حقائق عن النفوذ الإيراني في سورية.. كيف بدأ وتكيّف مع التطورات؟
منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وجدت إيران مقاربات مختلفة لزيادة نفوذها العسكري والأمني في سورية. كان النهج الأول من خلال العمل المباشر مع الميليشيات الأجنبية وتجنيد الميليشيات المحلية.
أما النهج الثاني حسب مقالة نشرها نوار شعبان، الخبير العسكري في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية“، هذا الأسبوع في موقع “Atlantic Council “، فقد انطلق من جوهر النهج الأول.
حيث كان هدف إيران الأساسي دمج الميليشيات الإيرانية المحلية في جيش بشار الأسد وفروعه الأمنية، لمنحهم مكانة قانونية في سورية، ومظلة حماية من الضربات الجوية الإسرائيلية أو الأمريكية المحتملة.
لكن مع تراجع العمليات العسكرية في سورية، بدأت إيران في البحث عن طرق جديدة لتعزيز سيطرتها ونفوذها في مختلف المحافظات السورية، خاصة بعد نجاحها في اختراق جيش النظام وأجهزته الأمنية.
مع بداية بداية عام 2017، حولت إيران بعض تركيزها على التسلل إلى المجتمع السوري، وتعزيز علاقاتها مع رجال الأعمال السوريين.
وتحاول مقالة نوار شعبان من “مركز عمران للدراسات الاسترايتجية”، الإجابة عن تساؤلاتٍ حول بدايات النفوذ الإيراني، وكيف قامت طهران بتطوير سيطرتها والعمل على تشعيبها في كافة المجالات والمحاور؟.
تغيرات السيطرة والنفوذ التي طرأت على الوجود الإيراني
خلال السنوات الماضية، نما التدخل العسكري الإيراني في سورية، وأصبح أكثر وضوحًا، مما جعل استهدافهم مهمة سهلة لسلاح الجو الإسرائيلي. نتيجة لذلك، في سنتي 2017-2018، كان على إيران أن تجد نهجًا مختلفًا لتدخلها العسكري من أجل حماية ميليشياتها. ثم بدأت خطة طموحة لإعادة تعريف وجودها في سورية، من خلال إنشاء قوات الدفاع المحلي (LDF) ، ودعم ألوية محددة داخل الجيش السوري، ومؤخراً، إنشاء شركات أمنية خاصة محلية.
توضح الخريطتان التاليتان التحول الهائل للنفوذ والسيطرة الإيرانية بين عامي 2013 و 2020.
في عام 2013، كان النفوذ العسكري الإيراني غير مباشر ومن خلال وجود جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة.
المراحل الأولى من تجنيد الميليشيات الأجنبية والمحلية من قبل إيران (البداية)
- ميليشيات محلية
شجعت إيران الأقلية الشيعية في سورية، على تشكيل ميليشيات خاصة وجندت بعض السنة -وخاصة العشائر – في محافظات حلب والرقة ودير الزور. بالإضافة إلى ذلك، تم تجنيد بعض الميليشيات الشيعية في سورية وما زال يتم تجنيدهم على أساس طائفي بذريعة الدفاع عن الأماكن التي يعتبرها المجتمع الشيعي مقدسة.
على سبيل المثال، تجري حملات في المناطق التي تضم الأضرحة الشيعية المقدسة في دمشق في حي السيدة زينب. إذ تنقسم الميليشيات السورية المدعومة من إيران أو التي شكلتها إلى عدة مجموعات (في مرحلة ما كانت تدعم الدفاع الوطني وما زالت تدعم بعض تشكيلاته وخاصة في دير الزور – الدفاع المحلي – ميلشيات شيعية محلية أمثال قوات الرضى ولواء نبل والزهراء)
- ميليشيات أجنبية
تستخدم إيران عدة آليات لتجنيد مقاتلين أجانب. وهي توظف العامل الأيديولوجي من خلال “كشافة الحسينيات” لتجنيد متطوعين شيعة تحت شعار “حماية الأضرحة الشيعية”. كما عمدت طهران في المراحل الأولى من تدخلها إلى جذب المقاتلين بإغرائهم بالحوافز المادية.
على سبيل المثال، يحصل كل مقاتل في لواء فاطميون على ما يتراوح بين 450 دولارًا و 700 دولار شهريًا، مما يجعل الميليشيا أعلى رواتب من إيران. بالنسبة للميليشيات الأخرى، تدفع إيران رواتب تتراوح بين 200 دولار إلى 300 دولار، وبالنسبة للميليشيات المحلية، مثل كتائب نبل والزهراء، فإنها تُمنح أقل من 100 دولار في الشهر.
ويتم تمويل رواتب الميليشيات من ميزانية الحرس الثوري الإسلامي (IRGC) التي تبلغ حوالي 7.6 مليار دولار.
ومن الممكن تقسيم تلك الميليشيات الأجنبية إلى:
- الميليشيات العراقية
- الميليشيات الأفغانية
- الميليشيات الباكستانية
- الميليشيات اللبنانية
النفوذ والوجود الإيراني خارج الجيش والأمن
مع بداية عام 2018 لم تعد السيطرة الإيرانية مقتصرة على الوجود العسكري والأمني. حيث يستمر تركيز إيران على اختراق المجتمع السوري وتعزيز وجودها في النظام الاقتصادي السوري لضمان بقائها في سورية، خاصة في حال التوصل إلى اتفاق دولي لتحييد وجودها العسكري.
و تظهر الأرقام التالية نفوذ إيران ومدى سيطرتها العسكرية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية في مختلف المحافظات السورية.
على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بالسيطرة الاقتصادية، أعادت إيران تنشيط منتدى الأعمال السوري الإيراني في عام 2018، والذي لعب دورًا أساسيًا في انتشار المشاريع الإيرانية في مناطق مختلفة من سورية، مع التركيز في الغالب على مشاريع توليد الطاقة.
وتعمل طهران أيضاً مع “المنظمات الخيرية”، للاندماج بشكل أفضل في المجتمع السوري. ومن أهم المنظمات المدعومة من إيران منظمة “جهاد البناء”، والتي تركز في الغالب على موضوع ترميم المدارس والمراكز الصحية، و تنشط المنظمة حالياً في محافظتي دير الزور وحلب.
كما ركزت إيران مؤخرًا على التوعية التعليمية، حيث وصل عدد المنشآت التعليمية المُنشأة الآن إلى سبعة، بالإضافة إلى المراكز الثقافية الإيرانية التي تلعب دورًا مهمًا في نشر الثقافة الإيرانية في المجتمع السوري. عام 2019، أعادت “جهاد البناء” ترميم 16 مدرسة في دير الزور وحدها. وكان كل منها يحمل لافتة تؤكد دعم إيران للعملية.
كما توزع “جهاد البناء” بشكل دوري، مساعدات غذائية على المدنيين في محاولة لكسب ولاء السكان المحليين.
فخلال جائحة فيروس كورونا، أنشأت إيران عدة نقاط طبية صغيرة في دير الزور لتزويد المدنيين بفيتامين سي والأقنعة الواقية.
وخلص كاتب المقال، إلى أن انتشار النفوذ الإيراني في سورية يسير على هذا الأساس، وإن لم يكن بطريقة سريعة أو واضحة، معتبراً أن إيران موجودة في سورية على المدى الطويل، وتستغرق الوقت الذي تحتاجه لتحقيق النتائج التي ترجوها.