ليس إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم أمس، أن مستقبل لبنان يُصنع في هذه الأيام، بعيداً عن الواقع، ذلك أن زيارته بيروت ولقاءاته فيها وما تلاها من لقاءات وقرارات، فتحت كُوة في جدار صلب.
تتمثل هذه الكوة باتفاق القوى السياسية الرئيسية (باستثناء الثورية منها) على تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة شخصية تُشرف على انتخابات نيابية مبكرة. على عكس حكومة الجهبذ حسان دياب، ستحظى التركيبة الوزارية الجديدة بدعم دولي وزخم غير مسبوق منذ بدء الأزمة الاقتصادية والمالية الحالية. كما ستُمثل الانتخابات المقبلة محطة مهمة لإعادة تشكيل برلمان بصيغة مختلفة عن تلك التي جاءت بها عملية الاقتراع عام 2018.
لكن وفيما تتبلور صيغة هذا الاتفاق، ويسلك طريق الحل، علينا التأمل بثلاثة مسارات أو انعكاسات لما حصل في لبنان خلال الأسبوع الماضي.
أولاً، من اللافت أن الدور الفرنسي والقوى الأساسية الداعمة له عربياً، ليس بعيداً عن الاصطفافات الدولية-الاقليمية في الصراع الليبي، مع بعض التفاوت. ذاك أننا اليوم أمام مشهد متناسق للسياسات الإقليمية على حوض المتوسط. ولا بد أن يُواصل هذا الدور الفرنسي تبلوره، وليس من المستبعد أن تتشكل معارضة محلية له وللتركيبة الناجمة عنه، تُلاقي الجانب الآخر اقليمياً. بكلام آخر، ليس الدور الفرنسي تدخلاً طارئاً، بل يُمثل تغيراً في الإقليم لن ينتهي مع هذه المبادرة.
ثانياً، مثل هذا الاتفاق، لو رأى النور كما هو مرجح، يأتي في أعقاب صدمة التفجير وانعكاساته محلياً وخارجياً، ولكن أيضاً بعد مراجعة ذاتية داخل “حزب الله”، مدفوعة بالوقائع على الأرض وصعوبة الاستمرار بالصيغة الحالية. ذلك أن التنظيم دفع من شعبيته أثماناً باهظة نتيجة البقاء في الواجهة، والتحالف مع قطبين أساسيين في السلطة هما “التيار الوطني الحر” وحركة “أمل”. كان رهانه السياسي خاسراً. لهذا السبب، يُعتبر القبول بالتنازل عن الحكومة الجديدة وبانتخابات نيابية مبكرة، تبدلاً جذرياً في سياسة التنظيم، بما يقتضي تغييراً داخل منظومة الحزب نفسها. لهذا تتردد في الأوساط السياسية أنباء عن إبعاد رئيس لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا ونائبه بصفتيهما عرابي المرحلة الماضية، إذ حاكا سجادة الصفقات التي رست عليها الحكومة الحالية. ومثل هذا التغيير، في حال اكتماله، يُنبئ بنهاية تفاهم مار مخايل عام 2006، والسياسة النابعة منها.
ثالثاً، يتناغم الحديث المتزايد عن انتخابات نيابية مبكرة، مع ما ذكره الرئيس الفرنسي عن إحداث تغيير في البلاد. بيد أن ماكرون ليس في صف ثوار 17 تشرين الأول (أكتوبر)، ولا التغيير الشامل الذي يطالبون به، بل تحدث بواقعية عن حكومة وفاق وطني، وهو بالتالي يطمح لإيجاد مخرج من ضمن التركيبة الحالية مع تعديل في توازناتها.
هذه الانتخابات المبكرة ستخلط الأوراق على الساحة السياسية، ولكن من ضمن التركيبة الحالية، ومع “رشة بهارات” من القوى المستقلة، إلا في حال حصول تبدل جذري في أداء مجموعات الثورة واتجاهها للائتلاف.
لكن لا شك في أن الخاسر الأكبر في أي انتخابات مبكرة سيكون “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، سيما في ظل ترجيح اعتماد قانون أكثري على مستوى القضاء، ما يعني حتماً خروج صهر الرئيس من البرلمان، علاوة على طحن كتلته النيابية.
وحقيقة ذهاب “حزب الله” في هذا الاتجاه يطرح تساؤلات حيال مستقبل تحالفه مع حركة “أمل”، وعمّا إذا كان سيطرأ تغيير في هذا المجال، في ظل الانتقادات المتزايدة في أوساط أنصار الحزب وبيئته. كل هذا رهن الانتخابات المقبلة وبرنامج حملاتها وسردياتها.
يبقى أن تفجير يوم الثلاثاء الماضي أطاح بشكل التركيبة السياسية، من دون القضاء عليها، على أن تطل علينا بحلة جديدة برعاية فرنسية خلال الأسبوعين المقبلين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت