كشفت الأوساط العسكرية الإسرائيلية عما سمته “كواليس” الحرب الجوية فوق الأراضي السورية، وتشير إلى أن عملية واحدة قد تغير كل شيء، فالطيارون الإسرائيليون يطيرون في سماء الشرق الأوسط، ويهاجمون مئات الأهداف المعادية خارج الخطوط، ما يشكل فرصة مناسبة لاستنطاقهم، والتعرف منهم على طبيعة هجماتهم الواسعة النطاق في سوريا، فضلا عن إحباط الهجمات المعادية على الحدود.
يتراوح عمل سلاح الجو الإسرائيلي بين التحديد والمراقبة والقصف، وهكذا تعمل الحملة السرية في الجبهة الشمالية، وآخر عملياتها مهاجمة سوريا قبل أيام، ضد أحد معاقل البنية التحتية الموالية لإيران في القنيطرة شمال الجولان، قتل فيها ثلاثة من ميليشياتها، لمنع استقرار إيران في سوريا، لاسيما بمرتفعات الجولان.
منذ سنوات، يعمل سلاح الجو الإسرائيلي بكثافة عالية للغاية فيما يسمى (المعركة بين الحروب)، ولتوضيح ذلك بالأرقام، ففي الأشهر الأخيرة تم إطلاق ألف صاروخ جوي ضد طائرات سلاح الجو في سوريا، ووجد الطيارون الإسرائيليون أنفسهم يدمرون عشرات البطاريات السورية المضادة للطائرات، ويهاجمون ألف هدف على الأراضي السورية.
هذا يعني بوضوح أنها كانت حملة واسعة النطاق تجري عادة في الظلام، ليلة بعد ليلة، مع أن التفسير السائد بشأن (المعركة بين الحروب) يفيد بأن عملياتها يتم تنفيذها بواسطة طائرات مقاتلة، لكن طائرات الهليكوبتر تلعب دورا مهما في الأنشطة العملياتية، من حيث المشاركة في المعركة البرية ومهاجمة الأهداف، والقدرة على مهاجمة أهداف صغيرة وجراحية، بما فيها نقاط المراقبة والأسراب بتكوين سري للغاية.
الأنشطة العسكرية التي يقوم بها سلاح الجو الإسرائيلي في الجولان تتمثل بقدرته على الوصول إلى مستوى عال من الدقة، وإغلاق دائرة في الوقت الفعلي، والتعاون مع الأقسام المكانية، والتحدث عن القوات الموجودة على الأرض، وإغلاق الدائرة بطائرات مأهولة عن بعد، والعمل في ظروف جوية معقدة، في ظل السحب المقيدة، ما يعزز أهميتها، خصوصا للعمليات التي تنفذها القوات البرية في الجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا، أو الجنوبية في قطاع غزة.
قبل شهرين، هاجمت طائرات هليكوبتر ومقاتلات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي نقاط مراقبة تابعة لحزب الله قرب الحدود السورية، ردا على إطلاق نار من الأراضي اللبنانية على قوة للجيش الإسرائيلي كانت في نشاط عملياتي، ورغم عدم القدرة على الخوض في التفاصيل، لكن الهجمات تم تنفيذها من خلال سرب أباتشي، فسلاح الجو لديه خطة تشغيلية تستند لأهداف محددة مسبقًا، وحققت نتائج، وبنت جميع المعلومات قبل تنفيذ أي هجوم.
بات واضحا أن مرونة طائرات الهليكوبتر القتالية الإسرائيلية تسمح بأداء العديد من المهام في مجموعة متنوعة من الساحات، والقيام بدور كبير بمهاجمة الأهداف في القطاع الشمالي، فقد يجدون أنفسهم في الشمال، ثم يقفزون إلى غزة، ويهاجمون الجولان في اليوم التالي، فأسلحتهم صغيرة ضمن القوات الجوية، لكنها قد تقلب الموازين بالنسبة لكتيبة مناورة، هذه مهمتهم كدبابة طائرة، وجزيرة وحيدة في الجيش الإسرائيلي والقوات الجوية.
لا يقتصر دور الطائرات بدون طيار والمروحيات المقاتلة على المشاركة في الحملة الجارية في الشمال على الحدود السورية فحسب، بل تشارك أيضا طائرات بدون طيار، اثنان منها هما “زيك” (هيرميس 450) و”ستار” (هيرميس 900)، وهي من صنع شركة إلبيت، ويديرها سرب “طيور النار” من قاعدة بلماخيم الجوية.
مع العلم أن تحديد الخلايا المسلحة المعادية يتطلب تعاون القوات الجوية والبرية معاً، لكنه يتطلب تحديد الصورة الاستخباراتية، وبناء خطة مع القيادة الشمالية على الحدود مع سوريا، ورؤية العدو
محاولا القيام بخطوات، لكنهم لا ينجحون، لاسيما وأن قاعدة “رمات دافيد” هي الأكثر مركزية وعملية لسلاح الجو في الجبهة الشمالية، وهي هجومية أمامية، وخط دفاع أول، تقوم بتشغيل الطائرات المهاجمة، وتعمل على مدار الساعة بمجموعة متنوعة من المهام الدفاعية والهجومية، وتعد مكونا أساسيا في أي حملة مستقبلية، وتستخدم أفضل القدرات لتحقيق الأهداف التشغيلية في جميع القطاعات.
المهمة الأساسية لسلاح الجو الإسرائيلي في الساحة الشمالية إخراج إيران من سوريا، ومنع حزب الله من تسليح نفسه بأسلحة متطورة، وتقييد حريته في العمل داخل لبنان وسوريا، مع أن النشاط المعقد الذي ينفذه سلاح الجو في السنوات الأخيرة تركز في المعركة بين الحروب في مجموعة متنوعة من الساحات ذات الخصائص الرائدة، فالتحديات في مختلف الساحات، وخاصة في الساحة الشمالية، مع أن تزايد الضربات في سوريا، جعلت الجيش الإسرائيلي يتعلم دروسا، ويستفيد تكتيكيا بشكل كبير في ما يتعلق بالمعارك الجوية.
في الوقت ذاته، فإن الآمال الإسرائيلية حول إمكانية مغادرة إيران لسوريا مجرد “أحلام يقظة” لن تتحقق بنظر الإسرائيليين، لأن الهجمات الإسرائيلية المتزايدة على سوريا تبدد الأوهام التي رافقتهم في الفترة الماضية بأن إيران ستغادرها، فلأول مرة، تهاجم الطائرات الإسرائيلية مناطق في سوريا غير مدرجة في قائمة الأهداف التقليدية، مما يشير إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تركز الآن على محاربة إيران، ووجودها في سوريا.
الهجمات الإسرائيلية في سوريا توصف بأنها واسعة، والأهم من ذلك أنها تشمل مناطق لم يتم مهاجمتها من قبل، وهذا التقييم الأخير يشير إلى أنَّ الاعتقاد الذي ساد بين الإسرائيليين لفترة من الزمن، ومفاده أن الإيرانيين يتخلون عن سوريا، ربما كان عبارة عن نوع من “التفكير الأمنياتي”، لأنه من المهم أيضا أن نتذكر أن هذه منطقة وعد الروس بأنها لن يكون لها وجود في إيران أو حزب الله، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن الإيرانيين سيحاولون الرد على الهجمات المستمرة، كما حاولوا من قبل.
رأت إسرائيل من قبل محاولات إيرانية لإطلاق صواريخ على أهداف في مرتفعات الجولان، وهي محاولات لم تنجح؛ بسبب التنفيذ الفاشل للمليشيات والقوات الإيرانية في الميدان، وكذلك القدرات الاستخبارية والدفاع الإسرائيلية الناجحة، وعندما فشل الإيرانيون في هذه المحاولات، حاولوا بردود إلكترونية فاشلة، مما يؤكد أن صانعي القرار الإسرائيلي بحاجة للافتراض بأنه ستكون هناك محاولة لرد إيراني على الهجمات في محاولة لردع إسرائيل، وقد تنعكس في مجموعة كاملة من خيارات العمل الخاصة بالميليشيات الإيرانية.
في هذا الوقت بالذات، يمكن لإسرائيل الاستفادة من الأسابيع التي تسبق استبدال الإدارة الأميركية عقب فوز جو بايدن وهزيمة دونالد ترامب، مما يتطلب منها التنسيق مع الإدارة الجديدة بشأن تقدم البرنامج النووي في إيران؛ ومستقبل السياسة الأميركية تجاه الملف السوري.
أضاف في مقال نشره موقع “المونيتور”، وترجمته “عربي21” أن “السوريين ألقوا باللوم على سلاح الجو الإسرائيلي في الهجوم، الذي استهدف مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية في حلب، المتورط في مشروع صاروخ دقيق مدعوم من إيران، كما اتُهمت إسرائيل بشن ضربات مماثلة أخرى في السنوات الأخيرة، ويبدو أن هناك عددا متزايدا من الغارات الجوية بطائرات مجهولة على أهداف سورية في الأشهر الأخيرة”.
وأكد كاسبيت، مقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وله عمود يومي بالصحافة الإسرائيلية، أن “المحللين يعزون تزايد هذه الضربات لتسارع كبير في النشاط الإسرائيلي ضد وجود القوات الإيرانية في سوريا، ولأول مرة منذ بدء الحرب الأهلية السورية في 2011، فإن الجهود الإيرانية الموازية لتحويل سوريا إلى منصة انطلاق لنشاطها، ونقطة عبور لأجهزتها العسكرية المتطورة، بدأت تصدر عنها مؤشرات ببدء الانسحاب من الأراضي السورية”.
ونقل عن مصدر أمني إسرائيلي رفيع كلامه عن “توقف النشاط الإيراني على جبهة تهريب الأسلحة، وهناك انخفاض كبير في الوجود العسكري للقوات الإيرانية والمليشيات الشيعية المتحالفة معها، مما قد يشير لبدء إيران بالتخلي عن استثمارها الهائل في سوريا في السنوات الأخيرة، لأن إسرائيل استغلت أزمة فيروس كورونا لتكثيف نشاطها ضد المصالح الإيرانية في سوريا، وزيادة ضغوطها على طهران”.
وأوضح أنه “على عكس الهجمات السابقة، فقد أتاح الفيروس لإسرائيل مساحة غير مسبوقة للمناورة، وصعدت نشاطها، الذي بدأ يؤتي ثماره لأول مرة منذ تفشي الوباء، وتأتي هجمات البنية التحتية المتصاعدة في سوريا، في الوقت الذي يتعافى فيه الإيرانيون من صدمة مقتل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الذي وصفته المخابرات الإسرائيلية بأنه أهم حدث في العقد الماضي”.
وأكد أن “سليماني كان لا غنى عنه، لأن شخصيته كاريزمية استثنائية، ومتحمسا دينيا بشكل كبير، وقاد الميليشيات، وأصدر الأوامر، وأشرف شخصيا على النشاط، وتم تقسيم مسؤولياته
بين مجموعة من كبار المسؤولين، والنتيجة أصبحت ملموسة، وتشير الدلائل الأولية إلى تراجع موقف إيران الحازم الذي لا هوادة فيه، وغذى اندفاعها عبر سوريا نحو لبنان في تحد للعقوبات الغربية، واقتصادها المعطل”.
ونقل عن خبير عسكري إسرائيلي أن “الإيرانيين أصبحوا الآن يجرون حساباتهم أكثر، ومترددون، ويدركون أن الثمن الذي يدفعونه مرتفع للغاية، وبشكل أكثر تحديدا، فقد تم تقسيم مسؤوليات سليماني الرئيسية على ما يبدو بين أربعة: أحدهم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله نفسه، الذي تم ترقيته بشكل ملحوظ”.
وأشار إلى أن “الثلاثة الآخرين هم: الجنرال محمد حجازي نائب قائد فيلق القدس، وتم تكليفه بالاتصال بحزب الله ومشروع الصواريخ الدقيقة، وعلي شمخاني رئيس مجلس الأمن القومي؛ وعلي حاجي زادة قائد سلاح الجو في الحرس الثوري، وتعتبر الأجهزة الأمنية الغربية حاجي زاده “قنبلة موقوتة”، والرجل المسؤول عن إسقاط الطائرة الأوكرانية بطريق الخطأ فوق إيران في كانون الثاني/ يناير، وتحديات أخرى موجهة للولايات المتحدة والغرب”.
وأضاف أن “تقسيم مسؤوليات سليماني لم يخفف التهديد الحقيقي لمستقبل إيران بسبب تراجعها الاقتصادي، فقد جرّت أزمة كورونا والهبوط الدراماتيكي لأسعار النفط العالمية إيران إلى الهاوية التي سيصعب عليها الخروج منها، وتقول مصادر استخبارية إن الميزانية السنوية لإيران وصلت أدنى مستوى لها منذ عقد من الزمان، بعد أن استندت توقعات خاطئة تبلغ 60 مليار دولار في صادرات النفط”.
وأشار إلى أن “إيران صدرت في 2019 نفطا بقيمة 20 مليار دولار فقط، ولن يزيد المبلغ هذا العام، مما سيجبرهم على استخدام احتياطياتهم المتبقية من العملات الأجنبية للبقاء على قيد الحياة هذا العام، وسيصلي الإيرانيون من أجل هزيمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تشرين الثاني/ نوفمبر، رغم أنهم لا يستطيعون التأكد أن خليفته سيرفع العقوبات الاقتصادية الأميركية على الفور، إلا أنه أملهم الوحيد الآن”.
وأكد أن “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس الموساد يوسي كوهين وكبار المسؤولين على اتصال دائم بحكام واشنطن، بينهم ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو، الذين يؤكدون أنهم لا ينوون تسهيل الحياة على إيران، ولعل هذه هي خلفية الارتفاع الكبير في الهجمات على أهداف إيرانية في سوريا، وإسرائيل على وشك الاستنتاج بأن الإيرانيين بدؤوا في التحول إلى الداخل، وكما يقال “بدأ الأخطبوط يطوي مخالبه”.
وزعم قائلا أن “الأسد ربما سئم من الثمن الباهظ الذي يدفعه لاستمرار الوجود الإيراني في سوريا، في كل مرة تقريبا تستهدف بطارياته المضادة للطائرات الطائرات الإسرائيلية، وينتهي به الأمر بفقدانها، في الوقت نفسه، تزيد روسيا ضغوطها على دمشق، واعتبرت مصادر روسية أن الرئيس فلاديمير بوتين اعتبر الإيرانيين منذ فترة طويلة عبئا، وليس رصيدا”.
وأكد أن “إسرائيل تتبنى تفاؤلا حذرا في ضوء هذه التطورات، الأمر لم ينته لدى الإيرانيين، لكنهم بدؤوا يتعبون، لأن التوغل الإيراني في سوريا أصبح ترفا، بينما بالنسبة لإسرائيل كان دائما مسألة وجود، لأنه بالنسبة لإسرائيل تعد الساحة السورية “منطقة قتل” سهلة للأهداف الإيرانية، وتتمتع إسرائيل بميزة نوعية كبيرة من حيث الاستخبارات والتفوق الجوي الكامل في هذه المنطقة”.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت