بايدن وثلاثي مسار أستانة” السوري..حذر وتصعيد أم تنفس الصعداء؟
بعد معركة انتخابية محمومة، وفريدة في اثارتها، وصل المرشح الديمقراطي، جو بايدن، إلى البيت الأبيض، بعد فوزه على منافسه دونالد ترامب، لتبدأ التحليلات السياسية والتكهنات حول السياسة والاستراتيجية التي سينتهجها بايدن في ملفات الشرق الأوسط.
وعلى الرغم من اعتبار الكثيرين بأن سياسية بايدن لن تختلف كثيراً عن سياسية الرئيس السابق باراك أوباما، كونه كانب نائباً له، إلا أن اختلاف المعطيات السياسية والتغيرات الجذرية التي حصلت في عهد ترامب، قد تدفع بساكن البيت الأبيض الجديد إلى انتهاج سياسية جديدة.
ولعل أبرز ملفات المنطقة التي تنتظر بايدن هو الملف السوري، في ظل غياب استراتيجية أمريكية واضحة، لحل الملف نتيجة التداخل الدولي والصراع بين عدة لاعبين وتشابك المصالح فيما بينها، وخاصة الدول التي توصف بأنها “الضامنة” في مسار “أستانة”، وهي تركيا وروسيا وإيران.
بايدن وثمن أردوغان “الباهظ”
خلال فترة رئاسة دونالد ترامب، شهدت العلاقات التركية-الأمريكية توترات سياسية وتأزما عميقاً بسبب الملف السوري والتقارب التركي- الروسي، ورفض أنقرة لدعم واشنطن المتواصل لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، وتبادل الاتهامات بين الطرفين في العديد من القضايا.
ويُرجح أن العلاقات بين أنقرة والإدارة الأمريكية الجديدة، لن تكون بأفضل حال من سابقتها، بسبب مواقف الرئيس الجديد وتصريحاته “العدائية” اتجاه تركيا.
وخلال الأيام الماضية، تم إعادة تداول فيديو، يظهر تهديد بايدن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بأنها “سيدفع ثمناً باهظاً على ما فعله” في سورية.
وقال بايدن في التسجيل الذي نشره عبر حسابه في “توتير” في 2019 إن “تركيا هي المشكلة الحقيقة هنا (في سورية) وسيكون لي حوار مغلق حقيقي مع أردوغان وتعريفه بأن سيدفع ثمنا باهظا على ما فعله، الآن ادفع هذا الثمن”.
كما اتهم أنقرة بإثارة التوتر في شرق المتوسط خلال أزمتها مع اليونان، إضافة إلى اتهامها بتأجيج النزاع في القوقاز عبر دعمها لأذربيجان في حربها ضد أرمينيا في حرب إقليم “قره باغ”، إلى جانب تعهده بجعل تركيا تدفع الثمن نتيجة شرائها منظومة الدفاع الجوي “إس-400” من روسيا.
كما تحدث بايدن خلال خطاباته عن دعم المعارضة التركية للإطاحة بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وصفه بأنه “مستبد”، عبر الانتخابات وليس الانقلاب.
و أول موقف تركي على فوز بايدن كان من المعارضة التركية، إذ هنأ زعيم “حزب الشعب الجمهوري” التركي المعارض، كمال كليجدار أوغلو، بفوز بايدن بالانتخابات الأمريكية.
وقال أوغلو في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” “أهنئ جو بايدن الذي أصبح الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة الأمريكية ونائبته كامالا هاريس”، معرباً عن أمله في أن “تتعزز الصداقة وعلاقات التحالف الاستراتيجي بين تركيا والولايات المتحدة”.
في حين اعتبر نائب الرئيس التركي، فؤاد أوقطاي، في تصريحات اليوم الأحد، أن أنقرة ستواصل “العمل مع الإدارة الامريكية الجديدة”.
وكان أوقطاي أكد في تصريحات الجمعة الماضية أن أنقرة “لا تفضل مرشحًا على آخر في انتخابات الرئاسة الأمريكية”.
وحول احتمالية تأزم العلاقات بين أنقرة وواشنطن اعتبر إن “تركيا ليست تركيا القديمة، لقد حدث بالفعل تحول في العقلية في تركيا”.
بايدن و”جرو بوتين”
على جانب الضفة الأخرى تتوجه الأنظار إلى كيفية تعامل بايدن مع روسيا، التي تعتبر الداعم الأبرز للنظام السوري والحليف القوي مع تركيا في الملف السوري، والعلاقة بين البلدين، خاصة بعدما شهدت العلاقات في عهد ترامب نوعاً من المنافسة، وهو ما قاله ترامب في تصريح في 2018 أنه لا يعتبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، صديق أو عدو وإنما وصفه بالمنافس.
وكان بايدن قال خلال المناظرة مع ترامب، في سبتمبر/ أيلول الماضي، إن “الحقيقة أنني دخلت في مواجهة مع بوتين، وأوضحت له أنني لن أنساق إلى حيله، أما هو (ترامب) جرو بوتين، فلا يمكنه حتى أن يقول له شيئا عن المكافآت مقابل رؤوس الجنود الأمريكيين”.
واعتبر بايدن أنه في ظل قيادة ترامب أصبحت أمريكا أضعف وأفقر وأكثر انقساماً وأكثر عنفاً.
ورد الرئيس الروسي على وصف بايدن لترامب أنها “جرو بوتين” بالقول “عندما يحاول شخص ما إذلال أو إهانة رئيس الدولة الحالي، في هذه الحالة، في السياق الذي ذكرته، فإنه بطريقة ما يرفعون من شأنك، ويتحدثون عن نفوذنا وقوتنا المذهلين”.
وبالعودة إلى تصريحات بايدن في 2018، اعتبر خلال كلمة ألقاها أمام مركز التحليل “Chatham House” أن “الهدف الرئيسي لبوتين هو تفكك الناتو والاتحاد الأوروبي، وليس استعادة الاتحاد السوفيتي.. بوتين يفضل التعامل مع دول منفصلة يمكن الضغط عليها أكثر من التعامل مع الغرب الديمقراطي الموحد”.
وتصدرت التحليلات خلال الأيام الماضية حول موقف بايدن مع روسيا، واعتبر نيكولاي زلوبين، مدير مركز المصالح العالمية في واشنطن، أن بايدن سينقل روسيا إلى المركز الأول في قائمة الأعداء الأمريكية، مزيحاً الصين منه.
كما اعتبر زلوبين، في حديث لوكالة “انترفاكس” الروسية، أن “روسيا ستتحول مرة أخرى إلى العدو الأول في الوثائق والسياسات الأمريكية، مما يتوافق مع توجهات بايدن السياسية طوال العقود الأخيرة”.
أما الخبير الروسي والدكتور في العلوم التاريخية والأستاذ المشارك في جامعة سيبيريا الحكومية للأنظمة الجيولوجية والتكنولوجيات أليكسي أوسيبوف، اعتبر أن المشاكل ستبقى بين واشنطن وموسكو ولن تختفي، كما لم يحدث تحسن كبير في العلاقات بين الدولتين.
ولم تعلق موسكو رسمياً حتى إعداد التقرير على فوز بايدن بالانتخابات، في حين اعتبر بوتين في تصريحات سابقة أنه “من المؤسف، ان نرى خطابًا حادًا معاديًا لروسيا”.
طهران تتنفس الصعداء؟
ويرى بعض المحللين، أن إيران قد تتنفس الصعداء في عهد بايدن، بسبب تعهده بالعودة إلى الاتفاق النووي في 2015 عندما كان نائباً للرئيس أوباما.
ويأتي ذلك بعد سنوات من الحصار الاقتصادي وتشديد العقوبات الاقتصادية ضد طهران في عهد ترامب، الذي وصف طهران بأنها “الشرير الرئيسي” في فترة رئاسته.
وفي مقال كتبه بايدن لموقع “CNN”، الشهر الماضي، حدد بايدن موقفه في التعامل مع إيران، إذ أكد على الالتزام بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، إلى جانب عرض خارطة طريق واضحة للعودة إلى الدبلوماسية.
وفي تعليق من طهران، بعد فوز بايدن، اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن “الإدارة الأمريكية الجديدة أمام فرصة تمكنها من تدارك الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة السابقة والتخلي عن سياسة عدم احترام القوانين والتعهدات الدولية”.
وقال إن “الإدارة الأمريكية انتهجت سياسة مأساوية ومضللة طيلة السنوات الثلاث الماضية، وقد أدينت من قبل شعوب العالم والشعب الأمريكي في الانتخابات الأخيرة”.
ويرى محللون سياسيون، أن تخفيف الولايات المتحدة للعقوبات على طهران، و العودة إلى الاتفاق النووي، يقد يجعلها تزيد دعمها نظام الأسد، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالنظامين خلال الأشهر الماضية نتيجة تشديد العقوبات الأمريكية عليهما.