شحنات مخدراتٍ مصدرها سورية: ما احتمالية أن يكون نظام الأسد “مهندساً” أو “ميسراً”؟
“شحنة مخدرات قادمة من سورية” عبارة طالما تكررت، وسمع صداها، خلال الأشهر الماضية، ليس عبر الإعلام العربي فقط، وإنما في وسائل إعلام غربية.
من مصر والسعودية وصولًا إلى اليونان وإيطاليا ورومانيا، دول وصلتها ملايين الحبوب المخدرة بقيمة مليارات الدولارات، وبلد المصدر لهذه الشحنات كانت سورية، في ظاهرة لم تحدث بهذا الحجم من قبل.
وقد تكون ازدياد تجارة المخدرات من مفرزات الحرب خلال السنوات الماضية التي ازدهرت فيها التجارة غير الشرعية، سواء بدعم النظام ومعرفته أو بتسهيلها، بهدف الحصول على القطع الأجنبي بعد تدهور القطاع الاقتصادي وتراجع قيمة الليرة السورية ووصولها إلى مستويات قياسية.
دول وصلتها المخدرات السورية
في 2 سبتمبر/ أيلول، أعلنت السلطات الرومانية اكتشاف شحنة مخدرات، وصفتها “بأكبر شحنة في تاريخها”، في ميناء مدينة “كونستانتا”، قادمة من ميناء اللاذقية، الخاضع لسيطرة النظام.
وحسب السلطات الرومانية فإن الشحنة عبارة عن 1480 كيلوغرامًا من مادة الحشيش، و751 كيلوغرامًا من حبوب “الكبتاغون” المخدرة (4024250 حبة)، بقيمة قدرت بنحو 60 مليون دولار، مخبأة بين عبوات من الورق المقوى ومنتجات الطلاء وصابون الغار.
وأكدت السلطات في بوخارست، أنها أكبر عملية ضبط لحبوب الكبتاغون والحشيش في تاريخ الشرطة الرومانية، وتم ضبطها بالتعاون مع إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية، معلنة فتح تحقيق للبحث عن أشخاص رومانيين متورطين في نقل المواد المخدرة.
ولم تكن رومانيا البلد الأول الذي تصل إليها المخدرات من سورية، إذ سبقها العديد من الدول، كان أولها اليونان عندما ضبط خفر السواحل اليونانية، في يوليو/ تموز العام الماضي، ما وصفها بـ”أكبر شحنة في العالم من حبوب كبتاغون المنشطة قادمة من سورية”، تتجاوز قيمتها نصف مليار يورو.
وقالت السلطات اليونانية حينها إن خفر السواحل وقوات مكافحة المخدرات، ضبطا ثلاث حاويات قادمة من سورية مملوءة بالحبوب المنشطة، بلغ عددها 33 مليون قرص، مما سيحرم الجريمة المنظمة من عائدات تفوق 587 مليون يورو (660 مليون دولار).
وعقب ذلك، وفي فبراير/ شباط الماضي، أعلنت شرطة دبي في الإمارات العربية المتحدة، ضبط 35 مليون و755 ألف قرص كبتاغون تزن 5 أطنان و656 كيلو و166 جراماً وإلقاء القبض على 4 أشخاص، قادمة من ميناء اللاذقية إلى ميناء جبل علي.
كما أعلنت السلطات المصرية، في 13 أبريل / نيسان الماضي، إحباط محاولة تهريب 4 أطنان من مادة الحشيش، مخبأة داخل علب حليب مغلقة من نوع “ميلك مان” العائدة لرامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي نفى علاقته بالأمر في تصريح لجريدة “الإخبار” اللبنانية.
وفي 27 من الشهر نفسه، أعلنت المديرية العامة لمكافحة المخدرات السعودية، ضبط أكثر من 19 مليون قرص مخدر من نوع “إمفيتامين”، أُخفيت في عبوات مشروب عشبة “المتة” من نوع “خارطة”، قادمة من سورية.
وآخر هذه الشحنات كانت في يوليو/ تموز الماضي، عندما أعلنت السلطات الإيطالية مصادرة 14 طناً من الحبوب المخدرة، بما فيها 84 مليون حبة كبتاغون بقيمة مليار يورو.
وعلى الرغم من إعلان السلطات الإيطالية حينها أن الشحنة من إنتاج “تنظيم الدولة” في سورية، الذي نفى ذلك عبر منصاتٍ إعلامية موالية له، إلا أن صحيفة “دير شبيغل” الألمانية أوضحت، حسب تقرير لها، بأن سامر كمال الأسد، عم رئيس النظام، بشار الأسد، هو من يقف وراء الشحنة.
ضرر بالمنتج واستفادة قليلة
تزايد الشحنات المخدرة، خلال الأشهر الماضية، طرح إشارات استفهام من قبل مراقبين، حول سبب ازديادها وأهدافها، إلى جانب احتمالية استفادة نظام الأسد، الذي يلتزم الصمت تجاه ما يتم تداوله عبر الإعلام واتهامه بالمسؤولية عن الشحنات، منها وخاصة في توفير القطع الأجنبي، لكن السؤال يبقى هل النظام مسؤولًا بشكل مباشر أم ميسر لها؟
الباحث الاقتصادي، مناف قومان، اعتبر أنه على الرغم من حاجة النظام للقطع الأجنبي، سواء مصدره من مخدرات أو تجارات غير مشروعة أو فرض رسوم على المواطنين أو من خلال رسوم الجوازات، إلا أن نظام الأسد لا يتحكم بتجارة المخدرات أو ينظمها ويشرف عليها.
وأوضح ذت المتحدث وهو باحث مساعد في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، أن النظام لا يمكن أن يتبنى هذ النوع من التجارة، لأنها تدينه أمام المجتمع الدولي كونه يشرعنها، لكنه قد يسمح بها ويستفيد منها عبر أشخاص في “الحديقة الخلفية”.
وقال قومان إن النظام خلق السنوات الماضية، من خلال السياسات العسكرية وبيئة الحرب، مافيات وتجارة غير مشروعة، وأدى ذلك إلى ازدياد تجار الأزمات والحروب هم “الحديقة الخلفية” له، يعتمد عليهم في أوقات الأزمات.
لكن رغم ذلك فقد نظام الأسد السيطرة على هؤلاء التجار بسبب فوضى الحرب الموجودة، وأصبحوا قادرين على اتخاذ القرار دون العودة إلى رأس النظام لأخذ الموافقة، إلا أن النظام مستفيد بشكل أو بآخر من هذه التجارة من خلال السماح لها بالاستمرار، وهدفه في النهاية الحصول على القطع الأجنبي سواء من تاجر مخدرات أو تاجر أغذية.
وفي ظل الواقع الاقتصادي المتردي الذي يعصف بحكومة الأسد، جراء عدة عوامل أبرزها تراجع الإنتاج والتصدير والعقوبات الاقتصادية الأمريكية بموجب قانون “قيصر”، فإن النظام قد يلجأ إلى تجارات غير مشروعة للحصول على القطع الأجنبي.
لكن تجارة المخدرات لا يمكن أن تسد حاجة البلاد من الدولار ولا يمكن لبعض الملايين أن تكفي، إضافة إلى أن التجارة حالياً في نطاق ضيق، ولم تصبح سورية مثل البلدان المشهورة بتجارة المخدرات والتي تعتمد عليها في دخلها، حسب قومان.
غير أن الضرر الأكبر من هذه الشحنات، سيكون على المنتج السوري وسمعته، وفقاً لذات الباحث، الذي اعتبر أن الدول التي تلقي القبض على شحنات مخدرة قادمة من سورية، لا شك تعمم ذلك على كافة الدول في العالم، ما سيؤدي إلى التشديد على المنتجات السورية.
كما اعتبر أن وضع المخدرات في منتجات سورية، مثل علب المتة والصابون الحلبي المشهور كما كان في الشحنة الأخيرة في رومانيا، سيجعل المنتجات السورية غير مرحب بها.