“خطوط نفط متناثرة”..لبنان رئة حكومة الأسد لسد نقص المحروقات
بشكل مفاجئ ودون علم السلطات اللبنانية رست نهاية سبتمبر/أيلول، الباخرة “jaguar S” في المياه الإقليمية اللبنانية، قبالة منشآت النفط في منطقة الزهراني الخاضعة لسيطرة “حزب الله” و”حركة أمل”، لتبدأ التحريات والتحقيقات بشأن مسارها وطريقة وسبب وصولها إلى لبنان.
وفي ظل تعدد الروايات حول مسارها ووجهتها واحتجازها من قبل القضاء اللبناني، إلا أن مجهولية المعلومات عنها، فتح باب التساؤلات حول سبب ظهورها المفاجئ في لبنان، لتنقل صحيفة “المدن” اللبنانية عن مصادر بأن “وجهة الباخرة الأساسية هي سورية، وبالتالي لبنان هو ممر لحمولة الباخرة نحو سورية. والممر الوحيد الممكن هو التهريب”.
وبالتزامن مع قضية الباخرة “jaguar S”، فرّغت ناقلة نفط إيرانية مليون برميل نفط خام في مصفاة بانياس، بحسب ما نقله يوم 1أكتوبر/تشرين الأول موقع “الاقتصادي” عن مصدر مطلع قوله، بأن الناقلة أفرغت كمية النفط المذكورة، ما سيساهم في “تخفيف أزمة المحروقات التي تشهدها المحافظات السورية”.
أتت هذه التطورات، في ظل أزمة محروقات عصفت بمناطق سيطرة النظام، خلال الأسابيع الماضية، دون الكشف عن الأسباب، باستثناء مع أعلنه بعض مسؤولي حكومة الأسد، بأن السبب الرئيسي يعود إلى “العمرة” في مصفاة بانياس، لكن إعلان انتهاء العمرة في المصفاة قبل أيام تزامن مع وصول البواخر، وبالتالي انفراج في الأزمة، لتبدأ التساؤلات: هل سبب الأزمة انخفاض توريد المحروقات من الدول بسبب عقوبات قيصر أم “العمرة” في مصفاة بانياس كما تروج حكومة الأسد؟، وهل بات النظام يعتمد على لبنان كخط للتهريب بعد خنقه بالعقوبات الأمريكية بموجب قيصر وتضيق على حليفه إيران؟.
مصفاة بانياس دعاية النظام لسد العجز عن التوريد
في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت حكومة الأسد توقف العمل في مصفاة بانياس لأعمال “العمرة”، وقدرت مدة الصيانة بفترة تصل إلى 45 يوماً، وتذرعت الحكومة حينها بأن المصفاة تحتاج إلى عمرة عاجلة لم تتم منذ عام 2013 وفق تصريح لمدير مصفاة بانياس لجريدة “تشرين” الحكومية.
إلا أن هذا التصريح الذي جاء فيه إن المصفاة لم تشهد أي أعمال “عمرة” منذ سنة 2013، يناقض مع ذكرته جريدة الوطن الموالية من النظام في 2017، عندما نقلت عن مصدر مسؤول في وزارة النفط، بأنها أجرت “عمرة لمصفاة بانياس” وانتهت خلال 15 يوماً،
وتبلغ الطاقة الإنتاجية لمصفاة بانياس وفق أرقام حكومية 130 ألف برميل يومياً، وهي المصفاة الأكبر في البلاد وتأتي بعدها مصفاة حمص التي تصل طاقتها إلى 110آلاف برميل يومياً، ما يعني أن مصفاة حمص قادرة على سد حاجة السوق المحلي في حال توفر النفط الخام، إذ قدر وزير النفط السابق في حكومة النظام، علي غانم، في تصريحات للتلفزيون السوري في العام 2019 حاجة البلاد بين 100 إلى 136 ألف برميل يومياً من النفط الخام.
وتطرح هذه الأرقام تساؤلات حول ما إذا كانت أزمة المحروقات الحاصلة مؤخراً، هي بسبب عملية التكرير وتوقف المصفاة، أم في توفر النفط الخام فعلاً، لاسيما أن وزير النفط الحالي في حكومة النظام، بسام طعمة، عزا أزمة المحروقات إلى ثلاثة أسباب رئيسية؛ هي توقف مصفاة بانياس، وعقوبات واشنطن على النظام، وسيطرتها على حقول شرق سورية.
وتواصل فريق “السورية نت” مع مصدر مطلع على عمل المصفاة في بانياس، وأوضح أن المحطة توقفت عن العمل ليس بسبب الصيانة، وإنما بسبب عدم وصول أي إمدادات نفطية وسفن إلى الميناء، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن النظام خلق هذه الرواية، للتغطية على توقف الإمدادات بانتظار وصول سفن إيرانية أو روسية.
وأكد المصدر، الذي طلب عدم التصريح عن هويته لأسباب أمنية، أن معلوماته حصل عليها من عمال داخل المصفاة، وأن ما حصل هو ليس صيانة وإنما عمليات تنظيف بسيطة للمصافي.
وبحسب موقع سيريا ستيبس الموالي للنظام، فإن وزير النفط بسام طعمة عندما وعد بحل أزمة البنزين نهاية الشهر الماضي، وحمل المسؤولية لتوقف مصفاة بانياس عن العمل بهدف تعميرها، كان بنفس الوقت يراهن على قرب وصول توريدات جديدة من النفط، والتي أصبحت في عرض البحر ومن المتوقع أن تصل إلى سورية في غضون أيام.
البحث عن إيران
ودفعت أزمة المحروقات الأخيرة، خلقت تساؤلات عن العوامل الأخرى بعيداً عن تصريحات مسؤولي حكومة الأسد، والتي عزاها الصحفي الاقتصادي مصطفى السيد، إلى عوامل سياسية متعلقة بالتنافس الإيراني الروسي في المنطقة، خاصة وأن النظام يعتمد على خطوط الائتمان الإيرانية التي زُودَ عن طريقها بالنفط طيلة السنوات الماضية.
وأضاف السيد أنه مع تزايد الضغوط الإسرائيلية على إيران لسحب ميليشياتها من سورية، تمارس إيران ضغوطاً على النظام لمبادلتها بأصول تعزز مواقعها على الشاطئ الشرقي للمتوسط، وتسمح لها بزيادة المناصرين والأتباع حيث تقوم فكرة خطوط الائتمان على منح النظام لطهران عقود والتنازل عن ممتلكات أو أصول مالية مقابل شحنات النفط.
من جانبه ربط الخبير الاقتصادي براء رزوق، في حديثه لـ “السورية نت”، بين فترة انقطاع المحروقات وزيارة الوفد الروسي لدمشق مؤخراً، وحديثه عن 40 مشروعاً لصالح شركات روسية، خاصة أن مسؤولين إيرانيين عبروا صراحة أن روسيا حصلت على امتيازات أكثر منهم في سورية.
وحول وعود النظام باستمرار لحل أزمة المحروقات، رأى رزوق أن هذا الأمر مرهون بالاتفاق مع إيران، التي تعيش أيضاً أوضاع اقتصادية سيئة بسبب العقوبات، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن حكومة الأسد لا تمتلك أي خيارات بديلة سوى الرضوخ لشروط طهران الجديدة، لاسيما أن روسيا غير مستعدة لتحدي واشنطن وإرسال إمدادات للنظام تخالف قانون “قيصر”.
بدائل النظام ومعابر لبنان
ومع تضييق الولايات المتحدة الأمريكية الخناق على نظام الأسد، بموجب عقوبات “قيصر” وتهديدها المستمر لأي دولة تمد له يد العون، يدور تساؤل حول كيفية تأمين النظام لكمية المحروقات التي يحتاجها يومياً، والتي أرجعها الباحث الاقتصادي، مناف قومان، إلى عدة بدائل.
وتحدث قومان لـ”السورية. نت” بأن النظام كان سابقاً يعتمد على أربعة أوعية لإمداده بالمحروقات، الوعاء “الأول كان يعتمد بشكل كامل على النفط في المنطقة الشرقية” التي كانت تحت سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” إذ كان يتعامل مع التنظيم من خلال شبكة تجار.
