ثلاث سنوات مضت كانت فيها المياه غائبة عن مدينة الباب والقرى التابعة لها، في الريف الشرقي لحلب، ما دفع أكثر من 150 ألف مدني للاعتماد على الصهاريج كوسيلةٍ وحيدة لإيصال المياه لمنازلهم؛ وهنا برزت عدة عوائق ارتبطت بالأسعار الباهظة لعملية النقل من جهة، وبالأضرار الصحية من جهة أخرى، على خلفية نقل المياه من صهريجٍ إلى صهريج، دون اتباع قواعد وقائية.
ما سبق كان المسبب الرئيس له سيطرة قوات الأسد والميليشيات المساندة لها، مطلع عام 2017، على محطة الخفسة، الواقعة شرقي الباب؛ ومنذ ذلك الوقت توقف ضخ المياه عن المدينة المكتظة سكانياً، ولاسيما أن آلية تغذيتها سابقاً اعتمدت على المياه من نهر الفرات عبر محطة ضخ موجودة في منطقة عين البيضا قرب مطار كويرس، والتي تغذيها بدورها محطة الخفسة.
لا بدائل عن الصهاريج، وهي وسيلة نقل المياه التي سادت على مدار السنوات القليلة الماضية، حتى تم تنفيذ مشروعٍ مشترك لضخ المياه إلى المدينة، نفذته منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية”، بالشراكة مع المجلس المحلي في الباب والحكومة التركية.
ويهدف المشروع الذي انتهت المنظمة والمجلس المحلي من تنفيذ المرحلة الأولى منه، إلى ضخ المياه إلى المنازل في مدينة الباب وقراها، من خلال خزان المياه في منطقة جبل عزان في محيط المدينة، والذي تم ترميمه بالكامل، إلى جانب جزءٍ من شبكات المياه.
ويعتبر المشروع الأول والأضخم من نوعه في الريف الشرقي لحلب، ويأتي ضمن سلسلة مشاريع يشهدها الريف الكامل لحلب شمالاً وشرقاً، و يرتبط الهدف منها بإعادة البنى التحتية للمنطقة، بشكل كامل، كخطوة للبدء بتقديم الخدمات المحلية التي يحتاجها المدنيون، من ماء وكهرباء واتصالات وغيرها.
البداية من عام 2019
ويقول الناشط حسن الأسمر، وهو من سكان مدينة الباب لـ”السورية.نت”، إن سعر صهريج المياه تراوح في السنوات الماضية بين ثلاثة وأربعة آلاف ليرة سورية، و” جميع سكان المدينة كانوا يعتمدون في السنوات الثلاث الماضية على الصهاريج لتغذية منازلهم بالمياه”، موضحاً أن المياه لا تخضع لأية آلية للتعقيم، وحصلت عدة حالات تسمم على خلفية ذلك.
ويضيف الناشط الإعلامي أن “آلية إيصال المياه بشكل كامل لم تتضح حتى الآن، إلى جانب غياب أسعار التكلفة على المواطنين، والتي لم يحددها المجلس المحلي أو المنظمة المنفذة للمشروع حتى الآن، بينما لم يتم العمل على إصلاح كامل شبكات المياه، والتي تضرر قسم كبير منها، على خلفية المعارك التي شهدتها مدينة الباب في أثناء سيطرة تنظيم الدولة”.
لكن ذات المتحدث، عبّر عن أهمية مشروع ضخ المياه وهو الأول من نوعه في الباب، معتبراً أنه خطوة قد تحل مشاكل المياه لجميع القاطنين في المدينة، من نازحين وسكان أصليين.
و في حديث لـ”السورية.نت” يقول محمد رفاعي، منسق البرامج الميدانية في منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” إحدى مؤسسات “المنتدى السوري”، إن مشروع ضخ المياه إلى الباب بدأ العمل عليه، مطلع عام 2019، حيث “قامت مؤسسة إحسان بإعداد دراسة لتغذية المدينة والمناطق المحيطة والبالغ عدد السكان فيها حوالي 150 ألف نسمة”، مشيراً إلى أنه “تم التنسيق مع الحكومة التركية/DSI مؤسسة المياه، وتم اعتماد بدائل للتغذية”.
وتركزت بدائل التغذية، بحسب ما يضيف رفاعي بالآبار الموجودة في منطقة الراعي، إلى جانب بئر في قرية صندي، وآبار موجودة في منطقة سوسيان، وأخرى موجودة في بلدة قباسين.
ويوضح المسؤول في المنظمة بأنه وضمن الدراسة تم الاتفاق على “تأهيل الآبار وتجهيز محطات للضخ ضمن كل موقع، وربطها عبر شبكة من أنابيب البولي إيتلين، على أن يتم وصلها لخط رئيسي قادم من الراعي، باتجاه الخزان الرئيسي في الباب في جبل عقيل، الذي يغذي مدينة الباب والقرى المحيطة”.
على ثلاث مراحل
بعد تقديم دراسة المشروع والاتفاق على النقاط الأولية المرتبطة بتنفيذه، اتجهت المنظمة إلى تنفيذ الجزء الخاص بها في شهر يونيو/حزيران 2019، وانتهت منه في نهاية عام 2019، وبحسب رفاعي فإن المنظمة تولت تنفيذ ثلاث مراحل في المشروع:
المرحلة الأولى كانت لتأهيل وترميم خزان جبل عقيل في مدينة الباب، وتضمن ما سبق إصلاح سقف الخزان، وعملية إكساء كاملة وتحسين الموقع.
وتبلغ سعة الخزان 10000 متر مكعب، كما تم تزويده بمضخات كلور ومنظومة طاقة شمسية لتشغيلها.
أما المرحلة الثانية، يضيف رفاعي أنها بدأت بإنشاء محطتي ضخ في بلدة قباسين، إضافةً لبناء خزان تجميعي بسعة 100 متر مكعب، وتجهيز 5 آبار بالغاطسات وكافة المستلزمات، وربطها بخزان التجميع، ومن ثم مد خطوط بولي إيتلين (بطول 9000 متر تقريباً) من الخزان إلى خط الشبكة الرئيسية المغذي للبلدة، والقادم من مدينة الباب من خزان جبل عقيل.
وأنشأت المنظمة أيضاً محطة ضخ في سوسيان- (منطقة المقالع)، وجهّزت بئرين اثنين بالمضخات وكافة المستلزمات، وبعدها ربطت البئرين عبر خط بولي إيتلين بخزان تجميعي في سوسيان بطول 3500 متر تقريباً.
المرحلة الثالثة من المشروع، وفق رفاعي، فقد جُهزت خلالها “إحسان للإغاثة والتنمية”، محطة ضخ في قرية صندي مع خزان تجميعي بسعة 100 متر مكعب، كما جهّزت بئراً واحداً بالغاطسات وكافة المستلزمات، ومدت فرقها خط بولي إيتلين لتغذية قرية صندي، وخط آخر يصل لخزان تجميعي في قرية تل بطال بطول 16000 متر تقريباً، إضافةً لخط يغذي قرية صندي بطول 6000 متر.
إجراءات إسعافية
بالتزامن مع هذه المراحل، اتجه المجلس المحلي في مدينة الباب، لتنفيذ مراحل أخرى، كإجراءات إسعافية لإيصال المياه إلى مدينة الباب في أقصر وقت ممكن.
رئيس المجلس المحلي للباب، المهندس جمال عثمان يقول إن المشروع تم تنفيذه على مدار عام، من يونيو/حزيران 2019 وحتى يونيو/حزيران 2020، وهو الموعد الذي استلم فيه المجلس كامل التجهيزات بشكل مبدأي.
ويوضح عثمان لـ”السورية.نت” أن “محلي الباب” أنشأ خزانيين ضمن المدينة، سعة الخزان الواحد 2000 برميل، كإجراء إسعافي لحل مشكلة المياه، وهي خطوات تلت الانتهاء من التجهيزات الخاصة بمنظمة “إحسان”.
وبحسب عثمان، فإن المجلس يعمل حالياً على صيانة الأعطال، بعد عملية الضخ إلى شبكة المياه، مشيراً إلى أنه ومع بداية الشهر الحال ستنتهي عملية صيانة الشبكة بشكل كامل.
وتعاني مدينة الباب من سوء شبكات المياه، وتضررها بشكل كبير، على خلفية العمليات العسكرية التي شهدتها، في أثناء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها، الأمر الذي قد يحوّل دون وصول المياه إلى جميع منازل المدنيين قريباً.
لكن عثمان يشير إلى أن المجلس يعمل على صيانة الشبكات بشكل كامل، وتجريبها في أثناء عمليات الضخ الأولى.
ويوضح أن الدراسة الخاصة بالمشروع تقوم على تعبئة خزان جبل عزان الرئيسي كل يوم، بقرابة 50000 ألف برميل، ليتم فيما بعد ضخها على فترات إلى المدينة، لافتاً إلى أن “الخطة التي وضعت ترتكز على أن تصل المياه مرة واحدة كل خمسة أيام بشكل دوري”.
بينما يقول مسؤول البرامج الميدانية في “إحسان”، محمد رفاعي، إن “الشبكة شبه جاهزة للعمل وفق المجلس المحلي، وبحاجة لبعض أعمال الصيانة، والتي ستتم أثناء عمليات الضخ التجريبي”.
ويضيف رفاعي: “تم صيانة الخط الرئيسي للمدينة، وتقديم سُكرين(مُفتاحين) بأقطار 400 و 700 مم لقسم الشبكة في المدينة لقسمين”.
ويمكن تقسيم المشروع إلى قسمين، حسب رفاعي: الأول يعتمد على 5 آبار، تغذي بلدة قباسين، أما القسم الثاني فيعتمد على 13 بئراً تغذي مدينة الباب وبلدة بزاعة.
ماذا عن التكلفة؟
على الرغم من الخطوات المتسارعة للبدء بعمليات الضخ التجريبي إلى مدينة الباب، إلا أن آلية وصول المياه إلى المنازل، والمقابل الذي سيدفعه الأهالي لايزال غير محدداً حتى اليوم، ولاسيما أن الخدمات الأخرى التي تقدمها المجالس المحلية في ريف حلب، من اتصالات وكهرباء كان لها رسوم مسبقة وآلية واضحة.
ومن المتوقع أن تصل حصة الفرد في الباب من المياه يومياً بين 35-40 لتر يومياً في حال عدد ساعات ضخ 8 ساعات يومياً، وفق المسؤول في منظمة “إحسان”، محمد رفاعي، وفي حال مضاعفة عدد ساعات الضخ يمكن مضاعفة حصة الفرد من المياه.
ويوضح رفاعي أنه وعند الانتهاء من أعمال التنفيذ، نفذت “إحسان” ورشات تدريب لعمال ومشغلي المحطات حول آليات التحكم والتشغيل والصيانة، إضافةً لآليات الجباية المفترض العمل عليها، لضمان استمرار الضخ بعد انتهاء فترة الضخ اليجريبي.
في حين يقول رئيس مجلس الباب، جمال عثمان إنه تم دراسة أكثر من مقترح، حول عملية الجباية.
ويضيف عثمان: “المقترح المناسب هو تركيب عدادات مسبقة الدفع، يقوم المجلس بتركيبها إلى المشتركين، كما هناك مقترحاً على تقسيط ثمن العداد على الفاتورة”.
وبشكل وسطي ستكون حصة كل مشترك من المياه 50 برميلاً شهرياً بشكل تقريبي، ووفق عثمان “المياه التي ستضخ ستكون نظيفة وصالحة للشرب”.