أيام قليلة تفصل سورية عن الذكرى السادسة للتدخل العسكري الروسي إلى جانب نظام الأسد، والذي يعتبر المحطة الفاصلة التي غيّرت الخريطة العسكرية على الأرض وقلبتها رأساً على عقب، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام موسكو، للتوغل في كافة المجالات والقطاعات، أبرزها القطاع الاقتصادي، الذي باتت تمسك مفاصله بشكل محكم.
منذ عام 2015 سارت موسكو في سورية باستراتيجية على عدة مراحل، أولها كان تغيير الخارطة العسكرية على الأرض لصالح نظام الأسد على حساب فصائل المعارضة، لتتبعها بتحركات في الملف الاقتصادي والسياسي، والذي حاولت الإمساك به أيضاً، من خلال مساري “أستانة” و”سوتشي”، ورغم أن محاولاتها مستمرة حتى الآن، إلا أنها تصطدم بعراقيل تضعها الولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول أوروبية.
ولم يكن التدخل الروسي بالمجان، فرئيس النظام السوري، بشار الأسد، يدفع، يوماً بعد يوم، فاتورة تثبيته من جيب سورية وثرواتها، والزيارة الأخيرة للوفد الروسي إلى دمشق والمشاريع التي تم الإعلان عنها ما هي إلا خطوات تصب في ذلك.
وكان اللافت في زيارة الوفد الروسي التركيز على 40 مشروعاً اقتصادياً روسياً في سورية، في إطار عملية إعادة الإعمار، بالإضافة إلى الحديث عن نية موسكو انتشال الأسد من العزلة الاقتصادية المفروضة عليها، وهو أمر طرح عدة تساؤلات عن إمكانية الروس لتطبيق ذلك، ولاسيما أن الاقتصاد العالمي بأسره يرقد الآن في ردهة العناية المركزة.
اقتصاد مريض واستثمارات
في حديث لـ”السورية.نت” يستبعد الدكتور في الاقتصاد والباحث في معهد الشرق الأوسط، كرم شعار أن يستطيع الاقتصاد السوري استعادة عافيته في ظل العقوبات الغربية مهما تمت زيادة الاستثمارات الروسية.
ويقول الباحث: “لهذا السبب، تسعى روسيا جاهدةً إلى الوصول إلى تسوية سياسية حيث وضَّحت الدول الغربية مراراً أنها لن تنازع روسيا في نفوذها الاقتصادي والعسكري في سورية، إذا ما وافقت على إقناع أو إرغام الأسد على أن يغير سلوكه وأن يقبل بتسوية سلمية للصراع”.
ويرى الباحث أن الزيارة الأخيرة للوفد الروسي إلى دمشق “سعت بالدرجة الأولى إلى إرسال رسالة للداخل السوري وللمجتمع الدولي أن روسيا لا تزال تقف بصف الأسد في وجه العقوبات الغربية المتزايدة عليه، وأنها تدعمه في أي تسوية سياسية مقبلةٍ”.
مشاريع لم تر النور
وكانت روسيا قد وقعت مع نظام الأسد عدة اتفاقيات استراتيجية في مجال التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية، واستخراج الفوسفات من المناجم في تدمر، فضلاً عن توريدها القمح لسورية، و الاتفاق مع نظام الأسد على بناء أربع مطاحن للحبوب في محافظة حمص، بكلفة 70 مليون يورو، بمعنى أنها باتت تتحكم في هذه المواد الاستراتيجية.
وبوجهة نظر الباحث كرم شعار، فإن “حجم النفوذ الاقتصادي الروسي في سورية مبالغ به بشكل عام، حيث تم الإعلان عن العديد من المشاريع التي لم ترَ النور سابقاً”.
ويضيف الباحث روسيا لم تحصل على استثمارات ذات أهمية اقتصادية حقيقية في سورية سوى التالية:
– “إس تي جي أنجينيرينغ”: ميناء طرطوس التجاري، والذي يعمل بطاقة أقل بكثير من طاقته الاستيعابية بسبب انكماش الاقتصاد السوري.
– “سترويترانس غاز”: استثمار حقول الفوسفات في الشرقية في البادية السورية، والتي انخفضت طاقتها الإنتاجية بسبب انخفاض الطلب نتيجةً للجائحة العالمية.
– “سترويترانس غاز”: عقد تشغيل لشركة أسمدة حمص.
– “سويوزنفت”: عقد استكشاف نفط وغاز في مياه سورية الإقليمية في حوض المتوسط، حيث لا يُعرف إلى حد الآن وجود احتياطياتٍ مؤكدةٍ للطاقة في تلك المنطقة، وما إذا كانت تكلفة استخراجها اقتصادية في ظل تحول الكثير من الدول لمصادر الطاقة البديلة، وانخفاض أسعار النفط والغاز.
ويعتقد الباحث أن “ما تقوم روسيا بإنفاقه عسكريتً في سورية يتجاوز ما تجنيه اقتصادياً، من عقودها مع حكومة نظام الأسد.
ويشير إلى أن روسيا، وفي الوقت الحالي “تعوِّل على رفع العقوبات الغربية عن نظام الأسد حتى تبدأ بحصد ثمار دعمها العسكري والسياسي له منذ أيلول 2015”.
وفي سياق ما سبق كانت صحيفة “كوميرسانت” الروسية قد نرت مقالاً تحليلاً، ترجمُه فريق “السورية.نت” عن أسباب زيارة الوفد الروسي إلى دمشق، قبل أيام، مشيرةً إلى أن “روسيا فتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع سورية (…) الاقتصاد، في مقدمتها”.
وحسب الصحيفة، فإنه وفي ظل الظروف الحالية التي تمر بها سورية، لا يمكن لنظام الأسد أن يكون له أدنى أمل “في استعادة الحوار مع الغرب ورفع العقوبات، ما يعني أنه سيكون هناك نقص في الأموال لإعادة إعمار سورية”.
ولا تنفصل الملفات الاقتصادية في سورية عن السياسية، فالخروج من العزلة الاقتصادية، لا بد أن يترافق معه دفع في العملية السياسية من جانب نظام الأسد، وخاصةً اللجنة الدستورية، والتي عقدت آخر جلساتها، قبل أيام من زيارة الوفد الروسي إلى دمشق.
ونقلت “كوميرسانت” عن مصدر روسي، قوله: “إذا لم يُقدم الأسد على إصلاحات، فسيبقى بلا مال، وفقط مع جزء من سورية (…) سيكون هذا قراره، لكن في الوقت نفسه، يعتمد الكثير في سورية على ما ستكون عليه سياسة أمريكا المستقبلية، وما سيحدث هناك بعد الانتخابات”.
ولا يعلم أحد حجم الدمار الذي سببته العمليات العسكرية على مدار السنوات التسع الماضية للاقتصاد السوري بالضبط، ولكن أحد التقديرات يشير إلى أن الحرب تسببت في خسائر تبلغ 630 مليار دولار.
أما الأجزاء المتبقية من الاقتصاد فتتعرض الآن إلى “أزمة جديدة وخطيرة”، بحسب بيانات سابقة للأمم المتحدة.