ومع انخفاض هذا التعاون مع التنظيم أصبحت إيران المورد الرئيسي للمحروقات للنظام وخاصة في 2017 و2018، إذ “كانت طهران تمد النظام شهرياً بمليوني برميل نفط وفق الخطوط الائتمانية بين البلدين، لكن مع تشديد العقوبات الاقتصادية من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، انخفض التوريد الإيراني في 2019، ليتحول النظام إلى العراق عبر البر إلا أن هذا الخط تقلص بعد تطبيق عقوبات قيصر”.
أما الخط الرابع لدى النظام، بحسب قومان، فهو الذي أطلق عليه اسم “خطوط متناثرة” عن طريق التهريب من لبنان عبر صهاريج من خلال حليفه “حزب الله”، إضافة إلى وصول باخر نفط ترسو في موانئ الساحل السوري أو لبنان كل فترة ستة أشهر.
وأوضح قومان أن كميات هذه الخطوط المتناثرة تنخفض وترتفع حسب الظروف الجيوسياسية والاقتصادية، سواء قدمت عن طريق إيران أم لبنان، معتبراً أن النظام ممكن أن يحصل على النفط عن طريق لبنان لكن بسبب غير ظاهر خوفاً من تعرض لبنان إلى عقوبات قيصر، إضافة إلى أن أمريكا تحاول السماح لبعض المافيات والشركات توريد النفط إلى النظام من خلال النظام لتخفيف حدة العقوبات كلما أبدى النظام جديته بالدخول في عمل اللجنة الدستورية.
بموازاة ذلك، اعتبر براء رزوق، أن اعتماد النظام على “حزب الله” لتهريب البنزين من لبنان وزيادة شحنات النفط عبر مناطق “قسد”، قد يخفف من أزمة النظام مؤقتاً، إلا أن الأمر أوسع من ذلك وقد يضطر السكان في مناطق النظام التأقلم مع هذا الوضع بين فترة وأخرى.
وأصبح لبنان بعد “قيصر”، البوابة الوحيدة لمعظم المواد الأساسية التي تغذي الاقتصاد السوري، بحسب الصحفية الاقتصادية اللبنانية فيوليت بلعة، التي أكدت لـ”السورية نت”، أن لبنان هو البوابة الطبيعية لسورية، عبر المعابر غير الشرعية وغير الممسوكة من الدولة اللبنانية، وهذا الأمر يخرج لبنان من دائرة العقوبات كون الأمر يتم عن طريق التهريب بعيداً عن السلطات الحكومية.
وأكدت بلعة أن مادة المحروقات تهرب لسورية بشكل واضح، و يتم تهريبها عبر تجار بين البلدين مستفيدين من فرق سعر العملة.
واعتبرت ذات المتحدثة، أن لبنان يتخوف من عقوبات “قيصر” لأن ارتداداته ستكون كبيرة، خاصة أأن العقوبات الأخيرة على “حزب الله” أدت إلى أزمة في الداخل وتركت تداعيات على الاقتصاد اللبناني.
وقالت الصحفية، إن عقوبات “قيصر” على لبنان في حال تطبيقها ستؤدي إلى سقوط مصارف في لبنان فرق سقوطها الحالي، لكن “قد نشهد انهيارات وإفلاسات لبعض البنوك خاصة وأن البنوك مقبلة على عملية إعادة هيكلية بطوعية وتعميم وإشراف مصرف لبنان خلال الأشهر المقبلة”.
وأضافت أن العقوبات بسبب “قيصر” فيما لو طالت لبنان، ستؤدي إلى صدمة في الداخل اللبناني وستنعكس على سمعة لبنان في المجتمع الدولي، خاصة وأن لبنان يسعى إلى فتح قنوات من أجل الحصول على تبرعات من خلال مؤتمر دعت إليه فرنسا أو من خلال الصندوق الدولي، لذا فإن كل هذه الأسباب “ستدفع الحكومة اللبنانية لأن تكون بعيدة عن عقوبات قيصر وعدم مغامرتها في دعم نظام الأسد اقتصادياً، وبالتالي الاكتفاء بالإمداد عبر طرق التهريب غير الشرعي من خلال شخصيات نافذة في البلدين”.