خلال الأسابيع الماضية، أعلنت السلطات السورية، خوضها محادثات تجارية مع مسؤولين وشركات روسية وايرانية، بهدف مقايضة البضائع بين سوريا وهذين البلدين “الحليفين” لتجاوز العقوبات والقيود المالية التي تحول دون الاستيراد، سيما في ظل الانهيار المتواصل لليرة السورية.
بداية، اتفق وفد إيراني مع وزارة التجارة الداخلية السورية، على مقايضة العدس وزيت الزيتون السوريين، من جهة، بزيت عباد الشمس الإيراني، من جهة ثانية. وفي التفاصيل، ستُصدّر المؤسسة السورية للتجارة ألفي طن من زيت الزيتون وألف طن من العدس إلى إيران، لقاء استيراد كميات من زيت عبّاد الشمس تعادل ثمن الكميات المصدّرة من زيت الزيتون والعدس.
اللافت أن الوزارة السورية لم تُحدد كمية الزيت الإيرانية، بل تحدثت عن معادلة الأثمان، دون ذكر ماهية الجهة المخوّلة بذلك. هل يُحدد الجانب الإيراني ثمن بضاعته، وكذلك يفعل السوري، لمصالحة الأثمان، أم أن هناك جهة مستقلة تتولى ذلك؟ (طبعاً، غياب الآلية هنا مؤشر الى التحكم الإيراني بالاتفاق، نظراً الى تفوق طهران في المجال الصناعي بعدما حطمت الحرب الاقتصاد السوري).
من المتوقع أن تبدأ عمليات المقايضة الشهر المقبل، على أن تليها صفقات مماثلة بأصناف أخرى، دون تحديد ماهيتها. بعد أسبوعين على إعلان هذه الصفقة هذا الشهر، زار وفد روسي دمشق وأبدى استعداداً لعمليات المقايضة هذه، بما أن الاستيراد بات مستحيلاً في ظل العقوبات والقيود المالية.
على هامش هذه الخطوة الحكومية السورية، تبرز ملاحظتان من الضروري التدقيق فيهما.
أولاً، لا تجارة دائمة في نظام المقايضة، سيما أننا لا نتحدث عن اقتصادات متكاملة في الإنتاج. من النادر مقايضة البضائع المطلوبة سورياً بتلك المطلوبة ايرانياً. وهذا يُفسر ربما مقايضة نوعين من الزيت، بدلاً من الحصول على مواد أكثر أهمية وحيوية. والحقيقة أن سوريا لا تملك القدرة التصديرية الهائلة التي تُمكنها من الاستمرار بعملية المقايضة، سيما مع دولة منتجة للمواد الغذائية ولديها صناعات مماثلة لتلك القائمة في سوريا، ولكن على نطاق أوسع. حتى مع الحلفاء، من الصعب الاعتماد على المقايضة كبديل عن العملات الصعبة التي يتفقدها النظام ويُحاول بشتى الطرق الاستحواذ عليها.
ذاك أن النظام السوري حاول مرات مقايضة الحمضيات في روسيا مع منتجات أخرى، من دون نتيجة تُذكر.
الفارق هنا أن إيران باتت اليوم في موقع يتيح لها فرض شروط سياسية وحتى اقتصادية غير مواتية للنظام، لقاء عمليات المقايضة، بما أنها شريك وحيد، إلى جانب بعض التبادل الخجول مع روسيا.
ثانياً، ليست المقايضة تكتيكاً لدمشق، بل بات خياراً وشكل نظام، نتيجة خروج سوريا (غير الموقت) من النظام المالي الدولي، وهو واقع غير آيل للتغيير، بل بات من الثوابت. هل يتوقع عاقل خروج سوريا من دائرة العقوبات والحصار المالي خلال ولاية الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن وحلفائه في الاتحاد الأوروبي؟
الأرجح أن خروج ايران من دائرة العقوبات، سيكون مساراً أسرع من سوريا التي يشترط المجتمع الدولي منها عملية سياسية تُشارك فيها المعارضة. ويُضاف الى كل ذلك، أن في دول غربية محاكمات لمسؤولين سوريين لا بد أن تُقيد أي محاولة لعودة النظام الى الساحة الدولية.
لهذا السبب، فإن الحديث عن نظام مقايضة في تجارة سوريا مع العالم الخارجي، هو نهج وليس حلاً موقتاً لأزمة. ذلك أن النظام يُحوّل سوريا التي اكتُشفت فيها قطع النقود المعدنية (المملكة الليدية في القرن السابع قبل الميلاد) للمرة الأولى في التاريخ البشري، إلى دولة بلا نقود، تُقايض منتجاتها القليلة، بحاجات أساسية تُوفرها ايران وربما روسيا بشروط غير متوازنة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت