تكثفت المشاورات التركية الروسية الإيرانية مؤخرا عبر اتصالات هاتفية جرت بين الرؤساء الثلاث رافقها توجه مساعد وزير الخارجية التركية سادات أونال، إلى العاصمة الروسية موسكو وزيارة مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف إلى العاصمة الإيرانية طهران. النقاشات تتركز هذه المرة على التطورات الميدانية في إدلب وبشكل خاص قرار أنقرة سحب نقطة المراقبة التاسعة من مورك باتجاه جبل الزاوية واحتمال أن تكون خطوة أولى على طريق تبديل أماكن بعض النقاط التركية المحاصرة من قبل قوات النظام في ريفي حماة وحلب ومحيط إدلب.
وسط هذه الأجواء والتكتم التركي الرسمي حول ما يجري جددت أنقرة التذكير بأولوياتها في سوريا وفي مقدمتها “ضرورة التحرك سوياً ضد تنظيم “ب ي د” الذي تصنفه تنظيماً إرهابياً والذي يهدد وحدة سوريا وسلامتها، والحفاظ على وقف إطلاق النار في إدلب، من أجل الخروج بنتائج إيجابية للجهود المشتركة لضمان الاستقرار”. أنقرة تريد أيضا حسم موضوع المنطقة الآمنة وعودة مئات الآلاف من النازحين واللاجئين إلى بيوتهم ومناطقهم إلى جانب الممر الآمن الذي تتمسك موسكو وطهران به في إطار معادلة إم -4 وإم -5 التي تتقدم بشكل بطيء.
إدلب هي قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في أية لحظة. غالبية اللاعبين المحليين والإقليميين يريدون تحويلها إلى رافعة تنقلهم إلى الأعلى وتعزز نفوذهم هناك. تسعى أنقرة لتقليص المخاطر التي تهدد أمنها وأمن حلفائها المحليين في سوريا. هناك عقبة النظام الذي يصر على مواصلة تقدمه نحو الحدود التركية ومشكلة الجماعات المتشددة في المنطقة التي لم تحسم بعد. إدلب تذكرنا مع الأسف بأجواء برلين عام 1945 وخطط التفاهمات/ اللاتفاهمات المتشابكة والمعقدة. لكن الحقيقة هي أنه لا يمكن الدخول في عملية إعادة تموضع ميداني وعسكري جديد في إدلب دون تفاهمات سياسية بين ضامني أستانة. العكس يعني الذهاب نحو تسخين الجبهات والاستعداد لتفجير الوضع مجددا.
أقدمت أنقرة على تنفيذ ما لم تكن تريد فعله بعدما تغيرت الخارطة العسكرية والميدانية. الخطوة التركية لم تكن لتتم دون معرفة الجانب الروسي والتنسيق المباشر معه. لكن الغامض حتى الآن هو ما وراء التحرك التركي وهل يتم في إطار تفاهمات ثلاثية جديدة تعيد ترتيب الأوضاع الميدانية والسياسية في إدلب وجوارها، أم هي عملية إعادة تموضع لا بد منه قبل اشتعال الجبهات مجددا؟
ما الذي يدفع القيادة السياسية والعسكرية التركية لتغيير مواقفها المعلنة على لسان وزير دفاعها خلوصي أكار في شهر كانون الأول المنصرم، أن انسحاب القوات التركية من نقاط المراقبة الموجودة بمنطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب، غير وارد وغير قابل للمساومة. ولتبني ما قاله وزير الخارجية مولود شاووش أوغلو خلال شهر آب الفائت حول إمكانية سحب بعض نقاط المراقبة التركية، وفقاً للأوضاع الميدانية وما يطرأ عليها من تغيرات؟
ما قيمة إعادة الانتشار والتموضع الميداني إذا لم يواكبها تفاهمات سياسية جديدة تفتح الطريق أمام تنفيذ بنود اتفاقيات أستانة وسوتشي؟ هل ينتقل “اتفاق خفض التصعيد” إلى مرحلة متقدمة جديدة تهدف لتثبيت “الممر الأمن” الذي جرى الحديث عنه أكثر من مرة على جانبي الطريق أم – 4 ويقابل الخطوة التركية انسحابات لقوات النظام من بعض الأماكن التي تقدم إليها رغم تكراره أكثر من مرة رفضه لمغادرة هذه الأماكن؟
موسكو وطهران يرجحان الخيار العسكري لحسم موضوع الجماعات المتشددة ومحاولة حصر قوات المعارضة في شريط ضيق قرب الحدود السورية مع تركيا والمناطق التي دخلتها القوات التركية في عملياتها العسكرية الثلاث، بينما تسعى أنقرة بكافة الوسائل للتوصل إلى تفاهمات جديدة تمنع تفجر الأوضاع رغم جهوزيتها لسيناريو التصعيد من خلال مواصلة نقل الجنود والسلاح إلى الجبهات ودعوة قوى المعارضة للجهوزية الدائمة لكل احتمال.
لماذا تقبل تركيا اليوم ما رفضته قبل أشهر؟ هل التفاهمات الجديدة تشمل مناطق تل رفعت وعين عيسى وعين عرب ومنبج؟ هل من المعقول أن تتجاهل هذه التفاهمات مسألة عشرات الآلاف من النازحين الجدد باتجاه إدلب في الأشهر الأخيرة وضمانات عودتهم إلى منازلهم إلى جانب تسوية وضع مئات الآلاف من النازحين واللاجئين السوريين على طول الحدود التركية السورية؟
استحدثت القوات التركية في الآونة الأخيرة العديد من نقاط التمركز الجديدة في جبل الزاوية بريفي إدلب الجنوبي والغربي. شاووش أوغلو كان يقول إن نقاط المراقبة التركية تم نشرها في إدلب والمنطقة بموجب اتفاقية خفض التصــعيد المبرمة بين أنقرة وروسيا وبهدف رصد انتـهــاكات وقف إطلاق النـار. بالمقابل هناك تحولات ميدانية وعسكرية جديدة تقول إن نقاط المراقبة التركية لم تعد تقوم بهذا الدور. لكن أنقرة ما زالت متمسكة بخطة المنطقة الآمنة التي تريدها في الشمال السوري وتكون أبعد من الممر الآمن الذي تقترحه موسكو. وهي مسائل سبق وألمح إليها وزير الخارجية التركي عندما قال ردا على سؤال احتمال سحب الجنود الأتراك من نقاط المراقبة المحاصرة “نسعى الآن إلى تحويل منطقة إدلب إلى منطقة آمنة.. وعندما نحول إدلب إلى منطقة آمنة سيفكر جيشنا بطريقة استراتيجية وسيتمركز بشكل مختلف في المنطقة حسب الحاجة للمراقبة”. احتمال أن تكون تراتبية الأولويات التي أشار إليها شاووش أوغلو قد تبدلت فقط إعادة تموضع للقوات التركية التي سيعقبها انطلاق خطط المنطقة الآمنة.
يقول الرئيس الروسي بوتين قبل ساعات إن مواقف الرئيس التركي أردوغان هي التي ساهمت في فتح الطريق أمام حل الكثير من الخلافات في ملفات ثنائية وإقليمية بين البلدين. لا يمكن الفصل بين ما يجري على الأرض في إدلب وبين التطورات المتلاحقة في ملفات ليبيا وقره باغ وجنوب القوقاز وشرق المتوسط حيث تداخلت مصالح الدول الثلاث وباتت تتطلب إعادة برمجة وجدولة سريعة حتى لا ترجح كفة الأطراف الإقليمية الأخرى التي دخلت بقوة على خط هذه الملفات.
قنبلة أخرى تنفجر على جبهة أخرى. أنباء استعدادات النظام لعقد مؤتمر دولي حول اللاجئين السوريين في دمشق الشهر المقبل وحديث بعض وسائل الإعلام الروسية عن توافقات الدول الضامنة الثلاث بشأنه.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت