“كورونا” في دمشق..قصصٌ تناقض الرواية الرسمية واحتمال عودة الحظر
رغم أن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة في حكومة النظام، ما زالت تراوح عند 584 إصابة و35 وفاة بفيروس “كورونا” المستجد، حتى عصر اليوم الجمعة، فإن الشارع السوري، في مناطق سيطرة النظام، بدأ استشعار حجم الخطر الذي تحمله الجائحة العالمية، مع تداول الناس يومياً للوقائع التي يعاينوها حولهم، ضمن دائرة المعارف الضيقة المحيطة بهم، والتي تكشف أن الفيروس يتفشى بشكل أكبر بكثيرٍ من الأرقام الرسمية.
إذ يسود قلق وترقب بين المواطنين في مناطق سيطرة النظام، حول ما تحمله لهم الفترة المقبلة، في ظل غياب الإجراءات الوقائية اللازمة، وضعف المنظومة الطبية في تلك المناطق، وعجزها عن احتواء أزمة “كورونا”، التي بدأت تتفاقم ويزداد عدد ضحاياها خلال الأيام القليلة الماضية.
لا عزاء للمتوفين والدفن في نجها
في وقت أعلنت فيه وزارة الصحة في حكومة الأسد، أمس الخميس، عن ارتفاع عدد الإصابات بفيروس “كورونا” في مناطق سيطرته إلى 584 إصابة، توفي منها 35 وشفي 174، يتحدث الشارع السوري عن عدد يفوق الأرقام المُعلنة بكثير، حتى بات يُطلب من المصابين التزام منازلهم بسبب اكتظاظ المستشفيات بمصابي “كورونا”.
رحاب، فتاة تعيش في دمشق، روَت لموقع “السورية نت” قصة خالها الذي توفي قبل أسبوع متأثراً بإصابته بفيروس “كورونا”، بقولها إن خالها (57) عاماً، عانى بشكل مفاجئ من حرارة مرتفعة وضيق تنفس وألم في المعدة وإقياء مستمر، ثم فقد بعدها الوعي تماماً ليتم نقله إلى أقرب مشفى في حي المزة الذي يسكنه.
وتضيف رحاب (23 عاماً) أن إدارة المشفى أبلغت ذويه بضرورة نقله إلى مشفى ابن النفيس بحي ركن الدين، وهي مشفى تم تجهيزها من قبل وزارة الصحة لاستقبال المصابين بـ “كورونا”، حيث بقي خالها في العناية المشددة مدة 4 أيام دون تحديد سبب مرضه، قبل أن يلفظ آخر أنفاسه.
عقب ذلك، قالت ابنة اخته، إن إدارة المشفى رفضت تسليم جثمانه لذويه، معللة ذلك بضرورة إجراء اختبار “كورونا”، حيث بقي في براد المشفى مدة 3 أيام لحين ظهور نتائج التحليل، بحسب ما قالت رحاب، مشيرة إلى أن النتائج كانت إيجابية، ما يعاني إصابته بالفيروس المستجد.
وتابعت: “رفضت إدارة المشفى تسليم الجثمان للعائلة، حيث تم دفنه في مقبرة نجها بريف دمشق، بمرافقة فريق مختص واثنين من ذويه فقط، للاستدلال على مكان قبره”، مضيفة أن عائلته تلقت تعليمات بمنع إقامة عزاء له، وضرورة التزام الأفراد المخالطين له منازلهم مدة 14 يوماً.
تشير رحاب إلى أن خالها كان يعاني بالأساس من مرض السكر والضغط، إلا أن وضعه الصحي كان مستقراً خلال الفترة الأخيرة، حيث جاء خبر وفاته صادماً للجميع، على حد تعبيرها.
إجراءات غائبة والرعاية في المنزل
إلى جانب ذلك، يروي الشاب الدمشقي علاء قصة وفاة جدته (75 عاماً) بفيروس “كورونا” وانتقال العدوى إلى اثنين من أبنائها، حيث راجعت الجدة المشفى الشهر الماضي بغرض إجراء عملية جراحية في الرئتين، ثم خرجت عقب ذلك إلى منزلها، لتعاني بعد أسبوعين من سعال حاد وحرارة مرتفعة.
وحين راجعت المشفى مجدداً في منطقة الزاهرة القريبة من حي الميدان، تم نقلها إلى مشفى ابن النفيس، حيث أجرى الأطباء لها اختبار “كورونا” وكانت نتيجته إيجابية، حسبما قال علاء لـ”السورية نت”، مشيراً إلى أنها بقيت في العناية المركزة مدة 10 أيام ثم توفيت، ودُفنت أيضاً في مقبرة نجها.
وأضاف الشاب (28 عاماً)، أن عمه وعمته ظهرت عليهما أعراض مشابهة عقب أيام على إصابة والدتيهما، إلا أن أمورهما مستقرة نسبياً، حيث نُقل عمه (47 عاماً) إلى مشفى المجتهد، فيما طُلب من عمته (43 عاماً) تلقي الرعاية الصحية داخل منزلها، لأن إصابتها خفيفة.
ويروي شهود أعيانٍ آخرين من دمشق، أن عدة أفراد من عائلاتهم أصيبوا مؤخراً بالفيروس، وهي روايات أظهرت مدى الفجوة بين الرواية الرسمية التي يتحدث عنها النظام وبين حقيقة ما يجري، الأمر الذي رفع حدة الانتقادات الموجهة لحكومة النظام، بسبب غياب الاجراءات الوقائية.
حيث اتخذت حكومة نظام الأسد، في 25 مايو/أيار الماضي، قرارات تتعلق بتخفيف بعض الإجراءات التي فرضتها في مارس/ آذار الماضي لمنع تفشي “كورونا”، منها إلغاء حظر التجول الليلي المفروض بشكل كامل، والسماح بالتنقل بين المحافظات، وعودة وسائل النقل الجماعي.
كما مدّدت فترة فتح المحلات والأسواق التجارية لتصبح من الساعة الثامنة صباحاً حتى السابعة مساءً خلال فصل الصيف، ووافقت على إعادة افتتاح المنشآت السياحية جميعها، بما فيها المتنزهات والمطاعم، في إطار معايير تخص طواقم العمل ورواد المنشآت.
بوادر حظر قريبة
رغم كل الوقائع التي تُسجل يومياً في الشارع السوري، خاصة في محافظة دمشق ومحيطها، عن الانتشار الكبير لفيروس “كورونا” في الأسابيع القليلة الماضية، إلا أن نظام الأسد لا يتحدث في روايته الرسمية أبداً عن هذه الزيادة الملحوظة، فيما لا تزال وسائل إعلامه تشيد بكفاءة وقدرة المنظومة الصحية، على إدارة الأزمة التي هي “تحت السيطرة” حسب الرواية الرسمية.
مع ذلك، أعلنت وزارة الأوقاف في حكومة النظام، أول أمس الأربعاء، تعليق صلاة عيد الأضحى في مدينة دمشق وريفها، إضافة إلى عدد من الإجراءات، مرجعة الأمر إلى “ارتباطها ببعض العادات الاجتماعية المؤدية للتزاحم”.
كما علقت الوزارة “كافة الدروس والمجالس وحلقات التدريس الديني، وأنشطة معاهد الأسد في مساجد دمشق وريف دمشق حتى إشعار آخر”، إضافة إلى إغلاق كافة صالات التعزية والأفراح التابعة للوزارة حتى إشعار آخر.
بموازاة ذلك، أصدرت وزارة السياحة التابعة للنظام تعميماً إلى مديرياتها في المحافظات، أمس الخميس، ويتضمن إغلاق كافة صالات المناسبات الاجتماعية والأفراح المغلقة، ومنع إقامة أي حفلات فنية (خطوبة – أعراس…) في منشآت الإطعام السياحية المغلقة (مطاعم – صالات شاي – كافيتيريات…)، والالتزام بشروط نسبة الإشغال القصوى 50%.
وتسود توقعات بين المواطنين أن تعود إجراءات حظر التجول جزئياً، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها الفيروس بشكل أكبر، حيث تركزت الإصابات في دمشق وريفها، وحلب والسويداء، وصولاً إلى مدينة طرطوس، ودرعا جنوبي سورية، حسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة.