في ظل الأزمة الاقتصادية لحكومة الأسد، والتي وصلت حد “الخناق”، بسبب تشديد الولايات المتحدة الأمريكية للعقوبات، بموجب قانون “قيصر”، يبحث النظام عن آليات جديدة تخفف القيود التي تكبله.
وعلى رغم شعارات الصمود في وجه العقوبات التي يتغنى بها مسؤولو النظام باستمرار، إلا أن الواقع الاقتصادي والوضع المعيشي للمواطنين وما وصلت إليه الليرة السورية من تدهور أمام العملات الأجنبية، يوضح تأثير هذه العقوبات بشكل جلي من خلال ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم بشكل كبير.
ونتيجة ذلك بدأت حكومة الأسد بالبحث عن حلول وبدائل اقتصادية يخفف عنها أثر العقوبات، ويبقي النظام بعيداً عن أي تنازل مستقبلي فيما يتعلق بالحل السياسي، إذ لجأت في البداية إلى نظرية “الاكتفاء الذاتي” عبر الاهتمام بعدة قطاعات وأهمها الزراعة.
أما الحل الثاني التي تعمل عليه حكومة الأسد هو “نظام المقايضة” مع الدول الداعمة وخاصة إيران، بحسب ما أكده مسؤولون من البلدين.
ما هو نظام المقايضة؟
من تحت قبة مجلس الشعب في 18 الشهر الحالي، قال وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة الأسد، محمد سامر الخليل، إنه “يتم العمل على عقد اتفاقيات مقايضة للمنتجات الفائضة وبحاجة إلى تصدير، مع المواد التي تحتاجها سورية مع الدول الصديقة من دون تحويل الأموال”.
وأضاف أن “التجارة الخارجية تسعى إلى تأمين متطلبات الإنتاج للمواد الضرورية غير متوفرة محلياً وتصريف فوائض الإنتاج”، مؤكداً أن هناك فائض في بعض القطاعات وهي جاهزة للتصدير.
وبعد أربعة أيام أعلن نائب ما تسمى “غرفة التجارة السورية- الإيرانية المشتركة”، فهد درويش، لموقع “الوطن أونلاين”، أن “هناك مباحثات إيرانية- سورية لتطبيق التجارة بالمقايضة بين البلدين”.
وقال درويش أن الطرفين يهتمان بنظام المقايضة، وسيدرسان المقترحات من النواحي القانونية، بما يتوافق مع الأنظمة والقوانين النافذة بخصوص الاستيراد والتصدير، وسيقدمان مقترحاتهما بهذا الخصوص.
ويعرف “نظام المقايضة” بأنه تبادل السلع والمواد الفائضة لدى دولة ما، مع سلع ومواد دولة أخرى دون استعمالِ وسيلة تبادل نقدية كالمال، ويكون بين دولتين أو أكثر.
واشتهر هذا النظام في العصور الوسطى عندما لم يكن هناك حاجة للنقود، وإنما من يمتلك شيئاً لا يحتاج إليه، ويريد شيئاً بحوزة شخص آخر يقوم بمقايضة هذا الشخص على ما يمتلك.
ويشترط في “نظام المقايضة” عدة شروط، أولها توافق الرغبات؛ أي أن عارض السلعة يجد طالباً عليها ويملك سلعة يكون هو بحاجة إليها، أما الشرط الثاني يكون الاتفاق على نسبة تبادل السلع، وأن تكون المادة قابلة للتخزين والتداول لفترة من الزمن.
نظام المقايضة جيد.. لكن!
وفي ظل توجه حكومة الأسد إلى النظام الجديد مع إيران، تُطرح عدة تساؤلات: هل حكومة الأسد قادرة على المقايضة خاصة في ظل تعثر الإنتاج منذ سنوات لعدة أسباب؟.. وهل وضعت هذه الحكومة منهجية متكاملة يمكن تطبيقها وتنتشل الاقتصاد من أزماته؟
الباحث الاقتصادي، مناف قومان، اعتبر أن نظام المقايضة جيد وعملي وقابل للتطبيق بين دولتين لديهما فائض في الإنتاج وكل دولة لديها ما تريده الدولة الأخرى، لكن في الحالة السورية يصعب تطبيقه لأن المشكلة في سورية ليست في فكرة المقايضة وإنما بوجود خلل هيكلي كبير في الإنتاج بسبب سنوات الحرب والعقوبات والفساد وتشظي البلد والانفصال الجغرافي فيها، وكل هذه الأسباب أدت إلى انهيار الماكينة الإنتاجية وهذا بدا واضحاً ويظهر للعلن”.
واعتبر قومان في حديثه لموقع “السورية.نت”، أن “نظام المقايضة غير قابل للتطبيق بين سورية وإيران لسببين، الأول أن الماكينة الإنتاجية في سورية معطلة، والثانية تتعلق في العقوبات الأمريكية المفروضة على البلدين، فلو فرضنا أن حكومة الأسد قررت تصدير الفائض المتواجد لديها وخاصة في الحمضيات والبندورة والملابس والأغذية، لكنها تريد في المقابل ما تحتاجه وخاصة المحروقات”.
لكن توريد المحروقات من إيران إلى سورية، صعب بسبب العقوبات الأمريكية، إذ منذ 2018 أي ناقلة محروقات تذهب للنظام تطبق عليها عقوبات والدول تلتف بصعوبة لإيصال ناقلة واحدة إلى سورية، حسب قومان الذي طرح تساؤلاً عن “الفائدة في تطبيق نظام المقايضة و في نفس الوقت لا يمكن إيصال منتجات إلى سورية”.
من جهته أكد الباحث الاقتصادي في ‘مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، محمد العبد الله، أن “نظام الأسد لا يمتلك ذلك الهامش القوي الذي يمكنه من عقد شروط المقايضة المتكافئة، إن كان من ناحية توفر المواد القابلة للتصدير، أو من ناحية قدرته على فرض شروط تصدير تتوافق مع مصالحه، في ظل حالة سيطرة الأذرع الإيرانية الحالية في سورية على القطاع التجاري وغيرها من القطاعات”.
واعتبر العبد الله أن إيران تسعى جاهدة لتجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليها، والعمل على الوصول لفرص في الأسواق المجاورة، إلى جانب محاولتها كذلك رد الكلفة التي تكبدتها في سورية، والتي تقدر بمليارات الدولارات عبر مختلف القطاعات، مرجحاً أن تشمل هذه المقايضة البضائع والسلع الممنوعة والتي لدى إيران باع طويل فيها.
لغة الأرقام
على مدى السنوات الماضية، بدأت طهران فرض سيطرتها على ما تستطيع من الاقتصاد السوري، من خلال توقيع اتفاقات في مختلف القطاعات كفاتورة لها على دعمها نظام الأسد سياسياً وعسكرياً بميليشيات مسلحة خلال السنوات الماضية.
وفي حال تطبيق نظام المقايضة بين حكومة الأسد وإيران، يتوقع أن يتحول إلى أداة لزيادة سطوة الصادرات الإيرانية، والتي هي في غالبيتها من المواد المصنعة، على عكس البضائع التي ينوي النظام السوري مقايضتها والتي تتركز بشكل أساسي على القطن والحمضيات وزيت الزيتون وغيرها من السلع غير المصنعة، في ظل التدهور الكبير للقطاع الإنتاجي في سورية.
وبحسب الباحث العبد الله فإن “نظام الأسد وإن استطاع سد جزء من قيمة وارداته من خلال هذه البضائع المصدرة لإيران، إلا أن النسبة الأكبر ستكون بمثابة ديون إضافية تضاف لسابقاتها وتفرض مزيداً من السطوة الإيرانية في سورية”.
وتدل على ذلك لغة الأرقام وقيمة الصادرات والواردات بين البلدين خلال السنوات الماضية، إذ سجل تطور ملحوظ في الصادرات الإيرانية إلى سورية منذ 2011 وتجاوزت بين عامي 2012 و2019 وفقاً لبعض التقديران حاجز المليارين دولار، لكن في المقابل فإن البضائع السورية المصدرة لإيران في ذات الفترة لم تتجاوز حاجز 150 مليون دولار، بحسب العبد الله، الأمر الذي يبين مستوى الخلل في الميزان التجاري بين البلدين، وهيمنة الصادرات الإيرانية على هذا الميزان.
وأرجع العبد الله الخطوة الحالية لنظام الأسد إلى ثلاثة أهداف، أولها زيادة الصادرات الإيرانية إلى سورية والحصول على حصة سوقية أكبر، وإمكانية التحكم بنوع السلع التي ستستوردها من سورية، أما الأمر الثاني، فهو قيام إيران بتحصيل ما أمكن من الدين المترتب على نظام الأسد، إلى جانب محاولة إيران تجاوز العقوبات المفروضة على حليفها نظام الأسد وتخفيف حدة الأزمات التي يواجهها.
“إيرانيان” مركز تجاري في دمشق
وتزامن الحديث عن نظام المقايضة بين سورية وإيران، مع إعلان رئيس الغرفة التجارية الايرانية السورية المشتركة، كيوان كاشفي، عن تدشين مركز “ايرانيان” التجاري في دمشق.
وتبلغ مساحة المركز في المنطقة التجارية الحرة في دمشق أربعة آلاف متر مربع، ويتكون من 12 طابقاً، طابقين مخصصين منه للمعارض والبقية سيتم عبرهما تقديم خدمات الشحن والنقل والاستشارات القانونية والمصرفية والتأمين، ويتميز بموقع ممتاز لتواجد الشركات الايرانية والانشطة الاقتصادية.
وأعرب كاشفي عن أمله بأن “يفضي افتتاح مركز إيرانيان التجاري إلى ترقية مستوى العلاقات الاقتصادية بين القطاع الخاص الإيراني ونظيره السوري، وأن يضطلع المركز بدور هام في تحقيق مستوى تصديري بواقع مليار دولار الى سورية حتى نهاية 2020”.
ومن المتوقع أن يؤدي افتتاح المركز إلى إغراق السوق السورية بالبضائع الإيرانية، خاصة في ظل وجود اتفاق بين الطرفين منذ 2012، ينص على خفض الحواجز الجمركية بحيث لا تزيد عن حدود 4%.
إلا أن قومان استبعد أن يؤدي افتتاح المركز التجاري إلى إغراق أسواق سورية بالبضائع الإيرانية، كونه قبل الثورة السورية كان يوجد اتفاقيات تجارية بين البلدين وكان يوجد تخفيض جمركي وحوافز مالية وتقارب كبير بين الطرفين، لكن البضائع الإيرانية لم تغرق الأسواق على عكس البضائع التركية.
وقال قومان إن “اتفاقية واحدة مع تركيا (قبل الثورة) كانت كفيلة بإغراق الأسواق السورية بالمنتجات التركية، لأن الشركات التركية ناضجة وتبحث عن أسواق لتصريف منتجاتها، ولأن الاقتصاد التركي منافس وليبرالي ويبحث عن مركز ومكانة في العالم، بينما الاقتصاد الايراني يعاني من مشاكل وأزمات ومتعثر جداً ويعاني من أزمات هيكلية كثيرة.