ليس اغتيال مفتي مدينة دمشق الشيخ عدنان أفيوني بعبوة ناسفة استهدفت سيارته في منطقة قدسيا بريف دمشق، حدثاً عابراً، بل مؤشراً الى هشاشة النظام السوري في ظل التحولات الإقليمية والتحديات المحلية المتنامية. ذاك أن اغتيال المفتي الذي لعب دوراً في اتفاق المصالحة في داريا ويُدير مركزاً حكومياً “لمكافحة الارهاب والتطرف”، يدحض مقولة أن النظام قادر على تأمين مناطق نفوذه وإخماد أي احتجاجات فيها. تفتح القدرة على تنفيذ هذه العملية، وبحق رمز ديني وسياسي مهم للنظام السوري، الباب أمام المزيد من الخروق على هذا المستوى.
قبل الاغتيال، حملت الأسابيع الماضية مؤشرات عديدة الى تصدع سلطة النظام، ما حدا بالكثيرين الى تذكر الأسابيع الأولى للثورة السورية، مع تراجع تدريجي في القدرة على بسط السلطة. وهذه الأحداث، أكانت أمنية أم اقتصادية، مترابطة. وبإمكاننا رسم خط مستقيم بين هذا الاغتيال في ريف دمشق، وبين تنامي التوتر في درعا والسويداء وبين الأزمة الاقتصادية الخانقة في أنحاء المناطق الخاضعة إلى سيطرة النظام السوري والميليشيات الموالية له ولإيران وروسيا.
في درعا، تتطور المواجهات بين الفيلق الخامس (المدعوم من روسيا ويحوي قادة سابقين في المعارضة)، من جهة، وبين النظام والميليشيات الموالية لإيران، من جهة ثانية. كان إغتيال أدهم الكراد، وهو قيادي سابق في فصيل معارض للنظام، بمثابة زلزال في درعا، في ظل اتهامات بتورط النظام والميليشيات الموالية له. إلى جانب الكراد، قُتل أيضاً أحمد فيصل المحاميد، وعدنان محمود الدعاس المسالمة، ومحمد نجاح زغل الدغيم.
والعنف المتنامي في درعا غير منفصل عمّا يحدث في السويداء أيضاً، ويُتهم النظام بلعب دور فيه لإثارة النعرات الطائفية بين القرى المجاورة. احتمال ارتفاع منسوب الاحتجاج والتمرد على النظام في السويداء ليس بالبعيد.
والنظام السوري يغرق بشكل متزايد في الأزمة الاقتصادية، إذ اضطر أخيراً الى رفع أسعار البنزين المدعوم ومازوت المصانع والمعامل. وهذا القرار سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع في مجمل الأسعار وتقليص ما تبقى من القدرة الشرائية للسوريين. ولم تُخطئ وزارة التجارة وحماية المستهلك في سياق تبريرها القرار، بالإشارة الى “الحصار الذي تفرضه الإدارة الأميركية على سوريا وشعبها”.
وهذا الحصار، في حال فوز المرشح الديموقراطي جو بايدن، وهو المرجح إلى الآن، سيتواصل وقد يزداد ضيقاً، نظراً للتردي المتوقع في العلاقات الأميركية-الروسية. كما قد تحوي أي إدارة أميركية بقيادة بايدن، في حال انتخابه طبعاً، مسؤولين سابقين في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ممن يشعرون بالندم حيال التلكؤ سابقاً في وقف الآلة العسكرية لنظام بشار الأسد. بالنسبة الى هؤلاء المسؤولين، أخطأ أوباما وفريقه في عدم وقف النزيف السوري من خلال التدخل، وتحديداً عندما سنحت الفرصة لذلك بعد استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد المدنيين في مناطق خارجة عن سيطرته.
صحيح أن أي إدارة أميركية جديدة ستحتاج الى شهور عديدة من أجل اختيار الفريق الحكومي ووضع السياسات، هذا إن كانت المنطقة أولوية، وهي ليست كذلك. إلا أن بقاء الوضع على حاله دون أي تغيير، كفيل وحده بخلق المزيد من التحديات للنظام. والمزيج من توقع سياسة أكثر تشدداً مع انتخاب بايدن، من جهة، وتواصل التدهور الاقتصادي نتيجة العقوبات الأميركية المتواصلة، ليس بالهين، وقد يصيب النظام في مقتل.
وهذه التحديات ستكشف الطبيعة الهجينة للنظام الذي يرسو على اتفاقات مصالحة هشة، وميليشيات متعددة الولاءات ومتصارعة في ما بينها، علاوة على قوات روسية ترى في الرئيس السوري عبئاً.
يبقى أننا أمام شهور سنرى فيها تصدعات كثيرة في جدران قصر الشعب، قد تضطر ساكنه لمواقف غير “ممانعة”.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت