطر على السواد الأعظم من الناس”، مع اقتراب دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، والتأثيراتٍ التي من المتوقع أن يُحدثها، في الاقتصاد شبه المنهار أساساً.
الدخل والمصاريف..تفاوتٌ شاسع
منذ سنوات، صدأت حناجر كثيرٍ من السوريين، بالحديث عن تفاوت شاسع بين متوسط الدخل الذي يحصل عليه الفرد وبين ما يصرفه، نتيجة متغيرات متراكمة أفقدت الليرة السورية قيمتها، وأدت إلى رفع الأسعار في الأسواق تدريجياً.
ورغم تكرر إعلان النظام عن زيادة رواتب العاملين في القطاع العام، كان آخرها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، يرى المواطن الستيني أبو راشد، الذي نزح مع أسرته من دير الزور إلى دمشق عام 2014، أن تلك الزيادات لن تغطي الاحتياجات الأساسية لمعظم الأسر، التي بات بعضها يعتمد مصادر دخل متعددة.
يتحدث أبو راشد، الذي كان يعمل مدرساً للغة العربية في مدينته قبل قدومه إلى دمشق، عن مصاعب معيشية يواجهها مع أسرته المكونة من زوجة وثلاث بنات وشابين، زادت من وطأتها عليه الأزمة الاقتصادية الأخيرة وارتفاع الأسعار في الأسواق، مشيراً في حديث لـ “السورية نت” إلى أن راتبه التقاعدي لا يكفيه عشرة أيام، إذ يعتمد بشكل أساسي على حوالات مالية يرسلها ولداه الشابين في ألمانيا شهرياً.
يحتاج أبو راشد كما يقول، إلى مصروف لا يقل عن 250 ألف ليرة سورية، شهرياً، يقتطع منها 75 ألف إيجار منزل، إلى جانب مصروف ابنتين تدرسان في الجامعة وأخرى في المدرسة، معتبراً أنه مع الكثير من التقشف يكفيه هذا المصروف شهرياً.
ويضيف: “أعتبر أن وضعي أفضل من عدد من الناس، كوني أعتمد على حوالات من الخارج، لكن في حال توقفت تلك الحوالات، سيكون من الصعب إكمال نصف الشهر على راتبي التقاعدي”.
زيادة الرواتب..وانخفاض قيمتها الشرائية
أما الشاب أنور، وهو متزوج ولديه طفل، يرى أن الأسرة المكونة من ثلاثة أشخاص تحتاج على الأقل 200 ألف ليرة سورية دون إيجار المنزل، وذلك قبل شهر تقريباً، أي قبل الانهيار الأخير لليرة السورية.
ويقول “عندما كانت الليرة بـ 700 أمام الدولار، كنا نحتاج مصروفاً يصل إلى 200 ألف، لكن مع وصول الليرة إلى عتبة الـ 3000، وارتفاع الأسعار في الأسواق خلال الأسبوع الماضي إلى الضعف تقريباً، أصبح التكهن بقيمة المصروف أمر خارج عن إدراكنا”.
وبحسب أنور، الذي يعمل محاسباً في شركة استيراد وتصدير خاصة، فإن أسلوب حياة الكثير من السوريين سيتغير بعد الأزمة الأخيرة، حيث ستزيد إجراءات التقشف التي لا تحتمل المزيد.
ويضيف “توجد عائلات تعيش على أقل من 100 ألف شهرياً، لكن لا يعلم حالها إلا الله، حيث باتت تستغني عن الكثير من الاحتياجات الأساسية”، وتابع “الآن أصبح حال تلك العائلات أسوأ بالتأكيد”.
وكانت وزارة المالية في حكومة الأسد أصدرت تعليمات تنفيذية، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تقضي بزيادة رواتب العاملين في القطاع العام، وإضافة مبلغ 20 ألف ليرة على الأجور الشهرية للعاملين المدنيين والعسكريين.
وبحسب الزيادات التي اطلعت عليها “السورية نت”، أصبح راتب الحاصلين على درجة دكتوراه قرابة 58 ألفاً عند بدء التعيين مع زيادة تصل إلى 80 ألفاً. (أي 35 دولار أمريكي إذا كان سعر صرفه 2300 ليرة سورية).
في حين تتراوح رواتب الحاصلين على درجة الماجستير بين 55 ألفاً و80 ألفاً، والحاصلين على الإجازة الجامعية بين 53 ألفاً و80 ألفاً.
وبالنظر إلى تدهور قيمة الليرة السورية الأخير، فإن أعلى راتب يحصل عليه الجامعيون في القطاع العام لا يتعدى 35 دولاراً أمريكياً، في حال كان سعر الصرف 2300 ليرة.
التقشف والمعونات..حائط “مائل” يستند عليه سوريون
يعتمد بعض السوريين في الداخل، على المساعدات الأممية التي تقدمها الأمم المتحدة ضمن برامج الاستجابة للسوريين في مناطق النظام والمعارضة على حد سواء، بالتعاون والشراكة مع منظمات محلية.
إذ ترى السيدة الأربعينة هدى، من ريف دمشق، أن تلك المعونات التي تحصل عليها أسرتها كل شهرين، تسند “جرّة” المصروف “الجنوني” الذي بات هاجساً يخيف العائلات السورية مع اشتداد وطأة الوضع المعيشي، مؤخراً.
تقول هدى، أم لأربعة أطفال، لـ”السورية نت”، إنها تحاول حالياً عدم التفكير فيما سيؤول إليه الوضع المعيشي بعد التطورات الأخيرة وغلاء الأسعار، وتمنت، كحال جميع السوريين، أن لا يؤثر ذلك على أسرتها.
تضيف هدى التي تقيم في منزلها بحي برزة شمال دمشق، إنها سجلت منذ 3 سنوات لدى إحدى الجمعيات الإغاثية، حيث تحصل كل شهرين على سلة غذائية مكونة من: كيس طحين ١٥ كيلو، رز أبيض، برغل، عدس أحمر وأسود، معكرونة، 6 علب زيت نباتي، 5 كيلو سكر، وأحياناً كيلو ملح.
ومع ارتفاع أسعار المواد الأساسية السابقة في الأسواق مؤخراً، لا تخفي هدى تخوفها من ارتفاع أسعار بقية المواد الغذائية من خضراوات وفواكه وغيرها من الأساسيات، خاصة أن زوجها يعمل موظفاً في شركة الكهرباء براتب لا يتجاوز 60 ألف ليرة سورية شهرياً.
أما أبو راشد، الرجل الخمسيني، يرى أن تلك “المعونات كالحائط المائل الذي يمكن أن يقع في أي لحظة”، معتبراً أن المعونات رغم سدادها جزءاً من حاجة بعض العائلات، إلا أنها لن تمنع مصاريف أخرى أخدت تزيد من أعباء الأسرة السورية.
يُشار إلى أن كابوس غلاء الأسعار، الذي لاحق ويلاحق السوريين منذ سنوات، عاد مجدداً بقائمة جديدة من الأسعار المرتفعة، ارتبطت بشكل أو بآخر بهبوط الليرة السورية، وإغلاق الكثير من المحلات التجارية خوفاً من الخسارة.
وفيما باتت الحياة اليومية، مثقلةً بالكثير من المتاعب الإضافية لكثيرٍ من السوريين، فإن تخوفاً آخر يخشاه هؤلاء، مع بدء سريان “قانون قيصر” خلال أيام.
إذ ينص “قانون قيصر” على منع التعامل اقتصادياً مع نظام الأسد، وتوريد المواد التجارية له، إلا أنه استثنى في الوقت ذاته استيراد المواد الغذائية والطبية، تحت شروط.
وقال الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، المطلع على تفاصيل “قانون قيصر”، في حديث سابق لـ “السورية نت”، إن الولايات المتحدة سمحت للنظام استيراد المواد الغذائية والطبية الأساسية، على أن يقدم لائحة للأمم المتحدة بالمواد التي استوردها وأسماء الشركات التي اشترى منها.
وأضاف بربندي، أن النظام لن يتبع الآلية السابقة، وسيتذرع بالعقوبات المفروضة عليه لتجويع الشعب، وهذا ما بدأ النظام بالترويج له عبر وسائل إعلامه، مبرراً أزمته الحالية.