الاعتداء الاميركي الموصوف على طائرة الركاب الايرانية في سماء سوريا الخميس الماضي، لدى توجهها الى بيروت، لن يكون سبباً لحرب تلوح في الافق اللبناني، تستدعيها وتشتهيها كل من إسرائيل وأميركا هذه الايام، بل يمكن ان يصبح دافعاً لتفاديها.
لعلها مجرد أمنية: الإنتهاك الاميركي الفظ لذلك الخط الاحمر الواهي المتمثل بالتعدي المعلن على هدف مدني مرئي وواضح المعالم، يبعد المواجهة عن خطوط القتال التقليدية، ويشرع التعرض للاهداف المدنية، على إختلاف أنواعها ومواقعها، البرية والجوية والبحرية، ويزيل آخر المحرمات والقيود التي كانت تحكم أي صراع.
صحيح أن ما يدور بين أميركا وإيران لم يكن يوماً مواجهة عسكرية تقليدية مباشرة، بل كان على الدوام حرباً باردة يخوضها الوكلاء عن البلدين، أو التقنيون المتمرسون في الحرب الالكترونية، على نحو ما يجري في الداخل الايراني من تفجيرات وحرائق وعمليات تخريب لمنشآت حيوية، بعضها مدني.. من دون المس المباشر برحلة طيران مدني، حتى ولو كانت لشركة “ماهان” الايرانية التي وصفها الاميركيون أكثر من مرة بأنها “الناقل الرسمي لفيروس كورونا” من الصين الى إيران، ومنها الى بقية أنحاء الشرق الاوسط، او بأنها الناقل الرئيسي لصواريخ حزب الله..
تبنى الاميركيون الاعتداء، من دون أن يعتذروا على الاقل عن التسبب بجرح عدد من الركاب المدنيين..ومن دون أن يلمحوا الى أن غايتهم هي منع رحلات تلك الشركة، الخاضعة في الاصل للعقوبات الاميركية، الى لبنان وسوريا. هو مجرد حادث عرضي، إحتكاك عابر، نجم حسب تعبيرهم، عن خطأ إرتكبه الطيار الايراني عندما حلق في اجواء قاعدة التنف الاميركية!
لكن التقدير مختلف، لدى طهران وحزب الله. او هذا ما يبدو حتى الآن. الاعتداء جزء من مسار صدامي متصاعد بدأ مع إغتيال قاسم سليماني في مطلع هذه السنة، وتطور في العمليات الامنية (الالكترونية) المتلاحقة داخل إيران، والتي كانت ذروتها في تعطيل مفاعل نطنز النووي، فضلا عن العمليات العسكرية الاسرائيلية المكثفة في سوريا على مدى الشهور السبعة الماضية، والتي كانت آخرها الضربة الموجعة على مطار دمشق ومحيطها.
إزاء هذا المسار، تحلت طهران وحزب الله ب”رباطة جأش” غير مألوفة، حتى الآن على الاقل، ولم يستدرجا الى مواجهة مكشوفة، أو الى توجيه ضربات إستعراضية أو إنفعالية على غرار تلك جرت في آب أغسطس من العام الماضي من جنوب لبنان، او تلك التي إستهدفت قاعدة عين الاسد الجوية الاميركية في العراق بعيد إغتيال سليماني. هذا السلوك لا يشي بأن الجانبين على وشك الاعتراف بالهزيمة أمام تلك الحملة العسكرية والامنية (والسياسية) الاميركية والاسرائيلية الواسعة النطاق.
ومن هذه الزاوية يمكن ان يبدو أي رد من جانب حزب الله على مصرع أحد عناصره في الغارة الاسرائيلية الاخيرة على دمشق، سواء كان بإطلاق النار أو القذائف المضادة للدبابات، حسب تقدير أخير للقيادة الاسرائيلية، مجرد مزاح أو هامش صغير في سياق الرد على الحملة الأشمل التي يديرها الاميركيون والاسرائيليون الان والتي يعتبرونها الصراع النهائي والأخير مع إيران.
أجواء الحزب وأصداء طهران، لا توحي بأن مثل هذا الرد الشكلي ما زال وارداً، وهو بالتأكيد لن يكون مؤثراً ولا كافياً، إذا نفذ فعلاً. لكن بديله لن يكون السكوت على الألم ، والإدعاء بأن شيئاً لم يحصل.. بل السعي بكل السبل الاخرى، غير التقليدية، من أجل وقف حملة أميركية إسرائيلية ضارية لم يسبق لها مثيل.
بعض هذا التقدير الآنف، مبني على رغبة دفينة في أن تظل جبهة الجنوب هادئة، لا يخرقها أي رد إستعراضي، يشفي غليل بعض جمهور الحزب والقيادة الايرانية، لكنه يحرك في المقابل مواجع بقية اللبنانيين الذين يقفون على عتبة أشكال أخرى من الموت البطيء، ولا يودون التسرع ولا التهور.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت