ضرب إيران لمفاوضتها
لم تنته سلسلة “الحوادث” في الداخل الإيراني، وآخرها حريق محطة الطاقة في أصفهان. طبعاً، الضربة الأساسية إلى الآن هي مفاعل “نطنز” التي أعلنت السلطات الإيرانية أخيراً أن الانفجار فيها جاء نتيجة اعتداء سيبراني نفذته الولايات المتحدة وإسرائيل.
والقول إن الإعتداء سيبراني فحسب، كما جاء على لسان رئيس منظمة الدفاع المدني الإيرانية غلام رضا جلالي يوم أمس، يرفع المسؤولية عن الجانب الإيراني ويُحملها للخارج، رغم أن هذا المفاعل تعرض لإعتداء مماثل سابقاً (عام 2010). حينها، رجّح خبراء أن يكون الهجوم مزيجاً بين عمل داخلي يتمثل بزرع جهاز بالنظام الخاص بالمفاعل، واعتداء سيبراني لاحق. بكلام آخر، الهجوم هجين، ويشمل، إلى جانب الاعتداء السيبراني المذكور والمُحتفى به، عملاً استخباراتياً نفذته عناصر إيرانية داخل المفاعل. والحقيقة أن حديث جلالي عن كون الاعتداءات الأخرى في محطات الطاقة ومرفأ إيراني، غير سيبرانية، ما يضعها في خانة “غامضة”، يُوحي بأن ضربات استخباراتية بأيدٍ إيرانية استهدفتها.
لكن من الصعب على الجانب الإيراني، أن يعترف بمثل هذا الإعتداء، إذ يُوحي باختراق عميق هو حاصل حتماً، كما يُؤسس لحالة تخبط وشكوك قد تطيح بقيادات أساسية، وهي حالة تُريدها الولايات المتحدة وإسرائيل.
ذاك أن المفاعل النووي الإيراني غير متصل بالإنترنت، وبالتالي من الضروري زرع جهاز في الشبكة الإيرانية الداخلية للمفاعل، قبل تدميره من الداخل في هجمة سيبرانية مُعقدة. وحقيقة أن الجانبين الأميركي والإسرائيلي نفذا عمليتين من هذا الصنف وعلى هذا المستوى من التعقيد والسرية في غضون عقد واحد، علامة على ديمومة عناصر الإختراق.
السؤال هو متى تتوقف الهجمات على البنية التحتية الإيرانية (نووية وخلافها)؟
الواقع أن السلطة في إيران غير قادرة على وقف هذا النزيف، سيما أن الاعتداءات متواصلة ونحن أمام سلسلة لو استُكملت ستُعيد البلاد عقوداً للوراء، وليس سنة أو سنتين، على صعيد البنية التحتية والبرنامجين النووي والصاروخي.
لهذا السبب، وصف جلالي الاعتداء الذي نسبه إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، “بمثابة إعلان حرب”. هي حرب لا تحتاج الولايات المتحدة أو اسرائيل إلى نشر جنود أو طائرات من أجل تنفيذ مآربها، بل يكفي تجنيد إيرانيين في الداخل لتفجير مواقع حساسة وضرب البنية التحتية للبلاد وتعطيل البرنامج النووي وتأخيره سنوات. وهذه الاعتداءات ستنتهي مع انهاك الجانب الإيراني بقائمة طويلة من الخسائر.
ليس مثل هذا العمل الأمني بعيداً عن السياسة. ذلك أن اعتداءات عديدة مماثلة سبقت المفاوضات الأميركية-الإيرانية في شأن الملف النووي، أي تلك التي انتهت باتفاق عام 2015. واستهدفت الهجمات حينها البرنامج النووي والعلماء العاملين فيه، وأنهكت الجانب الايراني بحرب داخلية لوقف هذا النزيف.
ومن المتوقع أن يلوذ الجانب الإيراني بالصمت، أي من دون رد علني وفاضح، بانتظار انتخابات الرئاسة الأميركية في الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. حينها، وفي حال فوز ترامب بولاية ثانية، لن تدق الساعة على قنبلة المشروع النووي الإيراني على طاولة المفاوضات، وسيكون الإيراني هو الأكثر عُرضة للتنازل أمام الطرف المقابل. الحرب السرية هي استكمال لعملية الخنق الاقتصادي، وستسحب أوراقاً ساخنة من أيدي الطرف الإيراني.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت